على مدار الأيام الماضية في شهر يونيو الجاري، أثيرت ضجة كبيرة حول "قافلة الصمود"، وهو التحرك الذي ضم آلاف المواطنين من دول المغرب العربي تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا، والتي انطلقت من تونس تحت شعار "كسر الحصار عن غزة"، وكانت تعتزم المرور إلى ليبيا ثم مصر والوصول إلى معبر رفح البري بمحافظة شمال سيناء.
قافلة الصمود

لم تنجح القافلة في الوصول إلى معبر رفح، لعدد من الأسباب كان أبرزها أن سلطات شرق ليبيا أعلنت أن عدد من المشاركين لا يملكون أوراق ثبوتية أو جوازات سفر للمرور إلى الأراضي المصرية، وهو أمر مخالف لما أعلنته وزارة الخارجية في بيانها الصادر في 11 يونيو الجاري، والذي ينص على أن هناك إجراءات تنظيمية للولوج إلى مصر.
وفي هذا الإطار استطلعت "البوابة نيوز" آراء بعض المشاركين في قافلة الصمود، حيث انقسمت الآراء بين متحفظ لمشاركة عدد من قيادات تنظيم الإخوان إلى جانب تمويلات ضخمة، فيما أكد مشاركين آخرين أن التحرك كان لهدف نبيل ومقصده شريف ألا وهو كسر الحصار عن غزة، واتفق الجميع على دور مصر المساند للقضية الفلسطينية على مدار تاريخها.
الإخوان في قافلة الصمود
وفي هذا السياق، قال الأستاذ فتحي الماهر أستاذ تعليم ثانوي والسكن في مدينة جمال ولاية المنستير التونسية، إن القافلة شارك فيها قيادات نهضاوية "حركة النهضة التونسية الذراع السياسي لتنظيم الإخوان الإرهابي" ورافقت القافلة منهم عبد اللطيف المكي وعضو آخر إخواني تونسي الجنسية يقيم في ليبيا ومنسق مع الغرب.

شرائح متصلة بالأقمار الصناعية
وأضاف الأستاذ فتحي الماهر، أن "حينما انقطعت الاتصالات والانترنت عن المشاركين كان هناك بعض الأشخاص يملكون شرائح محمول متصلة بالأقمار الصناعية متسائلا عن أي تنظيم يقدم هذه الهواتف ؟".
وأشار إلى أن بعض الأمور أثارت الشك والريبة في الهدف الحقيقي للقافلة، من بينها أن وائل نوار المتحدث بإسم قافلة الصمود، أخبر المشاركين أن الاعتصام في سرت هو تدريب على ما هو قادم، إلى جانب ترديد عبارة "أينما تقف القافلة فهذه حدود إسرائيل"، وهو أمر يمثل إحراج لمصر.
وكشف أنه حينما وصلت القافلة إلى شرق ليبيا جرى الاتفاق بين المنظمين وسلطات الشرق على عقد اجتماع مع السفير المصري في بني غازي لبحث أمر المرور إلى الأراضي المصرية، إلا أن مسئولي قافلة الصمود، خالفوا وعدهم ولم يذهبوا إلى الاجتماع بل تصاعد الأمر أكثر من ذلك بترديد هتافات مسيئة على شاكلة "يا للعار باعوا غزة بالدولار"، ثم انحرف الهدف من الوصول إلى رفح إلى المطالبة بالإفراج عن الموقوفين في شرق ليبيا.
ولفت إلى أن قناة الجزيرة رافقت قافلة الصمود من تونس حتى الدخول إلى ليبيا، حتى الوصول إلى بوابة 5+5 وانسحبت عندها.
وبوابة 5+5 تحت إشراف أممي ومسئولية مقمسمة بين الشرق والغرب بواقع خمسة مسئولين من كل جهة.
وكان الاستاذ فتحي الماهر، خرج في بث مباشر عبر صفحته بموقع "فيسبوك" كشف فيه عن أن هناك تمويلات ضخمة بحوزة قافلة الصمود من بينها أجهزة اللاسلكي المتصلة بالأقمار الصناعية وسيارات محملة بمولدات الكهرباء.
