المتحف المصري الكبير: حين تتوج الحضارة قيادة الرئيس

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

السبت 25/أكتوبر/2025 - 09:08 م 10/25/2025 9:08:02 PM


افتتاح المتحف المصري الكبير ليس حدثًا ثقافيًا عابرًا، ولا حتى مشروعًا أثريًا ضخمًا فحسب، بل هو لحظة ميلاد جديدة للوعي المصري في مواجهة العالم، فحين يلتقي التاريخ بالحاضر على أرض الجيزة، وتطل الحضارة المصرية بأبهى صورها أمام ملوك ورؤساء وقادة من شتى بقاع الأرض، فإن الرسالة تتجاوز حدود الآثار إلى حدود الدولة ذاتها، ذلك أن مصر التي بنت الأهرام قادرة أن تبني حاضرها، وأن من يقود نهضتها الحديثة، الرئيس عبد الفتاح السيسي، أراد أن يجعل من هذا الافتتاح تتويجًا لرحلة طويلة من البناء في وجه العواصف.
هذا الحدث الفريد يعلن أن الجمهورية الجديدة لا تكتفي بالبناء المادي، بل تؤسس لنهضة روحية وثقافية تُعيد الاعتبار لقيمة الإنسان والتاريخ والهوية، فالمتحف المصري الكبير ليس مجرد صرح من الحجارة والزجاج، بل هو رمز لإرادة دولة آمنت أن الحضارة ليست ماضيًا يُعرض في القاعات، بل طاقة تُستعاد لتصنع المستقبل، فكل قطعة أثرية داخله تحكي قصة إنسان آمن بعمله وصنع من حلم الخلود رسالة للأجيال، وهي ذات الروح التي أعاد الرئيس السيسي إحياءها في عقل الدولة المصرية حين جعل من التنمية مشروعًا وطنيًا شاملًا لا يعرف الانقطاع.
إن اختيار افتتاح المتحف في هذا التوقيت يحمل دلالات تتجاوز التزامن الزمني إلى المعنى السياسي والحضاري، ففي الوقت الذي تواجه فيه المنطقة اضطرابات عميقة وصراعات هوية، تقدم مصر نفسها للعالم كقوة توازن واستقرار، قادرة أن تصوغ خطابًا حضاريًا بديلًا عن فوضى الصراع.
إن مشهد قادة وزعماء العالم وهم يصطفون على أبواب المتحف المصري الكبير ليس مجرد مراسم دبلوماسية، بل اعتراف ضمني بمكانة مصر المتجددة، واحترام لدولة استطاعت أن تحافظ على روحها وسط ضجيج الزمن.
ويريد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يكون هذا الافتتاح رسالة رمزية للعالم بأن مصر التي تحارب الإرهاب وتبني الاقتصاد وتعيد هيكلة مؤسساتها، قادرة في الوقت ذاته أن تفتح للعالم بوابة النور إلى أعظم تراث عرفته الإنسانية، فكما بنت مصر القديمة أهراماتها لتشهد على عظمة الإنسان، تبني مصر الحديثة مؤسساتها الكبرى لتشهد على عظمة الإرادة، وفي الحالتين، يظل المعنى واحدًا: لا شيء يقف أمام شعب قرر أن يعيش شامخًا رغم التحديات.
إن ما تشهده مصر اليوم ليس سلسلة مشروعات متفرقة، بل رؤية متكاملة تستهدف بناء دولة عصرية تستند إلى قاعدة حضارية متينة، من شبكة الطرق العملاقة التي غيرت خريطة مصر التنموية، إلى العاصمة الإدارية الجديدة التي أعادت مفهوم الإدارة الحديثة للدولة، إلى مبادرات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية التي وضعت الإنسان في صدارة الأولويات، كلها حلقات في مشروع وطني واحد: إعادة بناء الدولة المصرية على أسس القوة والعقل.
فمصر اليوم ليست تلك التي تواجه فقط تحديات الاقتصاد، بل هي التي تصنع فرص المستقبل، وتعيد اكتشاف إمكاناتها الذاتية، لقد تحولت من دولة تعاني من ضغوط داخلية إلى دولة تمتلك قرارها الاستراتيجي، وتعيد تموضعها إقليميًا ودوليًا بثقة وهدوء، فسياسة مصر الخارجية لم تعد رد فعل، بل أصبحت فاعلًا مؤثرًا يُستدعى عند كل أزمة، ويُحترم رأيها عند كل منعطف في المنطقة.
