الباحثة الأمريكية إيرينا تسوكرمان: اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل استراحة مُرهقين

أكدت إيرينا تسوكرمان، محامية أمريكية وباحثة فى مجالىّ حقوق الإنسان والأمن القومى، أن سبب التوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل فى هذا التوقيت، هو الإرهاق الكبير الذى تعرضت له الدولتان.

وأوضحت «تسوكرمان»، لـ«الدستور»، أنه بالنسبة لإيران، فإن الضغوط المستمرة الناتجة عن تراكم العقوبات، وتصاعد الاضطرابات الداخلية، وتراجع النفوذ الإقليمى، خاصة بعد الانتكاسات فى سوريا، وفقدان عدد من كبار قادة الحرس الثورى، أضعفت قدرة النظام بشكل كبير على خوض صراع طويل الأمد. 

الجمهورية الإسلامية تواجه غضبًا شعبيًا متزايدًا بسبب التدهور الاقتصادى

قالت «إيرينا» إن الجمهورية الإسلامية أصبحت تواجه غضبًا شعبيًا متزايدًا بسبب التدهور الاقتصادى والانقسامات داخل النخبة الحاكمة، لدرجة أن أجزاءً من القاعدة المحافظة التقليدية بدأت تفقد ثقتها فى النظام، مشددة على أن الاتفاق يشكل متنفسًا لطهران لترتيب أوضاعها الداخلية وإعادة تشكيل موقعها الردعى المتراجع دون أن تبدو وكأنها استسلمت.

وأضافت أنه «خارجيًا، تواجه إيران معادلة جديدة وأكثر شراسة بعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فعلى عكس سلفه الذى تبنى سياسة احتواء تفاعلية، أظهر فريق ترامب استعدادًا لمنح الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذ ضربات قطع الرأس، وتحريك الثقل الدبلوماسى باتجاه محور عقابى إقليمى ضد طهران، وبالتالى توفر الهدنة لإيران آلية لخفض التصعيد دون التفريط بالكرامة، وربما فتح قناة خلفية للحصول على تخفيف محدود للعقوبات أو إعادة التموقع الإقليمى، خاصة فى ظل ابتعاد بعض الدول العربية عن محورى الهيمنة الأمريكية والإيرانية».

وبالنسبة لإسرائيل، قالت إن «تل أبيب تنظر إلى هذه الهدنة كاستراحة تكتيكية أكثر منها تحول استراتيجى، فمع تنامى الإرهاق الأمنى الداخلى، والإجهاد العسكرى الناتج عن العمليات الممتدة فى لبنان وسوريا حتى داخل إيران، إلى جانب الضغوط الاقتصادية بسبب التعبئة المستمرة، قد تفضّل القيادة الإسرائيلية تثبيت المكاسب الأخيرة. 

وذكرت أن هذه التهدئة الهشة تستند فى جوهرها إلى إرهاق إقليمى واسع النطاق من الصراع، ويعتبر التقاء التعب الإيرانى الداخلى، والإجهاد العملياتى الإسرائيلى، وإعادة الاصطفاف الدبلوماسى الإقليمى- بالتوازى مع الضغوط الخارجية من إدارة ترامب الساعية لتحقيق نتائج- لحظة نادرة من الانسجام قد تجعل الهدنة مرغوبة وقابلة للاستمرار مؤقتًا.

وأشارت إلى أن القبول الإسرائيلى بأى شكل من أشكال الهدنة مع إيران لا يمكن فصله عن أولويتها الاستراتيجية المركزية، لذلك فإن أى حديث جدى من قبل إسرائيل عن وقف دائم للأعمال العدائية سيتطلب حزمة من الضمانات الأمنية القابلة للتنفيذ، تهدف إلى تفكيك أو إضعاف القدرات العملياتية لحزب الله فى لبنان، والفصائل الشيعية المسلحة فى سوريا والعراق، وشبكات الإمداد التابعة لفيلق القدس التى تدعم هذه الجماعات.

