رصدت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، في عددها الصادر اليوم الأربعاء، عودة الحياة والأنشطة التجارية والأعمال إلى العاصمة الإيرانية "طهران" بعد وقف إطلاق الحرب مع إسرائيل، كذلك عودة السكان إلى مدينتهم التي ظلت تحت القصف الإسرائيلي طيلة 12 يومًا.
وذكرت الصحيفة، في سياق تقريرها، أن الحياة عادت تدريجيًا إلى شوارع طهران منذ صباح اليوم، حيث أعادت الأعمال التجارية فتح أبوابها وعاد السكان إلى العاصمة، بعد يوم من وقف إطلاق نار هشّ أنهى 12 يومًا من القصف الإسرائيلي العنيف.
وقد أرسلت المتاجر والمكاتب، من محلات الحلويات إلى عيادات الأسنان وصالونات التدليك، رسائل نصية تُبلغ الزبائن باستئناف خدماتها وأُعيد فتح مراكز التسوق، بينما عادت حركة المرور إلى الشوارع التي كانت مهجورة معظم الأسبوعين الماضيين.
وبدأ مقهى شهير في شمال طهران بتقديم خدماته للزبائن صباح اليوم، وإن كان ذلك مع استمرار تقليص ساعات العمل.
ونقل مراسل الصحيفة في طهران عن مرتضى، وهو صاحب متجر ألبان في غرب العاصمة، قوله:" بدأ الزبائن يتوافدون اليوم، لكن العمل كان بطيئًا للغاية"، آملًا أن تتحسن الأمور مع عودة المزيد من السكان. كما استُعيد الاتصال بالإنترنت بعد أيام من انقطاع الخدمة في جميع أنحاء البلاد.
مع ذلك، قالت الصحيفة إن الجو في المدينة ظل كئيبًا رغم وقف إطلاق النار، إذ غطّت طبقة ضبابية من الغبار والدخان، ناجمة عن أيام من الغارات الجوية الإسرائيلية، المشهد الحضري لفترة طويلة بعد انتهاء القصف، مع الإشارة إلى أن إسرائيل بدأت هجماتها ضد إيران في 13 يونيو الجاري، مما أسفر عن مقتل أكثر من اثني عشر من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين في وقت واحد. وكانت طهران، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة، الهدف الرئيسي خلال الحرب، حيث ضرب القصف مواقع عسكرية ومكتب التلفزيون الحكومي وسجنًا ومئات المباني السكنية.
وأفادت وزارة الصحة بمقتل أكثر من 600 شخص، بينهم 62 امرأة وطفلًا، وإصابة ما يقرب من 50 آلاف آخرين جراء الغارات الإسرائيلية في جميع أنحاء البلاد.
بدورها، قالت نازانين، البالغة من العمر 42 عامًا، عن القصف الإسرائيلي المكثف لطهران ليلة الثلاثاء، قبل ساعات قليلة من سريان وقف إطلاق النار:" ما زلتُ أعاني من هدير الطائرات المقاتلة والانفجارات المتتالية التي تهزّ الأرض. لا أستطيع التوقف عن التفكير في كل هؤلاء الأبرياء الذين قُتلوا".
وأضافت إلميرا، البالغة من العمر 40 عامًا: إن الحرب ساهمت في غرس شعور بالتضامن في طهران، المدينة المعروفة برحلاتها الطويلة وسكانها المحبطين. الجميع متعاونون وودودون هذه الأيام. هناك شعور بالانتماء للمجتمع ووطنية مشتركة".
وسردت "فاينانشيال تايمز" قصة بيدرام، البالغ من العمر 38 عامًا، وهو مواطن تطوع لمساعدة جيرانه المسنين بشراء الخبز لهم أو إخراج نفاياتهم ونقلت عنه القول بإنه يعتبر رعاية من حوله، كبار السن أو من يعيشون بمفردهم، "واجبًا أخلاقيًا". كما بادر بعض الناس بإطعام القطط الضالة التي تركتها الحرب جائعة.
وفي يوم أمس الثلاثاء، أفادت الشرطة بازدحام مروري شديد على الطرق المؤدية إلى المدينة، حيث عاد السكان الذين فروا خلال الهجوم إلى العاصمة على أمل استئناف حياتهم التي عطلتها الحرب. مع ذلك، أضافت الصحيفة البريطانية أن شعور الارتياح شابه حالة من عدم اليقين. فقد أعلنت إسرائيل أنها قصفت منشأة رادار بالقرب من العاصمة الإيرانية يوم الثلاثاء، بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، ردًا على ما وصفته بضربات إيرانية على إسرائيل تنتهك الهدنة.
كما حذّر كثيرون من أن التهديد لم ينتهِ بعد، بمن فيهم الرئيس السابق المعتدل حسن روحاني، الذي دعا إلى "الاستعداد الاستخباراتي"، وأضاف أن وقف إطلاق النار قد يكون "فرصة للخداع"، وأعلن الجيش الإيراني أن قواته المسلحة "على أهبة الاستعداد" في حال وقوع هجوم آخر.
وتجمع الموالون للجمهورية الإسلامية، بمن فيهم شخصيات بارزة من النظام، في ساحة الثورة بطهران مساء الثلاثاء "احتفالًا بالنصر" تعبيرًا عن دعمهم للقوات المسلحة الإيرانية وبرنامجها النووي في حين لا تزال نقاط التفتيش الأمنية، التي أُقيمت على الطرق الرئيسية لتفتيش المركبات وسط حملة قمع واسعة النطاق ضد عملاء إسرائيليين مزعومين، قائمة حتى مساء الأمس.
وواصلت الشرطة وأجهزة الأمن تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن المعلومات للمساعدة في تحقيقاتها. كما أعدمت إيران صباح اليوم الأربعاء ثلاثة أشخاص اعتُقلوا العام الماضي بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.
وصرحت فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة، بأن جهود إعادة الإعمار ستبدأ بعد إجراء تقييم أولي للأضرار، نظرًا لحجم الهجمات على "المباني السكنية والمراكز العلمية والبحثية، فضلًا عن المرافق الطبية". كما قالت إنه سيكون هناك إمداد مستمر بالمياه والكهرباء رغم الهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية للمرافق.