يعد العالم باروج بيناسيراف (Baruj Benacerraf) أحد أبرز الأسماء في مجال علم المناعة الحديث، حيث ساهمت اكتشافاته في فهم كيفية استجابة الجسم البشري للأجسام الغريبة، مما أحدث ثورة في الطب وأسهم في تطوير اللقاحات والعلاجات المناعية الحديثة.
النشأة والتعليم
ولد باروج بيناسيراف عام 1920 في كاراكاس بفنزويلا لأسرة من أصول يهودية سفاردية هاجرت من المغرب، انتقل في شبابه إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث درس في جامعة كولومبيا، ثم حصل على الدكتوراه في الطب من جامعة فيرجينيا عام 1945، ومنذ بداياته العلمية، أظهر شغفًا كبيرًا بدراسة الجهاز المناعي وكيفية تفاعله مع الأمراض.
بداياته العلمية واكتشافاته
عمل بيناسيراف في مختبرات عديدة بالولايات المتحدة وفرنسا، وكان اهتمامه منصبًا على فهم العلاقة بين الوراثة والاستجابة المناعية، في خمسينيات القرن العشرين، لاحظ أن بعض الأفراد لديهم قابلية وراثية معينة للاستجابة أو عدم الاستجابة لبعض المستضدات (الأجسام الغريبة). ومن خلال أبحاثه الدقيقة، تمكن من تحديد جينات محددة مسؤولة عن تنظيم التفاعل المناعي.
اكتشاف "مركب التوافق النسيجي"
كان الإنجاز الأبرز في مسيرته هو اكتشافه لما يعرف بـ مركب التوافق النسيجي الرئيسي (MHC)، وهو مجموعة من الجينات التي تلعب دورًا محوريًا في تمييز الجسم بين الخلايا الذاتية وغير الذاتية، أي بين خلايا الجسم والخلايا الغريبة مثل البكتيريا والفيروسات.
هذا الاكتشاف كان بمثابة حجر الأساس لعلم زراعة الأعضاء والعلاج المناعي، إذ فسر سبب رفض الجسم للأعضاء المزروعة، وفتح الباب أمام تطوير أدوية تقلل من هذا الرفض.
جائزة نوبل في الطب
في عام 1980، منح باروج بيناسيراف جائزة نوبل في الطب أو الفسيولوجيا مناصفة مع العالِمين جورج سنيل وجان دوسيه، تكريمًا لاكتشافاتهم المشتركة المتعلقة بمركب التوافق النسيجي ودوره في التحكم بالاستجابة المناعية، اعتبر هذا الإنجاز أحد أهم الاكتشافات في القرن العشرين، لما له من أثر مباشر في تطوير اللقاحات وفهم أمراض المناعة الذاتية والسرطان.
إسهاماته في تطوير البحث العلمي
لم يقتصر دور بيناسيراف على الأبحاث المعملية فحسب، بل شغل مناصب أكاديمية مرموقة، منها رئاسة قسم علم المناعة في جامعة هارفارد ورئاسة الجمعية الأمريكية لعلم المناعة.
أسس جيلًا من العلماء الذين واصلوا تطوير أبحاثه، وكان معروفًا بدعمه للمواهب الشابة وتشجيعه للباحثين على تجاوز حدود المألوف العلمي.
توفي باروج بيناسيراف عام 2011، لكنه ترك خلفه إرثًا علميًا وإنسانيًا عظيمًا، فقد أسهمت أعماله في تمهيد الطريق أمام الطب الحديث لفهم الأمراض المناعية مثل الذئبة الحمراء والتصلب المتعدد، كما ساعدت اكتشافاته في تعزيز نجاح زراعة الأعضاء وإنقاذ حياة الملايين حول العالم.
كان باروج بيناسيراف عالمًا ذا رؤية ثاقبة، جمع بين الطب والوراثة والمناعة في إطار واحد، ليعيد صياغة فهم البشرية لجهاز المناعة، وبفضل إسهاماته، أصبح الطب أكثر قدرة على مواجهة الأمراض بطرق دقيقة وموجهة، مما جعله بحق أحد رواد العلم الذين غيروا وجه الطب الحديث.














0 تعليق