رغم انشغال العالم بالضربة الإيرانية على قاعدة «العديد» الأمريكية في قطر، لا يزال الحديث عن «مطرقة منتصف الليل»، اسم العملية العسكرية التي نفذها الجيش الأمريكي لقصف 3 منشآت نووية إيرانية، يستحوذ على اهتمام كثيرين.
جُلّ الاهتمام ينصبّ على مدى فعالية هذه الضربة، وصحة التأكيدات الإيرانية بنقل «المواد النووية المهمة» من تلك المنشآت قبل الضربة الأمريكية، وإذا كان قد تم نقلها بالفعل، هل يمكن لإيران استخدامها لتحقيق حلم «السلاح النووي»، وما المدة اللازمة لذلك؟
هذه الأسئلة أجاب عنها تقرير مهم نشرته صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، وتترجمه «الدستور» في السطور التالية:
الأحد الماضي، زعم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أنه «انتزع القنبلة من أيدي إيران». لكن صورة فوتوغرافية مذهلة نُشرت حديثًا تُشير إلى أن إيران ربما هرّبت «القنبلة» دون علمه.
تُظهر صورة الأقمار الصناعية، التي نشرتها شركة «Maxar Technologies» الأمريكية المتخصصة في تكنولوجيا الفضاء والأقمار الصناعية، 16 شاحنة تغادر منشأة «فوردو» النووية الإيرانية، الخميس الماضي 19 يونيو، أي قبل 3 أيام فقط من عملية «مطرقة منتصف الليل»، التي نفذتها الولايات المتحدة لقصف 3 من أكبر المنشآت النووية في إيران.
تكشف صور أخرى عن نشاطٍ مكثفٍ في «فوردو»، قبل مغادرة الشاحنات، بمشاركة جرافاتٍ وقوافل أمنية. فما الذي كانت إيران تُخطط له؟ وماذا يوجد داخل تلك الشاحنات؟ من المرجح أن يُحدد الجواب ما سيحدث في الأسابيع المقبلة من هذه الحرب.

علي شمخاني، المستشار البارز للمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، قال على «X»: «حتى لو تم تدمير المواقع النووية، فإن اللعبة لم تنته بعد.. المواد المُخصَّبة، والمعرفة المحلية، والإرادة السياسية، لا تزال باقية».
وإذا صدقنا «شمخاني» ومصادر إيرانية أخرى، فإن الشاحنات كانت مُحمَّلة بـ 408 كيلوجرامات من اليورانيوم المُخصب بنسبة 60%، وهو ما لا يبعد كثيرًا عن نسبة النقاء البالغة 90%، المطلوبة لـ«صناعة سلاح نووي».
تستطيع كل شاحنة حمل 80 كيلوجرامًا من «اليورانيوم» بسهولة. بمعنى آخر، تكفي 16 شاحنة لنقل جميع المعادن الإيرانية المُخصبة، مع توفير مساحة كافية لمكونات نووية حيوية أخرى، بما في ذلك أجهزة الحاسوب، والأسطوانات الفولاذية الضخمة المُصممة لتحمل التغيرات الكبيرة في درجة الحرارة والضغط، والتي يُخزّن فيها «اليورانيوم» ويُنقل على شكل مسحوق.
إذا كانت تلك الشاحنات قد نقلت بالفعل مخزونات إيران من «اليورانيوم»، فأين هو الآن؟ وربما الأهم من ذلك، ما الذي يخطط زعيم إيران «اليائس على نحو متزايد» أن يفعل به؟

لم يكن القمر الصناعي الذي التقط هذه الصورة المُميزة قادرًا على تتبع الشاحنات، إما أنه ثبّت كاميرته على الموقع، أو - وهو الأرجح - كان يُصوّر إحداثيات محددة تتعلق بمداره حول الأرض. بمعنى آخر، في لحظة خروج الشاحنات من «فوردو»، فقد القمر الصناعي صورها.
إيران كانت تدرك أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية على علم بنشاطها، وبالتالي فإن الشاحنات نفسها كانت ستتفرق على الأرجح، ما يجعل تعقبها أكثر صعوبة، مع استخدام تكتيكات تحويلية، مثل عودة أدراجها، والقيادة عبر مناطق ذات حركة مرور كثيفة.
من غير المرجح أن تكون الشاحنات قد توجهت إلى أيٍّ من المنشآت النووية الأخرى المعروفة للنظام الإيراني، فالجمهورية الإسلامية كانت على علم بأن أي ضربة أمريكية وشيكة ستستهدف منشآت متعددة، وبالفعل، ضربت قاذفات «الشبح» الأمريكية من طراز «بي-2» وصواريخ «كروز»، ليس فقط «فوردو»، بل أيضًا موقعي «نطنز» وأصفهان.
