لحظة تاريخية في طوكيو وفي مشهدٍ وُصف بأنه تحوّل تاريخي في الحياة السياسية اليابانية، انتخب البرلمان، أمس، المحافظة ساناي تاكايتشي أول رئيسة وزراء في تاريخ البلاد، بعد سباق انتخابي ذكوري بالكامل داخلي عاصف داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم
خلفية محافظة وقدوة حديدية
وجاء فوز تاكايتشي البالغة من العمر 64 عامًا بعد أسابيع من التوتر السياسي، وانهيار تحالف استمر 26 عامًا بين حزبها المحافظ وشريكه الأصغر حزب كوميتو، ما أدخل البلاد في مرحلة جديدة من التحالفات والمفاوضات السياسية الدقيقة.
تُلقب تاكايتشي في الأوساط اليابانية بـ “تاتشر اليابان”، تشبيهًا برئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارجريت تاتشر، التي تعتبرها قدوتها السياسية
وقالت تاكايتشي إنها التقت بتاتشر عام 2013، قبل وفاتها، ووصفت اللقاء بأنه كان منعطفًا في حياتها السياسية. وأضافت أنها استلهمت منها "قوة الشخصية وثبات القناعة في مواجهة العواصف السياسية"
ورغم هذا التشابه في الصرامة السياسية، فإن تاكايتشي تختلف عن تاتشر في توجهاتها الاقتصادية؛ إذ تميل إلى الإنفاق السخي والسياسات النقدية المتساهلة، على عكس "المرأة الحديدية" التي اشتهرت بالتقشف المالي
من أصول متواضعة إلى قمة السلطة
ولدت ساناي تاكايتشي في مدينة نارا لعائلة بسيطة؛ والدتها كانت ضابطة شرطة ووالدها عمل في شركة سيارات، ما جعلها حالة نادرة في حزبٍ يهيمن عليه أبناء العائلات السياسية النخبوية.
درست إدارة الأعمال في جامعة كوبي، ثم عملت لفترة قصيرة في الكونغرس الأميركي قبل أن تدخل الحياة السياسية اليابانية عام 1993 بفوزها في مقعد بمجلس النواب كمستقلة، لتنضم لاحقًا إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي عام 1996.
الطريق الصعب إلى القمة
خسرت تاكايتشي بفارقٍ ضئيلٍ في انتخابات الحزب العام الماضي، لكنها عادت بقوة هذا العام مدعومة من الجناح المحافظ للحزب.
ورغم انسحاب حزب “كوميتو” من التحالف الحكومي، تمكنت من تأمين دعم حزب “إيشين” اليميني بزعامة هيروفومي يوشيمورا بعد مفاوضات مكثفة، توّجت باتفاق مبدئي على تشكيل حكومة ائتلافية جديدة.
وأكدت وكالة "كيودو" اليابانية أن الحزبين سيوقّعان رسميًا على اتفاق التحالف، مع دعم نواب “إيشين” لتاكايتشي في تصويت البرلمان، دون المشاركة الوزارية في المرحلة الأولى.
أولويات اقتصادية ومخاوف استثمارية
يرى محللون أن التحدي الأكبر أمام رئيسة الوزراء الجديدة هو إعادة التوازن لاقتصاد اليابان الذي يعاني من أعلى مستويات الدين العام في العالم المتقدم.
وتواجه تاكايتشي ضغوطًا متزايدة من المستثمرين الذين يخشون أن تؤدي خططها الإنفاقية الواسعة إلى اهتزاز الثقة بالاقتصاد الياباني.
مع ذلك، تؤكد أنها ستواصل دعم سياسات التحفيز المالي المعروفة باسم “آبينوميكس” التي أطلقها رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي، وتعهدت بإعادة تأكيد نفوذ الحكومة على بنك اليابان لضمان استمرار النمو.
مواقف قومية مثيرة للجدل
تاكايتشي ليست مجرد إصلاحية اقتصادية، بل تُعرف بمواقفها القومية الصريحة.
فهي تزور بانتظام ضريح ياسوكوني، الذي يكرم قتلى الحروب اليابانية بينهم مجرمو حرب من الحرب العالمية الثانية، ما يثير توترًا مع الصين وكوريا الجنوبية.
كما تدعو إلى مراجعة الدستور السلمي الذي فرضته واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية، واقترحت مؤخرًا إنشاء تحالف شبه أمني مع تايوان، الأمر الذي وصفته بكين بأنه “خطوة استفزازية خطيرة”.
ملف الهجرة واختبار العلاقات الدولية
في الداخل، تعهدت تاكايتشي بشن حملة صارمة ضد المهاجرين المخالفين، في وقتٍ تشهد فيه اليابان ارتفاعًا قياسيًا في أعداد الوافدين والسياح.
أما خارجيًا، فإن أول اختبار دبلوماسي لها سيكون مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي من المقرر أن يزور طوكيو الأسبوع المقبل.
ويرى مراقبون أن اللقاء سيكون أول مؤشر على شكل العلاقة بين واشنطن وطوكيو في ظل قيادة نسائية جديدة ذات ميول قومية.
خطوة رمزية في مجتمع محافظ
ورغم وعودها بزيادة عدد النساء في الحكومة اليابانية، تشير استطلاعات الرأي إلى أن تاكايتشي تحظى بدعم أقوى بين الرجال مقارنة بالنساء، بسبب مواقفها التقليدية حول قضايا النوع الاجتماعي.
ومع ذلك، يرى البعض في صعودها إلى السلطة انتصارًا رمزيًا للنساء اليابانيات في مجتمعٍ ظل لعقودٍ طويلةٍ حكرًا على الرجال في المناصب العليا.
بهذا الفوز، تدخل اليابان عصرًا سياسيًا جديدًا تتقدمه امرأة تُشبه “المرأة الحديدية” في عزيمتها، لكنها تختلف عنها في أدواتها الاقتصادية وطموحاتها الآسيوية.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستنجح ساناي تاكايتشي في إعادة تشكيل ملامح السياسة اليابانية، أم أن “تاتشر اليابان” ستواجه مصيرًا صعبًا في إدارة رابع أكبر اقتصاد في العالم وسط عواصف الداخل والخارج؟
0 تعليق