التحصين من الفكر المتطرف

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

فى خطوة تعكس الوعى العميق بالتحديات المعاصرة التى تواجه الأمن الفكرى والاجتماعى، أوْلى الرئيس عبدالفتاح السيسى أهمية قصوى لمسألة التحصين والوقاية من الفكر المتطرف. 

وقد دعا الرئيس، خلال لقائه مؤخرًا الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف، إلى الاستمرار فى الجهود المبذولة لترسيخ القيم الصحيحة ومواجهة التطرف الدينى بكل صوره. وهو توجيه يمثل ركيزة أساسية ضمن الاستراتيجية الشاملة للدولة المصرية فى مكافحة الإرهاب والتطرف، ليس أمنيًا فحسب، بل على المستوى الفكرى والثقافى والتربوى، إيمانًا بأن المعركة الحقيقية تخاض فى عقول الأجيال ونفوسهم قبل أى مكان آخر. 

فجذور التطرف لا تجتث إلا بتوفير البيئة الفكرية السليمة التى تغذى الوسطية والاعتدال وتنبذ الغلو والانغلاق، حيث تتطلب هذه الرؤية تكاملًا بين كل مؤسسات الدولة، وفى مقدمتها المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والإعلامية، لتشكيل جبهة داخلية صلبة محصنة ضد محاولات الاختراق الأيديولوجى. 

ووزارة الأوقاف، على سبيل المثال، تقع على عاتقها مسئولية كبيرة فى تجديد الخطاب الدينى وتأهيل الأئمة والخطباء والدعاة، ليكونوا حماة الفكر المستنير وناشرى قيم التسامح والرحمة، بعيدًا عن التشدد والتعصب، من خلال برامج تدريب وتأهيل متطورة تهدف إلى إكسابهم أدوات التعامل مع المستجدات الفكرية وتقديم تفسيرات دينية مستنيرة تتفق مع جوهر الإسلام السمح، مع التوجيه بمواصلة جهود تحسين أحوال الأئمة وتوفير الدعم اللازم لهم ليؤدوا رسالتهم بفاعلية. وهذا يشير إلى فهم دقيق لكون الأئمة والدعاة هم الخط الأول فى هذا التحصين المجتمعى. 

إن الرؤية الرئاسية لا تقتصر على معالجة الفكر المتطرف لدى الكبار أو الشباب فحسب، بل تمتد إلى النشء والأطفال، حيث تم التأكيد على ضرورة تزويدهم بالمعارف الدينية الصحيحة وتنشئتهم على قيم الوسطية والاعتزاز بالهوية الوطنية، وهو ما يعكس استراتيجية وقائية بعيدة المدى تستهدف بناء جيل واعٍ مدرك لقيمة الاعتدال ومتمسك بثوابت الوطن. 

إن بناء الوعى يبدأ من المراحل العمرية المبكرة لضمان تنشئة سوية بعيدة عن التأثيرات الهدامة التى قد تغرس بذور التطرف. ويتطلب هذا التوجه مراجعة للمناهج التعليمية وتطويرًا للأنشطة الثقافية والتربوية لتعزيز الانتماء الوطنى والقيم الإنسانية المشتركة. 

كما تشمل جهود التحصين أيضًا التصدى للقيم والسلوكيات السلبية التى تعد بيئة خصبة لنمو الأفكار المنحرفة. والرئيس السيسى يدرك أن الفراغ الفكرى والاجتماعى قد يكون مدخلًا للتطرف، ولذلك فإن نشر القيم الصحيحة والأخلاق الفاضلة فى المجتمع، وتقديم القدوة الحسنة، يعدان جزءًا لا يتجزأ من عملية الوقاية الشاملة، بالإضافة إلى الدور الحيوى للمنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعى فى نشر خطاب وسطى متزن، ومواجهة حملات التضليل والتحريض التى يشنها دعاة التطرف. 

التحصين الفكرى يجب أن يصل إلى كل بيت وفرد، عبر أدوات عصرية وجذابة تتناسب مع التطور التكنولوجى. ويعد إنشاء المجلس القومى لمواجهة الإرهاب والتطرف فى وقت سابق دليلًا على الإطار المؤسسى الذى وضعته الدولة لهذه المعركة، لحشد الطاقات وتنسيق الجهود بين مختلف الأجهزة والمؤسسات لوضع استراتيجية وطنية شاملة.

إن توجيه الرئيس السيسى بالاستمرار فى جهود التحصين والوقاية من الفكر المتطرف ونشر القيم الصحيحة، ليس مجرد قرار عابر، بل هو إقرار بأولوية البعد الفكرى فى بناء دولة قوية ومجتمع آمن ومستقر، وهو التزام مستدام بضمان مستقبل الأجيال القادمة بعيدًا عن ويلات الغلو والتطرف، ليظل الأمن الفكرى هو الصمام الذى يحفظ لمصر هويتها الوسطية ومكانتها الريادية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق