أدت الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دفع البنوك المركزية في أوروبا إلى خفض أسعار الفائدة لدعم اقتصاداتها، في الوقت الذي يظل فيه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مقيدًا في اتخاذ نفس الخطوة بسبب تأثيرات التعريفات الجمركية.
وخلال هذا الأسبوع، خفضت البنوك المركزية في سويسرا والسويد والنرويج أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ خمس سنوات، كما قامت البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا بإجراء تخفيضات مماثلة الشهر الماضي -وفق ما نقلته مجلة بولتيكو الأوروبية اليوم الجمعة.
تصاعد المخاوف من تأثير الحرب التجارية
كما خفّضت جميع هذه البنوك توقعاتها للنمو، نتيجة تصاعد المخاوف من تأثير الحرب التجارية على وتيرة النشاط الاقتصادي.
ورغم أن العوامل نفسها تؤثر على الاقتصاد الأمريكي، لم يخفض الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة حتى الآن هذا العام. ويعود ذلك إلى أن التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على العديد من الواردات من الصين، والتي فرضت زيادة في التضخم داخل الولايات المتحدة، تجعل الفيدرالي الأمريكي حذرًا في اتخاذ إجراءات تيسير نقدي.
وقال جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي: "كل من أعرفهم يتوقعون زيادة كبيرة في التضخم في الأشهر القادمة بسبب التعريفات لأن شخصًا ما يجب أن يدفع ثمن التعريفات".
وأكد باول أن الفيدرالي الأمريكي لا يزال في وضع جيد يسمح له بالإبقاء على أسعار الفائدة كما هي، خصوصًا في ظل نمو اقتصادي جيد ومعدل بطالة منخفض بنسبة 4.2%، مما يتيح للبنك الفيدرالي فرصة الانتظار.
وفي المقابل، لم يتأخر رد فعل ترامب، إذ هاجم رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ونعته بـ"قليل الفهم"، مشيرًا في تصريحاته لوسائل الإعلام إلى أنه قد يضطر إلى "إجبار الفيدرالي على اتخاذ إجراء" إذا استمر في التباطؤ.
وعلى الجانب الآخر، شهدت الصناعات الأوروبية أول تأثيرات حقيقية للتعريفات الجمركية الأمريكية، خصوصًا على صادرات أوروبا إلى الولايات المتحدة. ففي محاولة لشحن المنتجات إلى الولايات المتحدة قبل دخول التعريفات حيز التنفيذ، يواجه المصدرون الأوروبيون الآن انتظارًا طويلًا للحصول على طلبات جديدة. ورغم أن البنوك المركزية الأوروبية لا تزال تخشى من أن الحرب التجارية قد تعطل سلاسل التوريد العالمية وتضيف تكاليف إضافية، إلا أن الأولوية الآن هي دعم النمو الداخلي.
وقال البنك السويدي ريكسبانك في بيان يوم الأربعاء: "لقد فقد الانتعاش الاقتصادي الذي بدأ العام الماضي زخمه،" مشيرًا إلى أن النمو الاقتصادي قد يتباطأ أكثر في الفترة المتبقية من العام.
وفي سويسرا، خفضت البنك الوطني السويسري سعر الفائدة إلى صفر، بينما كانت قد أعلنت في النرويج أنها ستخفض سعر الفائدة للمرة الأولى منذ زيادة أسعار الفائدة بعد جائحة كورونا.
وبينما كانت البنوك المركزية الأوروبية تعمل على خفض أسعار الفائدة، فإن العملة الأوروبية تعزز هذه الضغوط على التضخم. فقد فقد الدولار الأمريكي حوالي 9% من قيمته مقابل العملات الأوروبية الكبرى مثل اليورو والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري في العام الحالي، مما جعل الواردات الأوروبية، خاصة السلع الأساسية مثل النفط والقهوة أرخص.
ومع ذلك، كان البنك الوطني السويسري قد خفض سعر الفائدة ليقلل من جاذبية الفرنك السويسري كملاذ آمن للمستثمرين العالميين. وأشار رئيس البنك مارتن شليجل إلى أن البنك قد يضطر إلى خفض سعر الفائدة إلى ما دون الصفر مرة أخرى في المستقبل، لكنه أكد: "لن نتخذ قرارًا بالعودة إلى الفائدة السلبية بسهولة".
وبالرغم من الدعم المستمر من البنوك المركزية الأوروبية للاقتصادات المحلية، إلا أن القلق من ارتفاع التضخم في المستقبل لا يزال قائمًا. ولا يزال العديد من المراقبين يعتقدون أن تأثير حرب ترامب التجارية على الاقتصاد العالمي قد يدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ المزيد من التدابير التحفيزية في الأشهر القادمة.