إسرائيل ستضع شروطًا لاستمرار الهدنة.. أبرزها منع الأسلحة عن «حزب الله»

أشارت الباحثة الأمريكية إلى أن إسرائيل ستطالب فى المقام الأول بتعهدات صلبة بخصوص ترسانة حزب الله من الأسلحة والبنية التحتية الصاروخية فى جنوب لبنان، ويتضمن ذلك وقف نقل الأسلحة مستقبلًا، وتفكيك مواقع تصنيع الصواريخ الموجهة بدقة. ورجحت أن تصر إسرائيل على آلية للتحقق المستقل من الالتزام، وبالنظر إلى تموضع حزب الله وسط التجمعات المدنية، فإن فرض هذه الضمانات سيكون تحديًا كبيرًا، لكن إسرائيل لن توافق على هدنة تسمح للحزب بإعادة تنظيم صفوفه دون مضايقة. وتابعت أنه فى سوريا، ستطالب إسرائيل بالانسحاب الكامل للفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثورى، ووقف مشاريع التمركز الإيرانى بالقرب من الجولان، كما تسعى إسرائيل لضمانات عبر الحدود لمنع تدفق الأسلحة من العراق إلى لبنان عبر سوريا، وهى شرايين استراتيجية حيوية لعمق إيران. 

وبالنسبة لإحياء مفاوضات الهدنة، أكدت أن احتمال أن تشكل الهدنة بوابة لإعادة التفاوض على البرنامج النووى الإيرانى قائم، لكنه مشروط بأن تتعامل الأطراف المعنية مع وقف الأعمال العدائية كأداة دبلوماسية لا كمجرد هدنة أمنية؛ إذ تستخدم طهران فترات التهدئة لاستخلاص مكاسب تفاوضية- كما فى الاتفاق المؤقت عام ٢٠١٣ الذى جاء نتيجة خفض التوتر فى عهد أوباما، إلا أن ولاية ترامب الثانية توفر بيئة أكثر عدائية، إذ تخلّت الإدارة عن التعددية لصالح دبلوماسية قسرية ثنائية، وأى إعادة تفاوض ستجرى تحت أقصى درجات الضغط.

وأضافت أنه من وجهة نظر واشنطن، تشكل الهدنة فرصة لاختبار النوايا الاستراتيجية لطهران، فإذا كانت إيران جادة بشأن إعادة الانخراط مع الغرب، فعليها تقديم تنازلات نووية مبكرة، مثل إعادة قبول عمليات التفتيش المكثفة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو تجميد تخصيب اليورانيوم فى منشآت محصنة مثل فوردو. ومن غير المرجح أن تعود إدارة ترامب إلى إطار الاتفاق النووى السابق، بل ستسعى لإبرام اتفاق جديد يحمل اسم ترامب ويضم شروطًا أكثر صرامة، وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الهدنة ليست تنازلًا، بل ذريعة لاستئناف مفاوضات شاقة مدعومة بتهديد ضمنى بالتصعيد الإقليمى إذا لم تلتزم إيران.

وأفادت بأنه بالنسبة لإيران فقد تستخدم الهدنة لإرسال إشارات اعتدال إلى أوروبا والأسواق العالمية، لا سيما فى ظل استمرار العقوبات التى تخنق اقتصادها، وإذا تمكن النظام من ربط تعاونه بشأن الوكلاء بمسار نحو محادثات نووية محدودة، فقد يستعيد بعض خطوط التمويل دون أن يبدو خاضعًا للغرب، ومع ذلك، فإن المتشددين فى المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى لا يزالون يشككون فى نوايا الولايات المتحدة، ويخشون أن أى مفاوضات تحت إدارة ترامب ستنتهى باستسلام أحادى الجانب.

ورأت أنه فى نهاية المطاف، ستلعب الولايات المتحدة دور المحور الذى تدور حوله الأطراف الأخرى. قد تدعم السعودية والإمارات أى مبادرات دبلوماسية إذا أفضت إلى خفض التصعيد الإقليمى، فى حين ستصر إسرائيل على إدراج إلغاء بنود الانقضاء الزمنية وفرض قيود دائمة على التخصيب ضمن أى اتفاق، ويجعل الطابع التبادلى لنهج ترامب هذا السيناريو ممكنًا- فقد يقدم صفقة أفضل لجمهوره- لكن ذلك مشروط بأن تكون إيران فى وضع يائس بما فيه الكفاية لتقديم التنازلات، وبالتالى، فإن الهدنة ليست التفاوض، بل المسرح الذى تُختبر فيه ملامحه الأولى.

التهدئة ستخفف من قلق المستثمرين فى أسواق الطاقة العالمية.. وثلاثة سيناريوهات حال انهيار الهدنة

أكدت الباحثة أنه حتى لو كانت الهدنة محدودة النطاق، فإنها ستترك تأثيرًا نفسيًا مباشرًا على أسواق الطاقة العالمية، التى تتسم بالحساسية المفرطة تجاه التوترات فى الشرق الأوسط، فقد ضخّم شبح الحرب الشاملة الذى طالما ارتبط بتهديدات إيران بضرب مضيق هرمز، منسوب المخاطر على أسعار النفط خلال العام الماضى. وأى تهدئة جزئية قد تخفف من قلق المستثمرين وتؤدى إلى تصحيحات سعرية مؤقتة.

وأوضحت أنه فى المجمل، قد تؤدى الهدنة الناجحة إلى انخفاض معتدل ومؤقت فى أسعار النفط بسبب تراجع المخاطر الجيوسياسية وتكهنات مسبقة حول صادرات إيران، لكن المسار طويل الأمد سيظل رهينًا بتنفيذ العقوبات، وتوازنات «أوبك»، ومصداقية التزام إيران بشروط الهدنة، وفى عالم الطاقة المضطرب بعد فيروس كورونا، قد لا تكون المصالحة الرمزية كافية لتحقيق الاستقرار السعرى دون تغييرات هيكلية فى الإنتاج والسياسات.

وقالت إن فشل الهدنة سيؤدى على الأرجح إلى تصعيد حاد، وبالنسبة لإيران، فإن انهيار الهدنة بعد إظهارها استعدادًا لتقديم تنازلات سيهدد شرعية النظام داخليًا، وسيتخذ المتشددون من أى انتهاك أمريكى أو إسرائيلى ذريعة لإثبات أن الدبلوماسية غير مجدية، ما يعزز عقائد الردع القصوى. وفى الوقت ذاته، ستُفقد الإصلاحيين مصداقيتهم لتعلقهم بعملية يديرها الغرب، وقد يؤدى ذلك إلى تطرف التوازنات الداخلية ودفع إيران إلى الرد بأساليب أكثر تهورًا، عبر الهجمات السيبرانية أو تعطيل الملاحة البحرية أو هجمات من وكلاء يصعب تتبعها.

وأوضحت أنه إذا انهارت الهدنة، تبرز ثلاثة سيناريوهات على أنها الأرجح، تتفاوت فى شدتها ونطاقها الجغرافى وتداعياتها السياسية، الأول هو العودة إلى الوضع السابق «تصعيد محدود ومدروس»، إذ تستأنف إسرائيل ضرباتها الجوية ضد منشآت إيرانية فى سوريا، وتردّ إيران من خلال وكلائها مثل الحوثيين أو كتائب حزب الله، وهذا هو سيناريو «التصعيد البطىء»، إذ يختبر الطرفان الخطوط الحمراء دون الدخول فى حرب شاملة، ورغم محدوديته، فإنه سيزعزع أسعار النفط، ويرفع مستويات الإنذار الإقليمى، ويعطل أى مبادرات دبلوماسية، وفى هذا السياق، سيحاول الطرفان استرضاء جمهورهم المحلى دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة. وعن السيناريو الثانى، قالت: «هو نقطة الاشتعال فى لبنان، حيث يشن حزب الله، المدعوم من إيران، هجومًا استباقيًا على مواقع إسرائيلية، ربما فى مزارع شبعا أو الجليل، فترد إسرائيل بقوة ساحقة، ما يطلق صراعًا متعدد الجبهات، وستؤدى حرب كهذه إلى تدمير البنية التحتية اللبنانية، وخلق موجات لجوء ضخمة نحو أوروبا والأردن، وتضع الولايات المتحدة فى قلب أزمة دبلوماسية، كما قد يجر الصراع وكلاء إيرانيين آخرين ويقوّض جهود التطبيع العربى الإسرائيلى، خصوصًا إذا تصاعد عدد الضحايا المدنيين». وأضافت: «أما السيناريو الثالث والأكثر خطورة، فهو الرد المباشر من إيران على إسرائيل أو المصالح الأمريكية، عبر هجمات سيبرانية على البنية التحتية المدنية أو ضربات صاروخية تنطلق من الأراضى الإيرانية، وسيمثل ذلك تجاوزًا للخطوط الحمراء، ما يرجح شن ضربات أمريكية إسرائيلية مشتركة على منشآت إيران النووية ومنصاتها الصاروخية، وقد يمتد هذا الصراع إلى الخليج، مهددًا ممرات الشحن، ومع وجود ترامب فى البيت الأبيض، سيكون الرد الأمريكى سريعًا وعنيفًا، لكن العواقب قد تكون اندلاع حريق إقليمى شامل».

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق كوستا يغيب عن مونديال الأندية بعد رفض منحه تأشيرة دخول للولايات المتحدة
التالى مسئول إسرائيلى: موقفنا تجاه إيران سيتصاعد إذا كان ردها غير مقبول يوم الأحد