ولكن هل من الممكن أن تمتلك إيران منشآت نووية أخرى غير معروفة حتى الآن؟
لطالما زعمت إيران أن برنامجها النووي مُخصَّص بالكامل للأغراض المدنية، ولا سيما إنتاج الطاقة المتجددة. لكن من المُرجَّح تمامًا أن يكون «النظام الديني» قد طوَّر مختبرات سرية مزودة بأجهزة طرد مركزي متطورة لتخصيب «اليورانيوم» بسرعة، وتطويره إلى «قنبلة نووية» صالحة للاستخدام العسكري.
إذا كان هذا صحيحًا، فقد يستغرق الأمر بضعة أسابيع، قبل أن يُطلق «آية الله» قنبلة تستهدف إسرائيل، أو حتى القواعد الأمريكية والبريطانية في الشرق الأوسط.
هذا هو السيناريو الأكثر إثارة للقلق، ولكنه ليس الأكثر احتمالًا.
أنا شخصيًا أؤكد أن «اليورانيوم» المُهرَّب من «فوردو» تم توزيعه على عدد من المواقع الصناعية المدنية القائمة مسبقًا، مثل مرافق الاتصالات، أو بعض مصانع الهيدروكربون الضخمة في إيران، حيث يمكن تخزينه سرًا دون إثارة الشكوك.
لا شك أن النظام سيختار مواقع داخل المدن الكبرى، ورغم أن إسرائيل أظهرت عدم اكتراثها بالخسائر المدنية، فمن غير المرجح أن تُلقي الولايات المتحدة قنابل «توماهوك» على مدينة كبرى كالعاصمة طهران، التي يسكنها أكثر من 10 ملايين نسمة.
لحسن الحظ، هذه المواقع الصناعية القائمة مسبقًا، على الرغم من فعاليتها للتخزين السري، غير مناسبة لـ«بناء قنبلة نووية». ويرجع ذلك إلى أن أجهزة الطرد المركزي اللازمة لتخصيب اليورانيوم شديدة الحساسية، وسيكون من الصعب للغاية نقلها بحالة صالحة للعمل، خاصةً إلى المدن التي تتعرض للقصف الجوي.
رغم أن إيران ربما كانت تمتلك ما يصل إلى 3 آلاف جهاز طرد مركزي في مواقعها النووية الرئيسية الثلاثة، فمن المرجح أن تكون هذه الأجهزة قد دُمرت جزئيًا، ودُفنت عميقًا تحت الأنقاض، بفعل القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات.
هذا، بالطبع، بافتراض أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لا تزال تُكافح لتعقب الشاحنات. وكثيرًا ما يُشار إلى «الموساد» كواحد من أكثر أجهزة الاستخبارات تطورًا في العالم، إذ استهدف القادة الإيرانيين بدقة متناهية عندما شنّ ضربته الأولى على البلاد في وقت سابق من هذا الشهر. ورغم صمت المسؤولين، ربما يكون البحث عن «اليورانيوم» المفقود قد انتهى بالفعل.
لكن هذا لا يعني أن التهديد أضعف، فعندما تعهد صدام حسين بالتخلي عن بنيته التحتية لأسلحة الدمار الشامل، عام 1995، كان يعلم تمامًا أنه يمتلك المعرفة المؤسسية اللازمة لاستئناف برنامجه لأسلحة الدمار الشامل في الوقت المناسب.
ومن المرجح أن تحذو إيران حذو الرئيس العراقي، مطمئنةً إلى أن الصين وروسيا ستستخدمان حق النقض «الفيتو» ضد أي محاولة من الأمم المتحدة لإنشاء هيئة تفتيش ميدانية في إيران خلال السنوات المقبلة.
الفرق الرئيسي هو أن إيران، على عكس «عراق صدام»، تعلم أن أمريكا لا ترغب في غزو بري. إذا استطاع «الملالي» الصمود في وجه القنابل التي تُلقى عليهم من السماء، فسيظل «حلمهم النووي» في متناول اليد.
بتفاخرٍ مُعتاد، صرّح الرئيس «ترامب» للصحفيين بأن عملية «مطرقة منتصف الليل» كانت "نجاحًا باهرًا" وعرضًا تاريخيًا للقوة العسكرية الأمريكية، مضيفًا: لقد «دُمِّرت منشآت تخصيب نووي رئيسية تدميرًا كاملًا».
قد يكون هذا صحيحًا. لكن منشآت التخصيب ليست سوى جزء واحد من «اللغز». إيران، رغم عجزها، لا تزال تمتلك المعرفة العلمية، ودافعًا أكبر من أي وقت مضى لبناء «قنبلة نووية». التهديد لم ينتهِ بعد.