وفي الداخل، أعادت الدولة الاعتبار لفكرة الكفاءة والانضباط، فالمشروعات العملاقة لم تكن استعراضًا هندسيًا، بل ترجمة لرؤية تضع “الزمن” كعنصر من عناصر الأمن القومي، فحين تُنجز المدن والطرق والموانئ في سنوات قليلة، فهذا ليس مجرد تسارع في التنفيذ، بل إعلان بأن مصر لم تعد ترضى بإيقاع البطء ولا بمستوى الأداء التقليدي، بل دخلت عصر الإدارة الحديثة التي تحاسب بالأرقام والنتائج.
والمتحف المصري الكبير هو صورة مصغّرة لفلسفة الدولة المصرية في عهد الرئيس السيسي، والتي تقوم على المزج بين الأصالة والمعاصرة، بين الحلم والواقعية، بين التاريخ كجذر والمستقبل كأفق، فهو ليس متحفًا في مفهومه الكلاسيكي، بل مدينة ثقافية متكاملة تمزج بين العرض والإبهار، بين العلم والتكنولوجيا، وبين الجلال الفني والروح الإنسانية.
لقد اختير موقعه بعناية ليكون امتدادًا بصريًا وروحيًا للأهرامات، وكأن الدولة المصرية أرادت أن تضع “جسرًا” بين ماضيها الخالد ومستقبلها الصاعد، وكل تفاصيله، من تصميمه المعماري إلى تنظيم معارضه الداخلية، تعكس فلسفة الجمال التي أعيد الاعتبار لها في روح الإدارة المصرية الحديثة، بعد سنوات من التكلس والإهمال.
وفي الحقيقة، فإن المتحف لم يعد ملكًا لمصر وحدها، بل أصبح ملكًا للإنسانية كلها، إنه دعوة مفتوحة للعالم ليقرأ تاريخ البشر من على أرض مصر، وليفهم أن هذه الأرض لم تكن يومًا شاهدة على الماضي فحسب، بل كانت صانعته.
إن ما فعله الرئيس السيسي خلال سنوات حكمه يتجاوز فكرة الإصلاح إلى فكرة “إعادة صياغة الوعي الجمعي”، لقد أراد أن يعيد للمصريين شعورهم بالقدرة، وثقتهم بأنفسهم، واعتزازهم بانتمائهم، بعدما حاولت عقود طويلة تفريغ الشخصية المصرية من مضمونها، فالوعي لا يُبنى بالخطب، بل بالقدوة والمثال، والمتحف المصري الكبير أحد أهم أبرز رموز هذا الوعي الجديد، وأن نرى أنفسنا كما يجب أن نكون، لا كما يريد الآخرون أن نصبح.
وإذا كان الاقتصاد عمود الخيمة لأي دولة، فإن الثقافة هي سقفها الواقي، ولذلك كان من الطبيعي أن يتوّج الرئيس مسيرة بناء الدولة المادية ببناء صرح ثقافي يعيد للعالم تعريف “مصر”.
إنها لحظة إدراك أن الحضارة ليست رفاهية فكرية، بل أمن قومي بالمعنى العميق.
إن مشهد افتتاح المتحف المصري الكبير ليس مجرد احتفال رسمي، بل احتفال بانتصار الفكرة المصرية على الفوضى واليأس والتشكيك، إنها لحظة رمزية تقول للعالم: إن هذا الشعب الذي بنى أهراماته دون آلات، قادر أن يبني دولته الحديثة رغم كل العقبات.
القاهرة في يوم الافتتاح ستضيئ وجه التاريخ، وتقول بلغة الحضارة: إننا هنا، باقون، صامدون، وصاعدون.
إن المتحف ليس ختامًا لمرحلة، بل بداية لزمن جديد تتوحد فيه الدولة والثقافة تحت راية واحدة: “أن تبقى مصر كما كانت دائمًا.. معلمة الشعوب”.
فحين تتوج الحضارة قيادة وطنية واعية، يصبح التاريخ حاضرًا، والمستقبل ممكنًا، والوطن أكثر قدرة على أن يقف شامخًا بين الأمم.
 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق