الأربعاء 22/أكتوبر/2025 - 01:13 ص 10/22/2025 1:13:34 AM
"من لا يحلم الآن بالثراء فهو مجنون!"... قالها صديقي واثقا على المقهى مترقبا آثار عبارته على وجهي. قلت له هادئا: لا بأس بهذا الحلم، لكن لا يصح وصف تاركه بالجنون، ثم إن من يحلم بشيء فعليه أن يكون قادرا على تحقيقه بالطرق المشروعة طبعا، ومستعد الذهن والبدن لدفع الثمن؛ لأنه سيفكر طويلا وسيعمل كثيرا أيا كان حلمه، فكيف لو كان الحلم هو المال؟
سكت، وكنا التقينا في المقهى صدفة، وجرنا الحديث إلى المال وضرورته القصوى في أيام الغلاء الفظيع التي نعيشها، كل سلعة زادت، وكل ما زاد يبدو مستقبله إلى ازدياد أعلى لا انخفاض. إنها الأيام التي باع فيها الناس أخلاقهم ومبادئهم من أجل النقود، بل باع بعضهم دينه نفسه من أجل هذا الهدف اللعين!
غادرته يومها وأنا مشفق عليه، لقد كان بسيطا وقنوعا، لكنه تغير كتغير معظم الأشياء من حولنا، كان فيما فات لا يبالي بالمال ولا يتكلم في موضوعه أصلا، إلا أنه سبق ومر بتجربة قاسية مع شابة جميلة أراد خطبتها فوقف المال حائلا بينه وبينها، لم تصمد مشاعرها حين تقدم إليها آخر ثري، لم يكن يعلم بقصتهما، رضخت للمال سريعا، وتأثر صديقي إلى حد التشظي.
قلت له مرة: لم تكن محبتها صادقة، ورد قائلا: حتى لو كانت صادقة؛ ماذا كانت ستفعل في بيت خال من الخشب الفاخر والأجهزة الفخمة، ومن أدوات الزينة النفيسة المبهجة التي تحبذها النساء، وفي وجودها تشعر أنها تركت بيت أبويها وانتقلت إلى مملكتها الخاصة فعلا... بل قال بإصرار: النقود هي السبب، ولا بد أن أكون ثريا، وأعوض خسارتي لها بأربع جميلات كنور الشريف في مسلسله "عائلة الحاج متولي"... عارضته حينها وقلت: طغيان البريق ليس غاية المرأة البسيطة العاقلة، إنه المبالغة الممجوجة، وذلك المسلسل، بالمناسبة، لم يكن سوى سقطة فادحة للفنان الكبير في أواخر مشواره للأسف؛ فالفكرة بائسة تماما، فكرة الرجل الذي لا يصنع بالمال شيئا ذا قيمة، إنما يستعيد به زمن الجواري!
لم يقتنع بكلامي طبعا، واتبع كل طريق يفضي به إلى جمع المال، لكنه لم يصل إلى شيء سوى عبارته التي كنت بدأت بها المقال: "الجنون هو عدم الحلم الثراء!".
طالما سألت نفسي: هل أصابه الجنون لأنه حلم بالثراء؟! يبدو مفتونا بحكاية
الغنى إلى الألم النفسي الواضح، ولا يملك أن يحقق سطرا واحدا من سطورها.
الحلم بالثراء ليس عيبا، والمهم أن يكون لأهداف طيبة، وألا يكون نتيجة صدمة ما، ولكن الحلم بالصحة الجيدة، والعمل من أجل ذلك، أجدى وأهم، والحلم بالستر المغني عن السؤال، والعمل من أجل ذلك، أجدى وأهم، كل أمر بعد ذلك هين، ولا يصح أن يقتل الإنسان نفسه وراء أحلامه على العموم.
0 تعليق