حرب إيران تكشف عمق التحالف الأمريكي الإسرائيلي وتعيد رسم خرائط الردع في المنطقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

رغم أن الحرب بين إيران من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى، لم تنتهِ بعد، ولم تتضح مآلاتها النهائية، إلا أن مسارها حتى اللحظة يسمح بقراءة تحليلية معمقة تكشف عدداً من الدروس والمعطيات الحاسمة التي تؤثر في المشهد الإقليمي والدولي لسنوات قادمة.

أولاً: العلاقة العضوية بين واشنطن وتل أبيب

يتأكد مرة أخرى أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليست مجرد تحالف ظرفي أو مصالح متقاطعة، بل علاقة عضوية واستراتيجية تُدار بمنطق "توزيع الأدوار" لا "تعارض الأهداف"، أي قراءة سياسية تفترض إمكانية الفصل بين مواقف الطرفين، خاصة في قضايا تتعلق بأمن إسرائيل ووجودها، تقع في خطأ تحليلي جسيم.

ثانياً: المواقف الأوروبية وحدود الخلاف

ورغم التباينات الشكلية بين بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة أو إسرائيل، إلا أن تلك الخلافات لا تصل مطلقاً إلى حدود المساس بأمن أو شرعية الدولة العبرية. بل إن أوروبا، كحال واشنطن، لا تتسامح مع ما تعتبره "تهديداً وجودياً" لإسرائيل، ما يجعل المواقف الأوروبية أقرب إلى التنسيق منها إلى الاختلاف الجذري.

ثالثاً: إنجازات إيران رغم الحصار

لا يمكن إنكار أن إيران – برغم العقوبات الأمريكية والغربية القاسية التي استمرت لأكثر من ثلاثة عقود – استطاعت أن تحقق إنجازات معتبرة في عدة مجالات، من أبرزها:

  • بناء نظام حكم غير ديمقراطي لكنه يعتمد إلى حدٍّ ما على الكفاءة والجدارة.
  • تأسيس بنية علمية وتعليمية قوية مكّنتها من الاستمرار والتطور.
  • تطوير برنامج صاروخي وطني بتقنيات متقدمة.
  • خلق اقتصاد يعتمد بدرجة كبيرة على الإنتاج المحلي والاكتفاء الذاتي.
  • تشكيل شبكة حلفاء إقليميين في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن.

رابعاً: ثمن التمدد الإقليمي

إلا أن هذه النجاحات لم تكن دون كلفة فسياسات إيران في تصدير الثورة وتشكيل كيانات ضغط في الإقليم خلقت حساسيات حادة وعداوات مزمنة مع محيطها العربي. 

الأمر الذي استغلته إسرائيل والغرب لصياغة سردية إيران "الدولة المارقة" ودفع الدول العربية إلى غضّ الطرف عن استهداف حلفائها، بل والتغاضي عن استهدافها هي ذاتها، وسط صمت رسمي عربي لا يكاد يخرج عن الحياد السلبي.

خامساً: اختلال موازين القوة

لقد أظهرت الحرب أن الفجوة التكنولوجية والعسكرية بين إيران من جهة، وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، لا تزال شاسعة. فقد بدت المواجهة غير متكافئة إلى حدٍّ كبير.

 وما تزال أمريكا حتى اللحظة قوة كونية بلا منافس فعلي، باستثناء الصين التي تفضل تأجيل الصدام المباشر، والاحتفاظ بقدراتها للمعارك التي تراها أكثر أولوية.

سادساً: تشققات في حصن إسرائيل

ورغم التفوق الواضح، إلا أن ما حدث لا يمكن تجاهله: صواريخ إيران وصلت إلى العمق الإسرائيلي، وأصابت مواقع حساسة، مما شكّل ضربة رمزية قوية لصورة إسرائيل ككيان لا يُمسّ. هذا التطور رسّخ قناعة جديدة في المنطقة بأن استهداف إسرائيل لم يعد محظوراً أو مستحيلاً، وهو تحوّل سيكون له أثر بعيد المدى.

سابعاً: الدرس النووي

واحدة من أخطر نتائج الحرب هي تأكيد أن السلاح النووي لا يزال الصمام الحقيقي لأمن الدول ضد التدخلات الخارجية. فالكل خلص إلى الدرس ذاته: لولا امتلاك باكستان وكوريا الشمالية للسلاح النووي، لما تمكنتا من الصمود أو فرض الاحترام، على عكس إيران التي تعرضت لضربات موجعة وهي خارج النادي النووي. هذا الإدراك قد يطلق سباق تسلح نووي إقليمي في المستقبل القريب.

ثامناً: هشاشة الجبهة الداخلية الإيرانية

الحرب كشفت أيضاً عن حجم الاختراق الإسرائيلي للداخل الإيراني، سواء عبر آلاف الجواسيس أو من خلال الهجمات السيبرانية المتقدمة. هذا الاختراق ما كان ليحدث بهذا العمق لولا هشاشة الداخل، وغياب الديمقراطية، والضغوط المعيشية، وتآكل الثقة بالحكم. فقد برهنت التجربة أن الأمن القومي يبدأ من جبهة داخلية صلبة تحكمها الشفافية والحكم الرشيد.

تاسعاً: سيناريو الخروج الإيراني الآمن

في ظل المعطيات السابقة، يبدو أن الخيار الأكثر عقلانية بالنسبة لإيران هو ما تشي به عملية قصف قاعدة "العُديد": ردّ محدود يحفظ ماء الوجه دون خسائر أمريكية، يعقبه تهدئة متفق عليها، وعودة محتملة إلى طاولة المفاوضات. 

هذا السيناريو يتناغم مع رغبة إدارة ترامب في احتواء التصعيد، كما يمنح النظام الإيراني فرصة للنجاة من الانهيار الداخلي أو الغزو الخارجي، وهو ما يسعى إليه بشدة بنيامين نتنياهو لإحداث فوضى إقليمية كبرى.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق تحالف التوعية.. الأوقاف والتضامن يطلقان ندوة مجتمعية لمكافحة التحرش بالإسماعيلية
التالى «جولة دبلوماسية جديدة».. وزير خارجية إيران يزور مصر ولبنان الأسبوع المقبل