الأحد 22/يونيو/2025 - 09:07 م 6/22/2025 9:07:31 PM

انطلقت فعاليات المهرجان الختامى لفرق الأقاليم، الذى تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، منذ أيام، ليقدم للجمهور ٢٦ عرضًا مسرحيًا تعرض تباعًا على مسرحى «السامر» وقصر ثقافة «روض الفرج»، فى احتفاء مفتوح بالإبداع المسرحى من مختلف ربوع مصر. ويعد هذا المهرجان محطة التصعيد الأخيرة للعروض الفائزة بالمهرجانات الإقليمية التى تعكس النتاج المسرحى لكل إقليم، وتظهر تنوع الرؤى والمعالجات.
وترصد «الدستور» كواليس تحكيم العروض، من خلال عدة حوارات مع نخبة من المحكّمين الذين أسهموا فى تقييم وتصعيد الأعمال الإقليمية، حيث يكشفون عن كيف قرأوا النصوص؟ وما ملامح التميز فى الإخراج وأداء الفرق؟ وأى العروض فرضت وجودها على قوائم التصعيد؟
أحمد عبدالرازق: الأعمال وازنت بين «القيمة الجمالية» و«القيمة الدلالية»
قال الناقد المسرحى أحمد عبدالرازق أبوالعلا، عضو لجنة تحكيم إقليم شرق الدلتا، إن تكامل العناصر الفنية وتناغمها فى نسيج مسرحى متماسك هو المعيار الأساسى لاختيار العروض المتميزة، موضحًا أن وضوح الرسالة وسهولة وصولها إلى الجمهور شرط لا غنى عنه.
وأشار إلى أنه يوازن دائمًا بين «القيمة الجمالية» و«القيمة الدلالية» فى تقييمه الأعمال المسرحية، دون تفضيل أحدها على الآخر، وهو ما تحقّق برأيه فى أربعة عروض تم تصعيدها من إجمالى ١٦ عرضًا، مثّلت محافظات الشرقية والدقهلية ودمياط وكفرالشيخ، ضمن مهرجان شرق الدلتا الثقافى.
وكشف عن أن من أبرز هذه العروض، مسرحية «زمكان» لفرقة قصر ثقافة الزقازيق، التى كتبها المؤلف الشاب محمد على إبراهيم، وجاءت كرحلة داخل «مخزن الحواديت» الذى يحتفظ به بطل المسرحية، باحثًا عن «حدوتة ذات حبكة» بمعاونة راوٍ، مضيفًا أنه فى العالم الخيالى لـ«الزمكان»، تختلط الأزمنة وتتقاطع الأساطير مع الواقع، لتغدو استعادة الكتب المفقودة مهمة وجودية تتجاوز استرداد التراث.
وبيَّن أن عرض «مرسل إلى» لفرقة السنبلاوين، حمل توقيع المؤلف طه زغلول، وركّز على دعوة إنسانية للسلام عبر استحضار معاناة ضحايا الحروب، الذين سقطوا فى نزاعات لم يكونوا طرفًا فيها.
وأكمل أن فرقة دمياط الجديدة قدّمت مسرحية «السراب» عن نص «صعب» للكاتب السورى سعد الله ونوس، الذى صاغه فى خمسة فصول بروح ملحمية. وعلى الرغم من امتداد الأحداث وتشعبها، استطاع المعد تكثيفها للوصول إلى الجوهر الدرامى: نقد انحدار منظومة القيم فى العالم العربى، وبروز طبقة جديدة من أصحاب الثروة التى عززت قيم الاستهلاك والتخلى عن الهوية.
وأشار إلى اختيار نص «المنزل ذو الشرفات السبع» للكاتب الإسبانى أليخاندرو كاسونا، لتقدمه إحدى الفرق، وهو نص يرمز من خلال سبع شخصيات إلى صراع القيم، إذ تعرض كل شخصية قيمة معينة يتم النيل منها باسم المصلحة الشخصية، مضيفًا أن المعد حافظ على تعددية مستويات الصراع التى أرادها «كاسونا»، بين الجشع، والطيبة، والشفافية، والمبادئ الإنسانية.
