تسعى إسرائيل لاستثمار التوتر الحالى لإعادة رسم قواعد الاشتباك مع إيران، بعد أن دخلت الولايات المتحدة رسميًا على خط النار، عبر سلسلة ضربات دقيقة استهدفت منشآت نووية حساسة داخل إيران، فى تحول استراتيجى يحمل تبعات خطيرة لمسار الصراع فى المنطقة، فيما تستعد إيران لسيناريوهات متعددة قد تشمل التصعيد المباشر أو توسيع ساحة الرد.
وشنت الولايات المتحدة سلسلة ضربات جوية، فجر الأحد الماضى، استهدفت ٣ منشآت نووية حساسة داخل إيران، هى: نطنز وفوردو وأصفهان، بالتنسيق الكامل مع إسرائيل، التى تشن عملية عسكرية ضد إيران منذ ١٣ يونيو الجارى.
ورغم التصعيد الحاد الجارى، إلا أن بعض القنوات الدبلوماسية لا تزال نشطة، خاصةً عبر وساطات إقليمية، أبرزها من سلطنة عمان.
فى الوقت ذاته، فإن فرص نجاح هذه المبادرات تظل محدودة، فى ظل إصرار واشنطن وتل أبيب على تفكيك البرنامج النووى الإيرانى بالكامل، مقابل رفض طهران أى تنازلات «قسرية».
ومررت تل أبيب رسالة علنية إلى طهران، حيث نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر إسرائيلية قولها إن إسرائيل ستقبل بوقف إطلاق النار إذا أوقف المرشد الإيرانى إطلاق النار وقال إنه يريد إنهاء الحرب.
وأضافت الصحيفة، نقلًا عن مصادر مسئولة، أن تل أبيب ترغب بإنهاء الصراع بأسرع وقت وربما هذا الأسبوع، وأنها لا تريد حرب استنزاف، لكنها مستعدة لذلك.
ورغم صعوبة عودة إيران إلى طاولة المفاوضات بشكل فورى، خاصة بعد تنفيذ أمريكا هجماتها، إلا أن ذلك الخيار لم يغلق إلى الأبد، لكنه، لن يتم فى الوقت الحالى أيضًا، فعلى الأرجح ستحاول إيران استعادة موقفها و«الانطلاق إلى طاولة المفاوضات من أى موقف دون الهزيمة»- وفقًا لتعبير الصحيفة.
أما على المدى القريب، فتشير التقديرات إلى أن إسرائيل ستواصل استهداف مواقع إيرانية، مع التركيز على شل أنظمة الدفاع الجوى وتوسيع نطاق العمل الاستخباراتى، بما يحقق تحييد طائرات بدون طيار، ويسمح لأنظمة الدفاع الجوى الإسرائيلية بالتعافى.
فى المقابل، قد تلجأ طهران لتوسيع ردها عبر استهداف مصالح أمريكية فى الخليج أو تحريك حلفائها فى المنطقة، لكن، يظل سيناريو توسع الصدام الإيرانى الإسرائيلى هو الأسوأ حتى الآن، وفقًا للمراقبين، مع خطر امتداد الصراع إلى لبنان وسوريا وتهديد الملاحة الخليجية.
ويرى المراقبون أن إسرائيل ستعمل على تنفيذ هجمات مركزة، أى تستهدف مواقع بعينها داخل إيران، تحقق انهيارًا أكبر لأى قوة أو نظم عسكرية هناك، بالإضافة إلى تدمير أو تعطيل البنى التحتية للدولة.
ويعد تدمير مخزون الصواريخ، وفقًا للمراقبين، هو أكبر هدف لإسرائيل بعد المنشآت النووية، ما يعنى أن الأيام المقبلة ستشهد تركيز الهجمات الإسرائيلية ضد أى منصات أو ورش ومصانع لتصنيع الصواريخ داخل إيران.
وتشير تقديرات إسرائيلية إلى أن القدرة الصاروخية الإيرانية لم تضعف، ولا يزال لدى طهران المئات من منصات الإطلاق المتنقلة والثابتة، رغم أن سلاح الجو الإسرائيلى دمر أكثر من ٢٠٠ منها، إلا أن الصواريخ المطلقة من إيران هى صواريخ باليستية ثقيلة، وبعضها مزود برءوس حربية متشظية.
وأفادت التقديرات بأن عددًا كبيرًا من جنود الحرس الثورى الإيرانى قتلوا فى موجة الغارات الأخيرة على طهران، على مدار الأيام الماضية، والتى استهدفت عددًا من مقراتهم وهى مكتظة ودون إصدار إنذار بالإخلاء، وكان الهدف قتل أكبر عدد ممكن منهم.
وكشف مصدر أمنى إسرائيلى لصحف عبرية، أمس، عن أن إسرائيل هاجمت الطريق المؤدى إلى المنشأة النووية فى «فوردو» ولكن ليس المنشأة نفسها.
