يحل شهر أكتوبر من كل عام حاملا اللون الوردي، رمز الأمل والتحدي في وجه أحد أخطر الأمراض التي تواجه النساء حول العالم، وهو سرطان الثدي، وتعد هذه المناسبة فرصة لتكثيف حملات التوعية بالكشف المبكر، وتشجيع السيدات على الفحص الدوري، ونشر قصص ناجيات استطعن مواجهة المرض بقوة وإصرار.
وفي مصر، تتجدد الجهود الوطنية كل عام لدعم المرأة المصرية صحيًا ونفسيا، من خلال مبادرات الكشف المبكر التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتي أسهمت في إنقاذ آلاف السيدات.
وبين قصص الأمل التي تروى في هذا الشهر، تبرز حكاية سماح محمد، التي تحولت إلى رمز لرحلة الكفاح والانتصار على السرطان بفضل الوعي والدعم والرعاية في مؤسسة “بهية”.
في هذا السياق، أكد الدكتور أحمد الوراق، استشاري الأورام، أن سرطان الثدي هو الأكثر شيوعا بين السيدات حول العالم، مشيرا إلى أن نسب الإصابة بين النساء تفوق الرجال بكثير، إذ تبلغ نسبة إصابة الرجال بالمرض نحو 1% فقط مقارنة بالنساء.
وأوضح الوراق في تصريحات خاصة لـ" الدستور"، أن بعض الحالات قد ترتبط بعوامل وراثية وجينية، مما يجعل من الضروري أن تكون هناك متابعة دقيقة للسيدات اللاتي لديهن تاريخ عائلي مع المرض، سواء من جهة الأم أو الأب، حيث يزيد ذلك من احتمالات الإصابة.
الذكاء الاصطناعي ودوره في تشخيص سرطان الثدي
وأشار استشاري الأورام إلى أن التطور التكنولوجي والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تشخيص سرطان الثدي أصبح من أهم الأدوات التي تساعد الأطباء في تحديد المرض بدقة عالية.
وأضاف أن هذه التقنيات تتيح تحليل الصور الشعاعية بشكل متقدم، مما يسهم في اكتشاف الأورام في مراحلها الأولى قبل أن تصبح مرئية أو محسوسة، وهو ما يزيد من فرص الشفاء الكامل.
كما أكد أن الذكاء الاصطناعي يستخدم أيضا في تحليل نتائج الفحوصات والإشاعات المختلفة، خاصة في حالة وجود استفسارات أو شكوك حول طبيعة الورم، حيث يقدم دعمًا علميا للأطباء لتحديد نوع الورم ومرحلة تطوره.
الاكتشاف المبكر.. مفتاح النجاة
وأوضح الدكتور الوراق أن الاكتشاف المبكر هو العامل الأهم في علاج سرطان الثدي، إذ يساعد في السيطرة على المرض ومنع انتشاره.
وقال: “الخلية السرطانية الواحدة خلال خمس سنوات فقط يمكن أن تصل إلى حجم سنتيمتر مكعب واحد، أي ما يعادل حجم صغير جدا من الورم، ولكن في حال الكشف المبكر يمكن علاجه بسهولة تامة ودون الحاجة إلى استئصال الثدي”.
وأضاف أن مبادرات الكشف المبكر التي أطلقتها الدولة المصرية بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي كان لها تأثير بالغ في تقليل نسب الوفيات، إذ وفرت حملات الفحص المجاني في جميع المحافظات، تستهدف السيدات من سن 30 عامًا فأكثر، مع إمكانية الكشف لمن هن أقل من هذا السن في حالات نادرة أو عند وجود تاريخ عائلي مع المرض.
أعراض يجب الانتباه لها
أوضح الوراق أن أعراض سرطان الثدي لا تظهر في المراحل المبكرة، بل غالبًا ما تبدأ العلامات الواضحة مع تقدم الحالة، ولذلك من الضروري إجراء الفحوصات الدورية المنتظمة وتشمل الأعراض التي تستدعي القلق:
ظهور كتلة أو تورم في الثدي أو تحت الإبط.
وجود تغير في حجم أو شكل الثدي يمكن ملاحظته بالعين المجردة.
ظهور إفرازات غير طبيعية من الحلمة.
تغير لون الجلد أو انكماشه في منطقة الثدي.
وأكد أن الكشف المبكر يسهم في تجنب الإجراءات الجراحية المعقدة، ويسهل العلاج بنسبة نجاح مرتفعة تصل إلى أكثر من 90% في الحالات المبكرة.
خطوات الفحص الذاتي المنزلي
حث الدكتور أحمد الوراق السيدات على ضرورة القيام بـ الفحص الذاتي المنزلي للثدي مرة شهريا بعد انتهاء الدورة الشهرية بخمسة أيام، ويمكن تنفيذ الفحص بخطوات بسيطة كالتالي:
- الوقوف أمام المرآة وملاحظة أي تغير في الشكل أو الحجم أو الجلد.
- رفع الذراع اليمنى خلف الرأس وفحص الثدي الأيسر باليد اليمنى في خمس مناطق رئيسية تشمل الأرباع العليا والسفلى والمنطقة الداخلية والخارجية.
