آراء حرة
الأحد 22/يونيو/2025 - 09:09 م
لا يمكن اعتبار استهداف المنشآت النووية الإيرانية فى فوردو وناتانز وأصفهان حدثًا عسكريًا محدودًا، بل يُعدّ تطورًا استراتيجيًا هائلًا يحمل فى طيّاته احتمالات تصعيد واسع النطاق قد تترتّب عليه آثار مدمّرة تطال الاقليم بأسره.
فهذه المنشآت تُعدّ من الأعمدة الرئيسية للبرنامج النووى الإيراني، وتمثّل العمق الصناعى والعلمى للبلاد، كما تُجسّد رمزًا لهيبتها ولسيادتها لذا فإن استهدافها لا يمكن إلا أن يُفسّر فى طهران كضربة مباشرة لقلب منظومتها الدفاعية، وكإهانة لا يمكن أن تمرّ دون ردٍّ مؤثر وقوي لذا فإن الرد الإيراني، أيًا كانت طبيعته، من المرجح أن يتّخذ طابعًا ممتدًا ومتعدد الأبعاد، تتقاطع فيه الرسائل السياسية مع الحسابات الاستراتيجية والاقتصادية وذلك فى إطار سياسة النفس الطويل التى تتبعها إيران عند التعرض لتهديدات خطيره، وتشير التقديرات إلى أن طهران ستميل إلى تكثيف هجومها الصاروخى على إسرائيل مع استخدام أدواتها غير المباشرة فى المرحلة الأولى، عبر تحريك حلفائها الإقليميين خاصة فى اليمن والعراق، بما يتيح لها توجيه ضربات منسقة ضد المصالح الأمريكية والقواعد العسكرية المنتشرة فى المنطقة دون الانجرار الفورى إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحده الأمريكية.
وفى هذا السياق، تزداد احتمالات أن يقدم الحوثيون، بدفع وتنسيق إيراني، على تكثيف الهجمات الصاروخية على العمق الإسرائيلي، بالتزامن مع محاولات لتعطيل حركة الملاحة فى مضيق باب المندب، كخطوة أولى لفرض ضغط بحرى تصاعدى ضمن حسابات الرد غير المباشر. حيث من المقدر أن مثل هذه العمليات البحرية فى باب المندب قد تكون مقدّمة تمهيدية لسيناريو أكثر خطورة، يتمثّل فى تلويح إيران، أو حتى محاولتها الجدية، لإغلاق مضيق هرمز، الذى تمرّ عبره نحو ٢٠٪ من إمدادات النفط العالمية، وهنا تحديدًا يتقاطع العامل البحرى مع أبعاد الرد الاقتصادى والاستراتيجي، إذ إن التحرك الإيرانى فى هرمز لا يُعدّ خيارًا سهلًا، بل ورقة ردع قصوى، تدرك طهران أنها ستُفهم من قِبل العالم كمؤشر على تحول الأزمة إلى حرب متصاعدة. ومع ذلك، فإن مجرد التلويح بهذا الخيار، أو توظيفه كفيل بإرباك أسواق الطاقة العالمية ودفع أسعار النفط إلى مستويات تتجاوز ١٥٠ دولارًا للبرميل، بحسب تقديرات أمريكية، ما ينذر بأزمة طاقة خانقة تضرب اقتصادات هشة أصلًا، لا تزال تتعافى بصعوبة من أزمات متراكمة سابقة،
ولا يجب فى خضم تلك التطورات الخطيره أن نغفل الآثار البيئيه الناجمة عن الهجوم الأمريكى على المنشآت النووية الإيرانية وما يمكن أن يترتب عنها من إشعاع كما أنه لا يمكن تجاهل التحذيرات الأمريكية من أنه فى حاله قيام طهران باستهداف القوات الأمريكية فى المنطقه فإن واشنطن لن تتردد فى استخدام القوه مجددًا داخل إيران.
وفى التقدير أن الاستهداف الأمريكى للمنشآت النووية الايرانية بالتوازى مع ما قامت به إسرائيل لن يترتب عليه تدمير البرنامج النووى الإيرانى بالكامل، اذ لا تزال إيران تحتفظ بمخزونات من اليورانيوم عالى التخصيب فى مواقع متفرقه تحت الارض بما يمكنها من إنتاج أسلحة نووية متوسطة التفجير مستقبلًا وأن إيران ضمن ردودها على الهجوم الإسرائيلى قد تلجأ الى وقف التعاون مع الوكاله الدولية للطاقة النووية IAEA ومنع عمليات التفتيش على منشآتها النووية المنصوص عليها فى معاهده منع الانتشار النووى NPT وربما الانسحاب من تلك المعاهدة بالكامل.
وإزاء هذه الديناميكية المعقدة، يتزايد الإدراك بأن ما ستشهده الأيام والأسابيع المقبلة سيكون حاسمًا فى رسم ملامح الشرق الأوسط لسنوات قادمة، وربما لعقدٍ كامل. فالانزلاق نحو مواجهة مفتوحة لن يقتصر على المجال العسكري، بل سيتحوّل إلى اختبار شامل لموازين الردع، وقدرة القوى الإقليمية والدولية على احتواء أزمة تتجه بسرعة إلى ما هو أبعد من الحسابات التقليدية، وباتت تلامس جوهر التوازنات الاستراتيجية فى الشرق الأوسط.