محمد علام: العروض قدمت رؤى جمالية متناغمة اتسمت بالتجديد والابتكار
أكّد الناقد الشاب محمد علام، عضو لجنة تحكيم المهرجان الإقليمى لإقليم القناة وسيناء، أن العروض التى تم تصعيدها هذا العام قدّمت رؤى جمالية متناغمة اتسمت بالتجديد والابتكار فى توظيف المنظر المسرحى، مشيرًا إلى تمايزها من حيث المدارس والأساليب، مع وعى لافت من المخرجين بأبعاد الفضاء المسرحى كوسيط تعبيرى حىّ، لا مجرد خلفية للأحداث.
وسلّط الضوء على عدد من العروض البارزة فى هذا السياق، من بينها عرض «هاملت بالعربى» لفرع الإسماعيلية، حيث استخدم المخرج التقنيات البصرية الحديثة، مثل «الداتا شو» والإسقاطات الضوئية على بانوهات مصمتة تتبدّل إضاءتها تبعًا لتحولات الوعى داخل عقل البطل.
أما عرض «العائلة الحزينة»، فكشف عن أنه قدّم منظورًا بصريًا مغايرًا عبر ديكور مطوى كصفحات كتاب، تفتح كل صفحة منه على فصل جديد من الألم والضحك، فى تداخل حسّاس بين التراجيديا والكوميديا.
واعتبر أن عرضى «كرنفال الأشباح» و«اليد السوداء» قدّما مقاربتين مختلفتين لاستثمار الفضاء المسرحى؛ ففى الأول تحوّلت البانوهات إلى كيانات حركية تنشط فى الخلفية، بينما تموضع الممثلون فى وضعيات شبه ثابتة، ما أضفى على العرض طابع الحلم الحىّ.
يسرى حسان: غياب الكوميديا «ملاحظة لافتة» ومنظومة متكاملة للتقييم
ذكر الكاتب والناقد يسرى حسان، عضو لجنة تحكيم المهرجان الإقليمى لوسط وغرب الدلتا، أن أبرز ما لفت نظره فى مهرجان هذا العام هو غياب العروض الكوميدية عن موسم الثقافة الجماهيرية فى الإقليم، وكأن الكوميديا أصبحت عيبًا، رغم أنها من أصعب فنون الدراما، وتحتاج إلى كاتب واعٍ وممثل يمتلك الكاريزما والقدرة على الإضحاك الحقيقى.
وقال: «المخرجون يتجنبون الكوميديا ظنًا منهم أنها لن تُرضى لجنة التحكيم»، معربًا عن أمله فى أن تخصص إدارة المسرح موسمًا كاملًا للعروض الكوميدية.
وعن توجيه بعض صناع العروض الانتقادات لأعضاء لجنة التحكيم، قال: «تقييم العروض المسرحية يتم وفق منظومة متكاملة، وعبر لجنة تضم تخصصات مسرحية متنوعة، تضم ناقدًا ومصمم ديكور ومخرجًا أو ممثلًا، ما يخولها لمشاهدة العرض، ثم مناقشة عناصره ومنح كل واحد منها درجة، ويكون مجموع الدرجات هو النسبة النهائية التى يحصل عليها العرض، وهذه النسبة هى التى تتحدد من خلالها إمكانية تصعيد العروض إلى المهرجان الختامى».
وأوضح أن هناك عروضًا احتوت على تمثيل جيد، لكن ثمة عناصر أخرى مثل الديكور كانت غير موفقة.
محمود الحلوانى: احتفاء كبير بالأسطورة والهوية الشعبية
أكد الشاعر والناقد والكاتب محمود الحلوانى، أحد أعضاء لجنة تحكيم إقليم جنوب الصعيد، الاحتفاء بالأسطورة والهوية الشعبية فى عروض المهرجان لهذا العام.
وأشاد باختيار المخرج أحمد الغول لنص «نوباتيا» لعرضه، والذى يحمل خصوصية فى ذاته، وإن كان يحتاج إلى بعض التكثيف والوضوح.
وقال: «نجح المخرج فى استغلال مساحة خشبة المسرح فى تشكيل فضائه تشكيلًا جيدًا، أتاح له توفير مناطق تمثيل متعددة، ساعدته فى استيعاب أطراف الحكاية التى تتوزع على عدة أزمنة وعدة مستويات، كما نجح فى استيعاب تشابك الحكاية عبر تشغيل عدد من التقنيات ذات الطابع السينمائى، كاستخدام الفيديو، والحدث المتوازى، والانتقال السريع عبر الأزمنة وغير ذلك».
