تفرض الكوارث الطبيعية والصحية والمناخية واقعًا اقتصاديًا معقدًا يتطلب من الدول بناء أنظمة مالية أكثر مرونة، خاصة حين يتعلق الأمر بالفئات الأضعف والأكثر هشاشة في المجتمع.
وتعد مصر من الدول التي بدأت تعي أهمية التكامل بين التخطيط المالي طويل الأجل وآليات مواجهة الكوارث لضمان استقرار الاقتصاد وحماية الأفراد.
تعزيز الشمول التأميني لمواجهة التبعات الاقتصادية
مع تزايد وتيرة الكوارث وتنوّع آثارها الاجتماعية والاقتصادية، تبرز الحاجة إلى تعزيز دور التأمين وتمويل المخاطر كأحد أدوات إدارة الصدمات.
وحسب البيانات الواردة في الموازنة العامة الجديدة للعام 2025/2025 التي أقرها البرلمان قبل أيام، تسعى الدولة إلى توسيع نطاق الشمول التأميني ليشمل الفئات المعرضة للمخاطر، من خلال تطوير منتجات تأمينية مبتكرة تُمكّن الأفراد والقطاعات المتضررة من التحوّط ضد الخسائر المحتملة.
وحسب الموازنة الجديدة المرتقب تطبيقها مطلع يوليو المقبل، يعد دعم قدرات قطاع التأمين المصري، وخاصة على مستوى المهنيين والمتخصصين، أحد المحاور الرئيسية لهذه الاستراتيجية، بهدف رفع كفاءة تصميم وتنفيذ السياسات التأمينية الملائمة في حالات الطوارئ.
قاعدة بيانات وطنية لرصد الإنفاق على الكوارث
وفي خطوة تعكس توجهًا أكثر علمية وتخطيطًا، تكشف الموازنة العامة الجديدة أن الحكومة تعكف حاليًا دراسة لإعداد قاعدة بيانات وطنية لحصر المبالغ التي تم صرفها فعليًا على الكوارث والأزمات خلال السنوات الماضية، وذلك من خلال اللجنة القومية لإدارة الأزمات والكوارث والحد من المخاطر التابعة لمجلس الوزراء.
وتستهدف هذه المبادرة، التي تجري بالتنسيق مع الوزارات والهيئات المعنية، إدراج برنامج رئيسي ضمن موازنة البرامج والأداء، يتيح تتبع وتجميع البيانات ذات الصلة، وستُمثل هذه البيانات حجر الأساس لتطبيق نماذج التنبؤ وتحليل المخاطر، ما سيمكن صناع القرار من بناء خطط مالية واقعية لمواجهة الأزمات المستقبلية بمرونة واستعداد مسبق.
نقلة نوعية في إدارة المخاطر المالية
يمثل هذا التوجه نقلة نوعية في آليات إدارة المخاطر المالية المرتبطة بالكوارث، إذ لا تقتصر المعالجة على الاستجابة الفورية، بل تمتد إلى التخطيط الوقائي القائم على البيانات والتمويل المستدام.
ويعكس هذا المسار رؤية الدولة المصرية نحو اقتصاد أكثر مرونة وشمولًا، قادر على حماية الفئات الأضعف، وامتصاص الصدمات دون الإضرار بالاستقرار المالي الكلي.