حين إختار ترامب أن يكون توقيعه على إتفاق السلام في غزة من أرض مصر لم يكن يفعل ذلك لمجرد رمزية المكان بل لأنه يدرك أن مصر هي الضامن الحقيقي لأي تسوية، وأن الرئيس السيسي هو الزعيم الوحيد القادر على تحويل الوعود إلى واقع، فوجود ترامب في شرم الشيخ إلى جانب السيسي يعيد تأكيد الثقة القديمة بينهما ويمنح الإتفاق زخماً دولياً غير مسبوق.
كانت تلك اللحظة إعلاناً واضحاً عن تقدير واشنطن لدور مصر، ولشخص الرئيس عبد الفتاح السيسي، فاختيار ترامب أن يحضر بنفسه قمة شرم الشيخ وأن يجلس إلى جوار الرئيس السيسي في هذا الحدث التاريخي لم يكن صدفة ولا مجاملة بروتوكولية؛ بل كان امتداداً لعلاقة خاصة نمت عبر السنوات بين الرئيسين منذ لقائهما الأول في نيويورك قبل تولي ترامب الرئاسة في ولايته الأولى.
حينها وصف ترامب الرئيس «السيسي» بأنه رجل قوي يعرف كيف يقود بلاده، وكرر إعجابه به في كل مناسبة قائلاً: «إن مصر لم تعرف في تاريخها الحديث قائدًا يحظى بهذا الاحترام داخل بلاده وخارجها»، وعندما تولى ترامب الرئاسة رسميًا قال في أول إجتماع بينهما في البيت الأبيض: «إن العلاقة بين مصر والولايات المتحدة لم تكن يوماً أفضل مما هي عليه الآن، وإنه فخور بصداقته بالرئيس السيسي».
كل هذا يدل على قوة مصر ومكانتها الدولية، ويؤكد على زاعمة الرئيس السيسي لمنطقة الشرق الأوسط، والدليل على ذلك نجاح القمة وحضور رئيس أكبر دولة في العالم للتوقيع على الإتفاق بجوار رئيس الجمهورية وهو يؤكد ويثمن ويشيد بالدور الذي قامت به مصر ورئيسها لنجاح الإتفاق، والأهم أن القاهرة كانت ومازالت هي القادرة على إحلال السلام وفرضه بالمنطقة، والقادرة وحدها على نجاح أي مفاوضات تتم على أرضها.
إن قمة شرم الشيخ وما رافقها من حضور دولي مكثف ورسائل إيجابية بين واشنطن والقاهرة لم تكن مجرد لقاء للصور بل شهادة جديدة على أن الدور المصري في المنطقة أصبح ركنًا من أركان الإستقرار، وأن العلاقة بين الرئيسين السيسي وترامب تحولت إلى جسر سياسي يربط بين الشرق والغرب، ويعيد تعريف معنى الشراكة في زمن مضطرب يبحث عن قادة قادرين على الفعل وصناعة السلام.
قمة شرم الشيخ ليست حدثاً دبلوماسياً عادياً بل محطة تعكس أبعاداً أعمق من مجرد توقيع إتفاق سلام، لأن القمة أعادت تأكيد الزعامة المصرية الإقليمية وأثبتت أن القاهرة ما زالت قلب القرار العربي، ووسيط الشرق الأوسط الأهم، وشهدت حضوراً دولياً غير مسبوق أبرزهم الرئيس الأمريكي ترامب وعددًا من قادة وزعماء كبرى الدول في العالم، ما جعل من شرم الشيخ مركزاً للقرار الدولي.
جاءت القمة اعترافًا بقدرة مصر على صناعة السلام وضمان تنفيذ الاتفاقات، وأكدت على نجاح القاهرة في إدارة الملف الفلسطيني الإسرائيلي، وجمع الأطراف المتنازعة بعد شهور من الحرب، وأكدت على عمق الثقة بين واشنطن والقاهرة، وأظهرت متانة العلاقة الشخصية بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي ترامب.
القمة رسخت صورة مصر كشريك موثوق دوليًا قادر على التنظيم والتأمين واستضافة القمم الكبرى، كما منحت المنطقة بارقة أمل بعد سنوات من الانقسام، وأكدت أن السلام ما زال ممكناً حين تتوافر الإرادة والقيادة، وساهمت في تحييد التوترات الإقليمية في وقت تتصاعد فيه النزاعات في لبنان والسودان واليمن.
أطلقت القمة مساراً جديداً لإعادة إعمار غزة يربط بين السلام والتنمية تحت إشراف مصري، وعززت مكانة شرم الشيخ كعاصمة للسلام العالمي ومنصة لصنع المستقبل؛ والحقيقة أن مصر هي البطل في هذا المشهد كله، لأنها هي التي استضافت، وهي التي رَعَت، وهي التي جمعت الأطراف المعنية كلها حول مائدة التفاوض في «مدينة السلام»؛ والأهم هو أن الإتفاق إذا نجا من الغطرسة الإسرائيلية سيعزز مكانة شرم كمدينة عاشت تتبنى السلام شعارًا وتعمل من أجله وتدعو إليه.
أما لماذا كانت مصر هي البطل؟ فلأن الذين تحلقوا حول طاولة المفاوضات لم يكونوا الإسرائيليين والفلسطينيين وحدهم، وإنما انضم إليهم ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، وجاريد كوشنير، مستشار وصهر الرئيس الأمريكي، والشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، رئيس وزراء دولة قطر ووزير خارجيتها، وإبراهيم قالن، مدير المخابرات التركية.
وقد إجتمع هؤلاء كلهم من قبل في أماكن كثيرة، ولم يصلوا إلى شيء على مدى عامين دامت الحرب خلالهما، فلما وصلوا هذه المرة كان السبب أن مصر هي المستضيفة والراعية، وإلى جانبها رغبة الرئيس السيسي، ورغبة من جانب سيد البيت الأبيض في وقف الحرب، صحيح أن رغبة ترامب كانت ليست خالصة لوجه الله أو لوجه السلام كسلام في حد ذاته، وإنما هي كانت رغبة في مغازلة لجنة نوبل للسلام مرة، وإنقاذ ماء وجه إسرائيل مرةً ثانية.. ولكن هذه نقطة أخرى يطول فيها الكلام.
نجاح مصر في إنجاح المفاوضات لا يأتي من فراغ، ولا هو نجاح بالصدفة، وعندما دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي، الرئيس ترامب، لحضور توقيع الإتفاق، كان يريد أن يقول للعالم إن هذه مصر التي حاول كثيرون القفز فوقها، فاكتشفوا أن الطريق لا بد أن يمر بها، لأنها حين تدعو إلى السلام فإنها تدعو إليه من أجله، لا من أجل شيء آخر وراءه، ولأنها حين تدعو فإنها تعني ما تقول.
والشيء الآخر الذي يعرفه الأمريكيون والإسرائيليون قبل سواهم، أن مصر صاحبة خبرة لا مثيل لها في التفاوض مع إسرائيل بالذات؛ وخبرتها الكبيرة تعود إلى أنها أول دولة عربية فاوضت إسرائيل ونجحت في ذلك، كما أن خبرتها الكبيرة لا تعود فقط إلى الفترة من زيارة السادات إلى القدس في نوفمبر ١٩٧٧ إلى توقيع معاهدة السلام في مارس ١٩٧٩، ولكنها خبرة امتدت، واتسعت، وتراكمت، إلى مارس ١٩٨٩ عندما عادت طابا.. إنها مصر وإنه الزعيم «عبد الفتاح السيسي» ولا شيء أكثر يقال.
0 تعليق