كان يوم شغل عاديًا.. فهو يوم الإثنين بداية الأسبوع تجاريًا، وعادة يكون مزدحمًا.. لا توجد إجازات والدراسة بدأت كلها، مدارس وجامعات، وفى طريقى إلى عملى لاحظت أنه توجد حالة ترقب فى الشارع ولا يوجد الزحام المعتاد فى مثل هذا الوقت.. قلت للسائق وأنا مبتسمة ومندهشة: أين الناس؟
فقال الرجل: «كله النهارده مستنى الريس وترامب»، وأضاف: «الناس كانت خايفة ندخل حرب، بس الحمد لله ربنا جبر خاطرنا».. سألته عن انطباع الناس عن حدث اليوم، فقال بفرحة شديدة: «الناس ثقتها تأكدت من جديد فى بلادها، وأن هذا وضع مصر الطبيعى، لأننا بلد قوى وتاريخى وعظيم.. ورغم ظروفنا نحن أهم بلد فى المنطقة، وأهو كله جه عندنا فى الآخر».
كان الرجل يتحدث بفخر وثقة وفرحة حقيقية، وقال لى صديق إن الميكانيكى الذى يصلح له سيارته، إذا حدث بها عطل، ذهب إليه بالأمس، وكان هو ومَن يعملون معه فى الورشة وزبائن يتجمعون حول شاشة التليفزيون فى ورشته؛ ليشاهدوا خطاب الرئيس السيسى بتركيز شديد، استغرب صديقى الأمر وانتظر حتى انتهاء الخطاب، وقال للميكانيكى «لم أشاهدك من قبل تشاهد أو تهتم بشىء غير كرة القدم»، أجاب الرجل بـ«اليوم مختلف»، وجميع من يعرفهم ينتظرون خطاب الرئيس، وأخذ يحدثه عن فرحة الناس ببلدهم وبالرئيس السيسى، الذى رفض دعوة ترامب ولم يذهب إليه فى أمريكا، و«هو اللى جاب ترامب مصر». تحدث الميكانيكى مع صديقى بعفوية وصدق ولخّص الحالة.
وفى اليوم التالى كانت السيدة التى تساعدنى فى المنزل، وهى سيدة بسيطة للغاية وبالكاد تقرأ وتكتب، سألتنى: «هو ترامب أول مرة ييجى عندنا؟ وشوفتى الست بتاعة إيطاليا دى حلوة أوى، بس الريس بتاعنا معلم كبير ومالى مكانه».. ضحكت وسألتها: «تابعتِ ما حدث أمس؟»، فقالت «طبعًا، ومين ما شافش الجمال اللى حصل إمبارح، دى حاجة تشرف».
هذا بالضبط ما حدث، هى فعلًا حاجة تشرف، وفرحة المصريين ببلدهم بالدنيا.. فى المعتاد الناس فى مصر أكثر ما يجذب اهتمامهم ويجمعهم هو مباريات كرة القدم المهمة، سواء محليًا أو دوليًا، بعد أن أصبح الشعب كله تقريبًا يشجع نادى ليفربول ويتابع الدورى الأوروبى بسبب محمد صلاح، ولكن هذه المرة الأمر مختلف تمامًا.
كان الحدث سياسيًا، ومنذ صباح يوم ١٣ أكتوبر رأيت الناس فى حالة انتظار وترقب واهتمام شديد بمجريات الأمور، فكرة أن بلدهم فى القمة ويُنهى حربًا شرسة ضحاياها آلاف الأبرياء جعلتهم يشعرون بالانتصار والعزة.
هى ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة أن تقود مصر مفاوضات بين فلسطين والكيان المحتل.. هذا طبيعى فى ظل قدر مصر وحجمها كأكبر وأهم دولة عربية، غير أن فلسطين دولة جوار وأمن قومى لمصر.. لذلك أمنها وسلامتها من أمن مصر وسلامتها، فهى حقائق يفرضها التاريخ والحغرافيا.
ولكن الظروف هذه المرة مختلفة؛ لأنه منذ بداية الحرب المجنونة التى شنها العدو الإسرائيلى على قطاع غزة منذ عامين، يحاول البعض إخراج مصر من الدائرة واستبعادها، أو تجاهلها.. لدرجة أن بعض الدول كان يدفع ملايين الدولارات لتقزيم دور مصر وتشويه صورتها، وعدم إبراز حقيقة ما تفعله من أجل إنهاء الصراع، لصالح تلميع نفسها لتبدو وكأنها تقود بمفردها.
وهذه ليست شائعات أو تخمينات، بل حقائق تم إثباتها.. ولكن الصدق هو الفائز الوحيد فى النهاية، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
مشهد النهاية الأهم والأقوى كان فى مصر.. هو تأكيد فعلى على ما قامت به مصر خلال عامين قولًا وفعلًا، وتتويج لجهودها وإخلاصها، سواء المعلنة أو تلك التى كانت خلف الكواليس، مصر التى رفض رئيسها دعوة رئيس أكبر دولة فى العالم، لأنه كان يريد قطعة من أرض مصر، ولأن رئيس مصر على حق استطاع أن يأتى برؤساء وملوك وحكام دول العالم ضيوفًا فى مدينة السلام شرم الشيخ، ومنهم الرئيس الذى رفض دعوته بالذهاب إليه، كما قال الرجل البسيط، لتوقيع اتفاق انتهاء الحرب.. ليعلن عن انتهاء الحرب من مصر، تأكيدًا أن بلدنا الأول دائمًا وأبدًا، لم ولن يكون الأخير.
0 تعليق