ولفت إلى أنه توجه بالسؤال إلى منظمي قافلة الصمود على كيفية الولوج إلى مصر، وكانت الإجابة بأنهم سيحصلون على فيزا جماعية، إلا أن الأمر تكشف فيما بعد حينما تبين أن منظمي القافلة تقدموا بطلب إلى السفارة المصرية في تونس بـ"تسهيل" المرور وليس الحصول على فيزا للدخول إلى الأراضي المصرية.
الطواف والتكبير في قافلة الصمود
وتابع "من الأمور المستغربة في القافلة هو التكبير والطواف اليومي في حيز تواجد المشاركين بالقافلة وكأننا في الصفا والمروة".
ولفت إلى أن البعض داخل قافلة الصمود ردد عبارات وشعارات من بينها "سنمر ولو بالقوة"، في إشارة إلى أنه كانت هناك نوايا مبيتة غير الهدف المعلن للقافلة وهو كسر الحصار عن غزة.
الداخلية الليبية
وكانت وزارة الداخلية الليبية في حكومة الشرق أصدرت بيانا قالت فيه إن قالت الداخلية الليبية في بيان إنها "طلبت من أفرد القافلة إبراز تأشيرات وموافقات من مصر، لكن لم يُقدَّم شيء حتى الآن"، موضحة أن "جوازات سفر بعض أفراد القافلة منتهية، وأخرى على وشك الانتهاء، ولا تتيح لهم عبور أي دولة"، متابعة: "بعضهم لا يملك جوازات أصلًا، ولا نعلم كيف سمحت حكومة الدبيبة بدخولهم من رأس أجدير، بالمخالفة للقوانين الليبية بشأن سريان جوازات السفر".
وأضافت الداخلية الليبية أنها "رصدت نبرة عدائية غير مبررة لمنظمي القافلة منذ اللحظة الأولى لوصولهم أطراف سرت"، وأشارت إلى أن "تعليماتها هي السماح بعبور وضيافة كل من يملك تأشيرة على جواز سفر ساري المفعول، تنفيذًا للقوانين المحلية واتفاقيات عبور الأفراد بين الدول، لكننا فوجئنا بأن القادمين لا يملكون أيًّا من هذه المتطلبات".
وشددت الداخلية على أنها "لا تسمح بعبور مواطنيها لمصر دون إجراءات، ومصر كذلك لا تسمح بعبور مواطنيها إلينا بالمثل، والجزائريون والتونسيون ليسوا استثناءً من القوانين المنظمة لحركة الأفراد".
مبادرة شعبية تونسية
في السياق ذاته، قالت الدكتورة التونسية سارة يوسف أستاذة القانون الدولي، إن قافلة الصمود هي مبادرة شعبية تونسية لكسر الحصار على إخواننا الذين يتعرضون للإبادة بقطاع غزة في ظل عجز المجتمع الدولي على وقفها واتخاذ إجراءات عاجلة لإغاثتهم.

وأضافت يوسف في تصريحات لـ"البوابة نيوز" أنها شاركت في هذه القافلة لإيمانها العميق بأننا أصحاب القضية وبإمكاننا كشعوب القيام بمبادرات سلمية لكسر الحصار وإدخال المساعدات إلى المناطق المنكوبة، ومثل هذا التحرك نقطة وصل بين الشعوب المغاربية التي خرجت لنفس الهدف على قلب رجل واحد لنصرة الإخوة الفلسطينيين بطريقة سلمية.
تضحيات مصرية من أجل القضية الفلسطينية
وأكدت أن الشعب المصري له تاريخ مشرف في النضال جنبا إلى جنب مع الإخوة الفلسطينيين، والمصريين قدموا جحافل من الشهداء من أجل القضية الفلسطينية ومستحيل أن يتأخروا عن الإغاثة.
وقالت سارة يوسف إن قافلة الصمود تجربة مميزة ضمت أفراد من كل الاتجاهات الفكرية لغاية وحيدة وواحدة هي كسر الحصار عن غزة، وانضممت طوعيا إلى هذه القافلة وعلى ثقة تامة في الطاقم المشرف عليها وتحركنا كجسم واحد طيلة الرحلة رددنا شعارات لكسر الحصار عن غزة المكلومة.