- استخدام أطراف الأصابع بحركات دائرية خفيفة للبحث عن أي كتل أو تورمات
- الضغط بلطف على الحلمة للتأكد من عدم وجود أي إفرازات.
- تكرار العملية للثدي الآخر بنفس الطريقة.
وأضاف أن الفحص الذاتي لا يغني عن الفحص الطبي الدوري بالأشعة التلفزيونية، خاصة بعد سن الثلاثين أو في حال وجود عوامل خطر وراثية.
الحالة النفسية جزء من العلاج
شدد الوراق على أن الحالة النفسية للمريضة تلعب دورًا رئيسيًا في رحلة الشفاء، موضحًا أن التفاؤل والهدوء النفسي يساعدان الجسم على مقاومة المرض بشكل أفضل.
وأشار إلى أن كثير من السيدات اللاتي تعاملن بإيجابية مع المرض تمكن من تجاوزه بنجاح، مثل الممثلة العالمية أنجلينا جولي التي اختارت استئصال الثديين بعد اكتشاف استعدادها الوراثي للمرض، لكنها واجهت التجربة بثقة وتوازن نفسي، ما جعلها رمزًا عالميًا للتحدي والوعي الصحي.
وزارة الصحة والمبادرات الرئاسية
أشاد الوراق بدور وزارة الصحة والسكان المصرية في تنفيذ المبادرات الرئاسية الخاصة بالكشف المبكر عن سرطان الثدي، والتي ساهمت في رفع معدلات الوعي لدى السيدات في القرى والنجوع والمناطق الحضرية.
وأضاف أن هذه المبادرات لا تقتصر على الكشف فقط، بل تشمل التثقيف الصحي والدعم النفسي، مما جعل مصر من الدول الرائدة في تقديم الرعاية المتكاملة لمرضى الأورام.
نصائح طبية للحماية والكشف المبكر
اختتم الدكتور الوراق حديثه بتقديم مجموعة من النصائح المهمة للسيدات للوقاية من سرطان الثدي:
الالتزام بالفحص الذاتي الشهري والفحص الإشعاعي السنوي.
الحفاظ على نمط حياة صحي يشمل التغذية المتوازنة وممارسة الرياضة بانتظام.
تجنب التدخين وتقليل استهلاك الدهون المشبعة.
مراجعة الطبيب فورا عند ملاحظة أي تغير في الثدي.
الاهتمام بالحالة النفسية وعدم الخوف من الفحص أو التشخيص.
وأكد أن “سرطان الثدي لم يعد حكما نهائيا، بل أصبح مرضًا يمكن التغلب عليه بفضل الوعي، والاكتشاف المبكر، والعلاج المتطور الذي توفره الدولة المصرية لجميع السيدات مجانا”.
لم تكن تتخيل “سماح محمد” أن رحلة بسيطة لعلاج نزيف في الرحم ستكون بداية لاكتشاف أخطر مرض في حياتها، لم تكن تشكو من أي أعراض تتعلق بالثدي، لكن الصدفة وحدها دفعتها إلى مستشفى “بهية” عام 2018، وهناك تغيرت حياتها للأبد، بين لحظة وأخرى، تحولت زيارتها العابرة إلى معركة طويلة مع السرطان، خاضتها بقوة وإصرار، وخرجت منها أكثر وعيًا وأملًا.
تقول سماح: «كنت رايحة بهية بالصدفة، عندي وجع في الرحم ونزيف مستمر، الدكتور قالي آخد علاج هرموني عشان يوقف النزيف، اسمه (هرمون لوقف الطمث) لمدة 6 شهور، لكني استمريت عليه سنة ونص، وبعدها بدأت أحس إن صدري بيسخن وتقل كأني حامل».
عندها قررت سماح أن تكشف في “بهية” للاطمئنان، لتفاجأ أن وراء هذه الأعراض قصة أخرى تمامًا.
بعد سلسلة من الأشعة والتحاليل، أخبرها الأطباء بوجود “حبوب رملية” في الثدي الأيمن، ورغم أن هذه الحبوب قد تكون حميدة في بعض الحالات، إلا أن التشابه الشكلي بينها وبين الأورام الخبيثة جعل الأطباء يطلبون منها أخذ عينة دقيقة لتحديد طبيعتها.
تصف سماح تلك اللحظة قائلة: «كانت العينة صعبة ومؤلمة جدًا، لأن الدكتور بيضغط جامد على الثدي، لكن كنت حاسة إن الألم الحقيقي مش في الجسد، الألم في الخوف من النتيجة»، وبعد أيام، جاء الخبر الذي هز كيانها: “النتيجة سرطان”.
لم تستسلم سماح، وقررت خوض المعركة بكل ما تملك من عزيمة، خضعت للجراحة لإزالة الورم، ثم استكملت مراحل العلاج، متنقلة بين الخوف والأمل، لكن الدعم النفسي من الأطباء وفريق “بهية” كان الفارق الحقيقي في رحلتها.
وتقول: «بهية كانت طوق نجاة المعاملة هناك فيها إنسانية مش بس طب بيطمنونا، بيشجعونا، وبيفكرونا إننا نقدر نعيش ونكمل».
0 تعليق