قبل أن تصبح الدلوعة التي يعرفها الملايين، كانت شادية مجرد فتاة صغيرة تحلم باليوم الذي تقف فيه على المسرح لتغني أمام الناس، لكن ما لم تكن تعرفه تلك الفتاة هو أن أول ظهور لها سيترك في نفسها جرحًا لا يُنسى، ويصنع لها عقدة ظلت تطاردها لسنوات طويلة.
أول حفلة جماهيرية في حياة شادية
في مذكراتها التي روتها للكاتبة إيريس نظمي ويرصدها موقع تحيا مصر عادت شادية لتتذكر تفاصيل تلك الليلة وكأنها حدثت بالأمس، كانت تستعد للمشاركة في أول حفل غنائي تنظمه نقابة السينمائيين في قاعة “الحلمية بالاس”، لم تكن قد تعودت على مواجهة الجمهور، فكل تجاربها السابقة في الغناء كانت داخل جلسات عائلية بسيطة في انشاص أو بين صديقاتها في شارع طوسون بشبرا، أما أن تقف أمام جمهور كبير ينتظر نجومه المفضلين، فكان ذلك أمرًا مختلفًا تمامًا.
لم تكن وحدها في الحفل، بل كان معها كبار النجوم وقتها: عبد العزيز محمود بأغانيه الشعبية التي يحبها الناس، ورجاء عبده التي ستغني اشهدوا يا ناس، والراقصة تحية كاريوكا التي ستقدم فقرتها الخاصة، شعرت شادية وقتها بخوف شديد، وسألت نفسها: “ماذا سأفعل وسط هؤلاء؟ هل سأكون على قدر هذا الموقف؟”، صحيح أن فيلمها “العقل في إجازة” مع محمد فوزي قد نجح، لكنه لم يجعل منها نجمة بعد. كانت مجرد بداية صغيرة على طريق طويل.
شادية تقرر تقليد أم كلثوم
جلست تفكر في الأغنية التي يمكن أن تقدمها أمام الجمهور، لم يكن لديها أغنيات مشهورة مثل الآخرين، ولم يكن من المنطقي أن تقدم دويتو “متشكر آه” الذي غنّته مع محمد فوزي في الفيلم، لأنه كان لحنًا سينمائيًا لا يصلح للحفلات، فكرت في الاعتذار عن الحفل، لكنها تراجعت سريعًا، كانت تدرك أن مواجهة الجمهور أمر لا مفر منه إذا أرادت أن تصبح مطربة حقيقية.
بعد تردد طويل، قررت أن تغني أغنية غني لي شوية شوية لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، ظنت في البداية أن هذا الاختيار سيجعل الجمهور يلتفت إليها، لكنها لم تكن تعلم أنها وضعت نفسها في مأزق كبير. بدأت تتدرب على اللحن مع الفرقة الموسيقية، دون أن تدرك أن صوتها الطفولي الناعم لا يتناسب أبدًا مع عمق وطابع أغاني أم كلثوم.
شادية لم توفق في أول حفل غنائي لها
وجاء يوم الحفل، وقفت شادية على المسرح، تتنفس بصعوبة وهي تنظر إلى الوجوه التي تنتظرها في القاعة، بدأت الفرقة في العزف، وأمسكت الميكروفون وبدأت تغني “غني لي شوية شوية”، لكن صوتها خرج ضعيفًا ومسرسعًا، بعيدًا تمامًا عن القوة والوقار الكلثومي الذي يعرفه الناس، لم تكن تغني بطريقتها الخاصة، بل تحاول تقليد أم كلثوم، فبدا الموقف مضحكًا أكثر منه مؤثرًا.
لم يمر وقت طويل حتى بدأت الضحكات تتعالى من الجمهور، كانت ضحكات ساخرة، خافتة في البداية ثم تحولت إلى همهمة واضحة، وتقول شادية في مذكراتها إنها شعرت وكأن أحدهم “صفعها على وجهها بقوة”، ارتبكت، واهتز صوتها أكثر، لكنها أكملت الأغنية رغم كل شيء، ولم تجرؤ على الهروب أو مغادرة المسرح، لكنها خرجت بعد الحفل وهي تشعر بالخزي والانكسار.
تلك الليلة كانت نقطة تحول في حياتها، قررت ألا تغني في أي حفل عام مرة أخرى، وألا تحاول تقليد أحد. أقسمت ألا تعود للغناء أمام الجمهور إلا إذا كان لها رصيد من الأغاني الخاصة التي تعبّر عنها هي وحدها، لا عن أي مطربة أخرى، ورفضت بعدها عروضًا كثيرة للمشاركة في حفلات، وركزت على الغناء داخل أفلامها فقط، حيث وجدت مساحة أكثر أمانًا.
















0 تعليق