وأضاف: «استطاع العرض كذلك أن يقدم حالة غنائية واستعراضية احتفالية وطقسية، تكسر الإيهام، وتضعنا على مسافة من الأسطورة التى يقوم عليها العرض وتنطلق منها خرافته، كما استطاع العرض نسج لحظات درامية متوترة وحية، وإن عانى من مشكلات فى الصوت والإضاءة، كما عابه استخدام بعض قطع الديكور بشكل غير منضبط، مما سبب ازعاجًا فى تشكيل بعض المشاهد».
وعن عرض «الطينة»، قال: «أجاد المخرج جاسر المصرى نسج حكايته التى كتبها كريم الشاورى، ونجح فى تحويل موضوعها عن الفنان الذى يلازم تماثيله ولوحاته، ولا يستطيع الخروج من عالمها المأزوم، الذى هو عالمه أيضًا، إلى صورة درامية مرئية، وساعد فى ذلك تشكيله الجيد للفضاء القادر على استيعاب الحكايات المتعددة لشخصياته، والتعبير عنها من خلال الأزياء والماكياج والحركة.
حمدى حسين: المخرجون المشاركون لديهم وعى كبير بالنصوص ونقلوا رسائلهم إلى الجمهور بسهولة وإبداع
قال المخرج حمدى حسين، إن أبرز ما يميز عروض إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد هذا العام هو وعى المخرجين بالنصوص المسرحية التى بين أيديهم، وكيفية تحويل هذه الدراما إلى صورة مسرحية متكاملة تصل إلى المتفرج وتلامسه بصريًا ووجدانيًا.
وأوضح «حسين» أن العروض التى جرى تصعيدها كانت نماذج حقيقية لهذا الوعى؛ إذ استطاع المخرجون أن يصنعوا صورًا مسرحية حقيقية مستندة إلى عناصر العرض كافة، من ديكور وموسيقى وحركة ممثل، بحيث يخدم كل عنصر منهم الدراما ويعززها. وأضاف أن الديكور فى هذه العروض لم يكن مجرد خلفية، بل كان موائمًا تمامًا لمحتوى النص، وكذلك الموسيقى جاءت فى خدمة الدراما الداخلية للممثل، مع حركة مدروسة على خشبة المسرح. وأشار إلى أن التميز لم يكن مقصورًا على نوعية محددة من العروض، بل شمل أعمالًا تنوعت بين الطابع الكوميدى والطقسى، وكان بعض العروض الكوميدية ضمن الاختيارات التى جرى تصعيدها، ما يعكس أن التقييم ارتكز بالأساس على مدى وعى المخرج بصناعة الصورة المسرحية.
وتابع: «المسرح صورة، والصورة الناجحة هى التى تقدم واقعًا حيًّا على الخشبة، وتستطيع أن تجذب الجمهور وتترك أثرًا، وتصنع عرضًا قادرًا على المنافسة داخل المسابقة».
ولفت إلى أن عددًا من العروض جسد وعيًا كبيرًا من المخرجين فى توظيف عناصر العرض المسرحى بشكل متكامل يخدم الدراما وينقل رسائلها إلى الجمهور بصدق وعمق: «من أبرز العروض التى شاهدناها هذا العام عرض (شارع ١٩) للمخرج عمرو حسان، وهو عمل استطاع أن يلتقط التحولات الاجتماعية التى طرأت على الأسرة المصرية منذ عهد الملكية حتى يومنا هذا».
وأوضح: «تميز العرض بقدرة المخرج على توظيف الموسيقى كعنصر رئيسى فى تشكيل الصورة المسرحية؛ إذ نقل من خلالها أجواء الأزمنة المتعددة، مستخدمًا الأغنية والجو الموسيقى لتدعيم الانتقالات الزمنية، إلى جانب التغيرات التى ظهرت فى أماكن مثل المقهى أو البيت، وكلها دلائل على وعى درامى عالٍ».