وأوضحت أنها لم تلاحظ أي سلوكيات أو أقوال لتوجيه القافلة إلى منحى آخر غير الذي نشأت من أجله.
ولفتت إلى أن القافلة دخلت إلى الأراضي الليبية في إطار إحترام تام للإجراءات وفي إطار حفاوة كبيرة من الشعب الليبي لا مثيله لها وأسكنونا قلوبهم قبل بيوتهم، لكن فيما بعد فوجئنا بإيقاف القافلة ورفض عبورها رغم إلتزامنا بكل ماهو مطلوب خصوصا أنها قافلة مدنية متكونة من أفراد على قدر عالي من الوعي – وفق تعبيرها.
وفي نفس السياق أكد سامي معالي مدير منصة مسار الإخبارية التونسية، إن قافلة الصمود اختارت الوصول إلى غزة من رفح لأن المنفذ البحري يخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، مضيفا أن الرغبة في العبور من هذا الطريق ليست فقط مسألة تنقل، بل تعبير عن موقف شعبي موحّد من مختلف البلدان المغاربية والعربية، مفاده أن الحصار على غزة لا يمكن أن يُترك دون موقف.

وأكد مدير منصة مسار الإخبارية التونسية لـ"البوابة نيوز" أنه لا أحد يُنكر أن مصر كانت دائمًا في صلب الصراع العربي الصهيوني، وتاريخ تضحياتها في سبيل فلسطين والأمة لا يختلف عليه اثنان، ونُدرك حجم التحديات والضغوط التي تواجهها الدولة المصرية، وندعو إلى أن تظل مصر في موقعها الطبيعي كحاضنة للمقاومة الفلسطينية وجسر دعم لغزة الصامدة، أما الكيان الصهيوني، فهو كيان عدواني توسّعي لا يستهدف فلسطين وحدها، بل يهدد أمن مصر والأردن وسوريا ولبنان وسائر الأمة.
وتابع معالي "نحن نكن كل الاحترام لمصر ودورها المحوري في الصراع العربي الصهيوني، فهي جزء أصيل من هذا الصراع وليست خارجة عنه، ودعمنا لفلسطين هو دعم لمصر ولكل الأمة العربية، لأن القضية الفلسطينية جوهرية في وحدة وكرامة العرب جميعًا، ونتطلع إلى تكاتف مصر معنا في هذا المسعى، لأن الوحدة والتضامن العربي هو الطريق الأمثل لكسر الحصار ووقف المعاناة في غزة، كما نؤكد أننا حريصين على الامن القومي المصري أكثر من اي وقت مضى".
وقال إن قافلة الصمود كانت مناسبة وطنية بامتياز، جمعت التونسيين من مختلف الاتجاهات، معارضة وموالاة، في مشهد مشرّف يعلو فوق الخلافات السياسية، ويُعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية كمحور مشترك بين أبناء الوطن الواحد ووجدنا في القافلة لحظة نادرة من وحدة الصف الوطني، حيث ذابت الانتماءات الضيقة في سبيل موقف قومي وإنساني نبيل.
الوصول إلى معبر رفح
وأوضح أن وصول قافلة الصمود إلى معبر رفح كان سيجسد موقفًا شعبيًا موحدًا وقويًا يضغط على الاحتلال ويفضح ممارساته الإجرامية أمام الرأي العام العالمي، ويرهب العدو الصهيوني، مجيبا على سؤال "كيف ستكسرون الحصار عن غزة إذا سمح للقافلة بالوصول إلى معبر رفح".
ولفت سامي معالي إلى أن احترام سيادة كل دولة وحقها في اتخاذ قراراتها المتعلقة بزيارات الوفود، مضيفا أن تونس نفسها اتخذت مواقف تراعي مصالحها الوطنية وظروفها السياسية، وهذا أمر طبيعي في أي دولة تحترم نظامها الداخلي، في إشارة إلى رفض بلاده استقبال وفد أوروبي عام 2023 بعدما صرح منتقدا اتفاقا بين البلد المغاربي والاتحاد الأوروبي.