فيما رجحت مصادر أخرى أن إسرائيل، بجانب الهجمات منخفضة الوتيرة على إيران، ستعمل على توسيع الحرب السيبرانية والتجسسية عبر تعزيز عمليات جهاز الاستخبارات «الموساد» ضد أنظمة الصواريخ الإيرانية وسلاسل الإمداد الحساسة.
وتشير التقديرات الإسرائيلية أيضًا إلى أن الوضع قد يتجه إلى أول حرب سيبرانية، خاصةً أنه خلف الكواليس تدار حرب صامتة، وهجمات من الأخبار الكاذبة وهندسة الوعى.
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن يوسى كرادى، رئيس هيئة السايبر بالجيش الإسرائيلى، قوله إن هناك مكالمات هاتفية مهددة ورسائل مضللة أُرسلت إلى مئات آلاف الإسرائيليين، بالإضافة إلى صور ومقاطع فيديو تم إنتاجها رقميًا أو يعاد إنتاجها من حدث آخر، بهدف التضليل والتخويف.
وأضاف: «سواء كان الحديث عن ضرب الوعى أو عن ضرب الطاقة أو المياه أو الاقتصاد، فمجموعات إيرانية تقوم بهجمات السايبر، كل واحدة فى مجال مختلف».
وأضاف: «هناك رسائل SMS أرسلت للناس وكأنها من قيادة الجبهة الداخلية، مع توصيات خطيرة مثل (لا تنزلوا إلى الملاجئ)، ورسائل صوتية فى مكالمات وصلت من الخارج أو من خدمات محلية».
وأشار إلى أن هناك تطورًا ملحوظًا فى زيادة محاولات الهجمات الإيرانية، وتطورًا فى أساليب العمل لديهم.
وفيما يتعلق بالخيارات الإيرانية، أوضحت التقديرات الإسرائيلية أنه بالنسبة لإيران، فإن خياراتها المتاحة تشمل التصعيد المباشر ضد أهداف أمريكية مع شل حركة الاقتصاد العالمى.
وأكدت أن ذلك الخيار يعد من بين أكثر الخيارات حساسية، إذ تهدد إيران بإغلاق مضيق هرمز، الذى تمر عبره نحو ٢٠٪ من تجارة النفط العالمى، وهو قرار اتخذه البرلمان الإيرانى بالفعل، وينتظر موقف القيادة العليا بإدخاله حيز التنفيذ أم لا.
وأشارت التقديرات إلى أن أى اضطراب فى مضيق هرمز، الذى لا يتجاوز عرضه ٣٣ كم فى أضيق نقاطه، كفيل بإشعال الأسواق العالمية ورفع أسعار النفط بشكل حاد، ما يشكل ضغطًا مباشرًا على واشنطن وحلفائها، حسبما نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية.
وأوضحت «هآرتس» أن إيران تمتلك أدوات تنفيذ هذا التهديد، وأبرزها: زوارق هجومية سريعة، وألغام بحرية، وصواريخ أرض- بحر.
وأشارت إلى أنه، ومع تمركز الأسطول الخامس الأمريكى فى البحرين، فإن أى صدام مباشر، حتى وإن كان محدودًا، قد يجمد الحركة البحرية لأسابيع.
فيما لفت محللون إسرائيليون إلى أن الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة يمنح طهران أهدافًا أقرب وأسهل من إسرائيل، فهذه القواعد، رغم ما تمتلكه من دفاعات جوية متطورة، قد تكون عُرضة لهجمات مفاجئة بطائرات مسيرة وصواريخ دقيقة، وضربها قد يكون مصحوبًا بهجمات على منشآت نفطية حيوية تستهدف قلب المعادلة الاقتصادية التى يعتمد عليها التحالف الأمريكى فى المنطقة.
ونوه محللون إلى أنه رغم الضربات التى تلقتها الجماعات الداعمة لإيران إلا أنها لم تُشل بالكامل، لافتين إلى أن «حماس» و«الجهاد الإسلامى» أُنهكتا فى غزة، وفقد «حزب الله» اللبنانى قياداته، لكن الحوثيين فى اليمن والميليشيات الشيعية فى العراق لا يزالون فاعلين.
وأوضحوا أن هؤلاء الحلفاء قادرون على تنفيذ ضربات بالوكالة ضد القوات الأمريكية، كما لا يستبعد لجوء طهران إلى تفعيل تنفيذ عمليات ضد مصالح أمريكية وإسرائيلية فى دول خارج منطقة الشرق الأوسط.
وأشاروا إلى أن الضربات الأمريكية قد تدفع طهران إلى التفكير بأن مشروعها النووى السلمى لم يعد كافيًا لردع أعدائها، وبينما تشير التقديرات إلى أن إيران لا تمتلك برنامجًا عسكريًا نشطًا منذ ٢٠٠٣، إلا أن وجود منشآت محصنة تحت الأرض يجعل خيار استئناف البرنامج العسكرى خيارًا واقعيًا.
وتوقع محللون أن يشمل الرد الإيرانى الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ووقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورفع التخصيب إلى عتبة الـ٩٠٪، والتى تمثل نقطة اللا عودة نحو امتلاك قنبلة نووية.