وقال: «هناك أيضًا عرض آخر كان لافتًا، وهو (آخر آيات الأندلس)، واستطاع فيه المخرج صياغة صورة مسرحية مكتملة العناصر، إذ كانت الموسيقى والدراما والديكور حاضرة بشكل متناسق ضمن نسيج العرض، ما أضفى عليه حالة تعبيرية خاصة ومؤثرة». ونوه بأن العرض الكوميدى «القروى المتمدن» للمخرج إبراهيم مهدى، استطاع خلق أجواء من الكوميديا النابعة من الدراما نفسها، فكان التفاعل الكبير من الجمهور نتيجة مباشرة لوعى المخرج بالدلالات الدرامية للنص وكيفية تجسيدها على خشبة المسرح بروح مرحة دون أن تفقد عمقها.
صلاح فرغلى: أداء متميز من معظم الممثلين.. وحبكة درامية للصراع ما بين الشخصيات
ذكر المخرج والناقد صلاح فرغلى، أن عروض إقليم وسط الصعيد التى جرى تصعيدها اتسمت بعدة عناصر؛ كوجود الحكاية الدرامية التى تحتوى على الصراع ما بين الشخصيات بشكل عام، مثل عرض «حجر القلب» لفرقة موط.
وأوضح «فرغلى»: «تبدلت حالة الحب عند (صفية) للانتقام من (حربى) لقتله القنصل»، وأضاف: «هناك أيضًا عرض (تاتانيا) لفرقة أحمد بهاء، والذى يتناول المدينة التى يسيطر عليها الكاهن ويحرك الجميع فى مجتمع مغلق، إلى أن يأتى المعلم ليحاول تغيير الجميع فيكون الصراع إلى أن ينتهى بالمعلم فى السجن ويجرى قتله بدم بارد».
وعن عرض «الإسكافى ملكًا» لفرقة المنيا، قال: «يحكى حكاية (معروف الإسكافى) الذى يهرب من الدائنين بمساعدة قطة كان يساعدها فى توفير الطعام، ويتضح أنها ابنة ملك الجان، فتساعده فى الهرب لأكثر من مكان، ورأينا صراعه مع شخصيات تعارض وجوده مع رغباتهم فى الارتباط ببنت ملك الجان التى تحبه».
وأضاف: «كما شاهدنا عرض (سترة) لفرقة سوهاج، الذى ناقش الرتابة والروتين وجو السيرك المسيطر على الحياة، وأكد لنا أن من يبحث عن دور فى الحياة لا بد من أن يراعى الأخلاق».
ولفت إلى أن الديكور فى العروض ساعد فى خلق الجو العام للمكان وساهم فى النقل السريع بين المشاهد المختلفة، مثل عرض «حجر القلب» للمخرج فتحى مرزوق، الذى صنع ما يشبه البرياكوتا الإغريقية، على شكل صندوق يتيح كل جانب مشهدًا من المشاهد.
وتابع: «ديكور عرض (تاتانيا) للمخرج عبدالناصر أحمد، خلق شكلًا للمدينة الغربية، ورأينا المبانى والساحة».
وأشار إلى أن ديكور مسرحية «الإسكافى ملكًا»، للمخرج ناصر عبدالحافظـ، يعبر عن الجو التراثى بوجود القباب فى الأعلى، والمشاهد الأخرى التى تعطى الإحساس بالحلم والخيال. وديكور «سترة» للمخرجة فاطمة أبوالحمد يوضح منظر خيمة السيرك، وهناك ساعات فارغة تعبر عن تلاشى الزمن، وصور تؤكد معاناة أجيال، وملابس المهرجين لتعميق المفهوم الكلى لواقع الحياة الأليم.. وتميزت الملابس بتنوعها فى معظم العروض المقدمة».
وتابع: «الممثلون بشكل عام يمتلكون أدواتهم، واستطاعوا أن يعبروا عن حالات خاصة من المشاعر وتناقضها أو تبدلها. وتميز معظم الممثلين فى كل العروض المصعدة، سواء على المستوى الفردى أو الجماعى، وكانت الأشعار والموسيقى تصنع خطًا موازيًا للموضوع ومكملًا للدراما وتعبيرًا عن الحالة النفسية للشخصيات.. كل ذلك يؤكد وجود مخرجين متميزين لكل العروض، يمتلك كل منهم أدواته الفنية التى تمكنه من توصيل الرسالة المطلوبة وتحقيق المتعة».