الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
سياسة

تشهد إيران مرحلة غير مسبوقة من التصعيد العسكرى فى عمق أراضيها، مع تكثيف إسرائيل ضرباتها الجوية التى طالت منشآت عسكرية ونووية وصاروخية، وأسفرت عن خسائر جسيمة فى البنية التحتية الاستراتيجية. وبحسب تقارير عسكرية متواترة، تمكن الجيش الإسرائيلى من تقليص القدرات الباليستية الإيرانية عبر تدمير نسبة كبيرة من قاذفات الصواريخ والمخازن والمنشآت الحيوية المرتبطة بإنتاجها وإطلاقها.
ويترافق التصعيد العسكرى مع حراك دبلوماسى وسياسى حذر فى المنطقة، إذ تبدو واشنطن مترددة فى الانخراط المباشر، فيما تواصل طهران وحلفاؤها، من الحوثيين إلى الميليشيات العراقية، تهديداتهم الواسعة ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية. وبينما تتعرض إيران لضغوط عسكرية واقتصادية كثيفة، يبرز أيضاً البُعد الإعلامى والتأثير النفسى الذى تحاول إسرائيل تعزيزه عبر رسائل موجهة إلى الداخل الإيراني.
كشفت تقارير عسكرية إسرائيلية أن جيش الدفاع الإسرائيلى تمكن من توجيه ضربات مؤثرة لقدرات إيران الصاروخية، ما أدى إلى تقليص قدرتها على شن هجمات باستخدام الصواريخ الباليستية. ووفقاً لبيان صدر فى 17 يونيو، أعلن الجيش الإسرائيلى تدميره لما يقرب من نصف قاذفات الصواريخ الباليستية الإيرانية، والتى يُقدّر عددها بأكثر من 200 قاذفة. وكان الجيش قد أعلن فى 16 يونيو تدمير نحو 120 قاذفة، ما يشير إلى أن نحو 80 قاذفة إضافية تم استهدافها خلال 24 ساعة فقط.
كما قدّر جيش الدفاع الإسرائيلى أنه نجح فى تدمير ما بين 35% إلى 45% من المخزون الإيرانى من الصواريخ الباليستية، ونشر فى 17 يونيو تسجيلات مصورة توثق استهداف مواقع تخزين وإطلاق فى غرب إيران.
وتشير المعطيات الميدانية إلى أن حجم الهجمات الصاروخية الإيرانية فى الجولة الأخيرة من التصعيد كان أقل بكثير من هجومها المكثف فى أكتوبر ٢٠٢٤. ففى حين أطلقت إيران نحو ٢٠٠ صاروخ على دفعتين فى أكتوبر، اقتصرت الهجمات الأخيرة فى ١٦ يونيو على دفعتين ضمت كل منهما ما بين ٣٠ إلى ٤٠ صاروخًا. أما فى ١٧ يونيو، فتنوع عدد الصواريخ ما بين دفعة كبرى بـ٢٠ صاروخًا وأخرى صغرى بصاروخين فقط، فى دلالة واضحة على تقلص القدرات الإيرانية بعد الضربات الإسرائيلية.
إسرائيل تُقوّض الترسانة الباليستية الإيرانية
شنت إيران ثلاث هجمات جديدة باستخدام الصواريخ الباليستية ضد إسرائيل منذ الساعة السادسة صباحًا «بتوقيت شرق الولايات المتحدة» يوم ١٧ يونيو، وهو التوقيت الذى توقفت عنده بيانات مركز CTP-ISW. ففى الهجوم السادس منذ ١٦ يونيو، أطلقت إيران صاروخين باليستيين باتجاه وسط إسرائيل، حيث تمكنت منظومة الدفاع الجوى الإسرائيلى من اعتراض أحدهما، بينما سقط الآخر فى منطقة غير مأهولة، وفقًا لتقارير مراسلين عسكريين إسرائيليين.
وفى الهجوم السابع، أطلقت إيران ثلاثة صواريخ استهدفت جنوب إسرائيل، أعقبها هجوم ثامن بصاروخين باتجاه شمال البلاد. ولم تسفر الهجمات عن أى إصابات بشرية أو أضرار مادية، بحسب المصادر الإسرائيلية.
ويرجح مراقبون أن يكون هذا التراجع الملحوظ فى عدد الصواريخ التى تُطلقها إيران نتيجة مباشرة للضربات الإسرائيلية المكثفة التى استهدفت منصات الإطلاق ومخازن الصواريخ الإيرانية، والتى سبق أن أعلن الجيش الإسرائيلى عن تدمير نسبة كبيرة منها.
ضربات إسرائيلية تؤثر على منشآت التخصيب
أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فى ١٧ يونيو، أن الغارات الجوية الإسرائيلية أصابت بشكل مباشر منشآت التخصيب الواقعة تحت الأرض فى مجمع نطنز النووى بمحافظة أصفهان الإيرانية. وتأتى هذه التصريحات بعد أن حدد خبير أسلحة أمريكى وجود ثلاث نقاط لانفجارات فوق منشآت التخصيب فى الموقع نفسه بالتاريخ ذاته.
وكانت الوكالة قد ذكرت فى ١٦ يونيو أن الضربات الجوية لم تصب المنشآت تحت الأرض بشكل مباشر، لكنها رجحت أن تكون ألحقت أضرارًا كبيرة بالبنية التحتية للطاقة فى المجمع، ما أدى إلى تدمير أو تعطيل آلاف أجهزة الطرد المركزى المستخدمة فى تخصيب اليورانيوم.
وقد شملت الأضرار، وفقًا لتقارير الوكالة، محطات كهرباء فرعية ومبانٍ حيوية تدعم شبكة الطاقة فى الموقع، مما أثر على سير العمليات النووية داخله. كما وردت أنباء غير مؤكدة عن غارات جوية إضافية استهدفت المنطقة منذ ١٦ يونيو، إلا أن حجم الأضرار الناتجة عنها لا يزال غير واضح.
فى المقابل، أشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية ومصنع فوردو لتخصيب الوقود لم يتعرضا لأى تغييرات فى وضعهما التشغيلى حتى الآن.
ضربات إسرائيلية فى عمق إيران
وسّع جيش الاحتلال الإسرائيلى من نطاق عملياته العسكرية داخل إيران، حيث استهدف خلال الأيام الماضية عددًا من القواعد والمواقع العسكرية الحساسة فى محافظات طهران، أذربيجان الشرقية، وأصفهان.
ففى ١٥ يونيو، شنّت القوات الإسرائيلية ضربة على قاعدة "طهرانى مقدم" الصاروخية قرب العاصمة طهران، وهى واحدة من أكثر المنشآت العسكرية أهمية واستراتيجية فى البلاد. وقد أظهرت صور أقمار صناعية، نشرها محلل متخصص فى الأسلحة النووية بتاريخ ١٧ يونيو، حجم الدمار الواسع الذى لحق بالقاعدة. وتُعد هذه القاعدة رمزية أيضًا، إذ سُميت على اسم حسن طهرانى مقدم، مؤسس برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.
وفى شمال غرب البلاد، تداولت وسائل إعلام إيرانية معارضة مقطع فيديو يُظهر تصاعد الدخان من قاعدة «أماند» الصاروخية قرب تبريز بمحافظة أذربيجان الشرقية، وهى قاعدة يُعتقد أن الحرس الثورى الإيرانى يخزن فيها صواريخ «قدر» الباليستية متوسطة المدى. وكانت هذه القاعدة قد تعرّضت لضربات إسرائيلية سابقة فى ١٤ يونيو.
أما فى محافظة أصفهان وسط إيران، فقد نفّذ جيش الاحتلال فى ١٧ يونيو ما وصفه بـ«موجة هائلة» من الضربات التى استهدفت منشآت إطلاق وتخزين الصواريخ الباليستية. ومن أبرز الأهداف التى طالتها الضربات، القاعدة الجوية التكتيكية الثامنة التابعة لسلاح الجو الإيرانى «أرتيش»، والتى تؤوى طائرات من طراز F-١٤A/AM وF-٧/FT-٧N وPC-٧. وتقع هذه القاعدة قرب مواقع نووية ودفاعية بالغة الحساسية، وقد سبق أن استُهدفت فى أبريل ٢٠٢٤ بعد هجوم إيرانى على إسرائيل بالطائرات المسيّرة والصواريخ.
كما شملت الضربات قاعدة صواريخ تابعة للحرس الثورى الإيرانى وثكنات «عاشوراء» للفرقة المدرعة الثامنة فى منطقة نجف آباد، بالإضافة إلى ثكنة «شهيد خرازي» قرب شاهين شهر، والتى تضم منشآت تابعة للشركة الإيرانية لصناعة الطائرات «HESA»، المنتجة لطائرات مسيّرة من طراز «أبابيل» و«شاهد».
الضربات الإسرائيلية تستهدف البنية التحتية الحيوية فى عمق إيران
واصل جيش الاحتلال الإسرائيلى فى ١٧ يونيو توسيع نطاق ضرباته داخل إيران، مستهدفًا منشآت عسكرية واستراتيجية فى عدد من المحافظات، فى مقدمتها مركزي، طهران، وأصفهان. وأفادت تقارير غير مؤكدة بأن إحدى الضربات استهدفت مقر الحرس الثورى الإيرانى فى مدينة خمين بمحافظة مركزي. وكانت القوات الإسرائيلية قد ضربت فى وقت سابق موقع الدفاع الجوى «حضرة معصومة» فى المحافظة نفسها يومى ١٣ و١٦ يونيو، وهو موقع مسؤول عن حماية منشأة «فوردو» النووية ويقع على بُعد نحو ١٦ كيلومترًا شرقها.
وفى السياق ذاته، ألحقت الغارات الإسرائيلية أضرارًا فادحة بمنظومة الدفاع الجوى الإيرانية، حيث دمّرت أكثر من ٧٠ نظام دفاع جوى منذ بدء الحملة فى ١٢ يونيو، بينها أكثر من ٤٠ نظامًا خلال أول ٢٤ ساعة فقط، مما أتاح لإسرائيل فرض تفوق جوى واضح فوق غرب إيران والعاصمة طهران. وتواصلت العمليات لتدمير ٣٠ نظامًا إضافيًا فى الأيام اللاحقة. ووفقًا للجيش الإسرائيلي، فإن تدمير هذه الأنظمة يعزز قدرة الطائرات الحربية والمسيّرات الإسرائيلية على تنفيذ عمليات عميقة داخل الأراضى الإيرانية.
وفى خطوة نوعية، نفّذ سلاح الجو الإسرائيلى فى ١٦ يونيو أعمق ضربة له حتى الآن، باستهدافه قاعدة جوية تابعة للجيش النظامى الإيرانى «أرتيش» فى مدينة مشهد، بمحافظة خراسان رضوي. ورغم هذه الضربات، أشارت تقارير إلى أن بعض أنظمة الدفاع الجوى الإيرانية لا تزال تعمل، وقد تم تفعيلها للرد على الهجمات، لكن لم تُعرف بعد مدى فاعليتها فى اعتراض الطائرات أو الصواريخ الإسرائيلية.
فى موازاة ذلك، كثّف الجيش الإسرائيلى ضرباته ضد البنية التحتية الحيوية الإيرانية، مستهدفًا مصافى نفط فى محافظتى طهران وأصفهان، مما يُنذر بتفاقم أزمة الطاقة فى البلاد. وكان مركز أبحاث الحرب والسلام قد حذّر فى ١٥ يونيو من أن هذه الضربات قد تؤدى إلى انقطاعات واسعة ومتكررة للكهرباء، مما يفاقم معاناة المواطنين ويزيد من احتمالات اندلاع اضطرابات داخلية.
وعلى الصعيد الأمنى الداخلي، وسّع الجيش الإسرائيلى هجماته لتشمل منشآت تابعة لقوات «الباسيج» فى محافظة أصفهان، وهى ميليشيا شبه عسكرية تتولى تجنيد الموالين للنظام، وتُستخدم فى قمع المعارضة وتنظيم الحملات الدعائية. وكانت وسائل إعلام تابعة لهيئة الأركان الإيرانية قد دعت قبل أيام إلى نشر واسع لعناصر الباسيج فى مختلف أنحاء البلاد لتعزيز استقرار النظام فى مواجهة التصعيد المتزايد.
إسرائيل تستهدف منشآت كيميائية ورسائل مباشرة من نتنياهو إلى الشعب الإيراني
أفاد مركز أبحاث الحرب فى تحديثه الصباحى بتاريخ ١٦ يونيو بأن جيش الاحتلال الإسرائيلى نفّذ ضربة جوية استهدفت مجموعة «الشهيد ميسامي» فى مدينة كرج بمحافظة البرز. وتُعرف هذه المجموعة بإنتاجها واختبارها لعوامل كيميائية تُستخدم فى تصنيع مواد تُسبب العجز، وقد سبق أن فُرضت عليها عقوبات أمريكية فى ديسمبر ٢٠٢٠ لهذا السبب. وتشير تقارير سابقة إلى أن السلطات الإيرانية استخدمت عوامل تعتمد على مركبات دوائية لقمع الحركات الاحتجاجية والمعارضة الداخلية.
وفى تطور لافت على الصعيد السياسي، وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو رسائل مباشرة إلى الشعب الإيراني، حيث ظهر فى مقابلة نادرة مع وسائل إعلام إيرانية معارضة فى ١٦ يونيو، قائلاً: «لقد أُضيئت شمعة، فاحملوها إلى الحرية.. ساعة حريتكم قريبة، إنها تحدث الآن». وكان نتنياهو قد وجّه خطابًا مماثلًا فى ١٢ يونيو أكد فيه قناعته بأن "يوم تحرير" الشعب الإيرانى بات وشيكًا.
تعكس هذه الرسائل محاولة إسرائيلية واضحة للتأثير على الرأى العام داخل إيران فى ظل التصعيد العسكرى المستمر، بالتوازى مع استهداف منشآت تعتبرها تل أبيب جزءًا من منظومة القمع الداخلى للنظام الإيراني.
هجوم صاروخى إيرانى يستهدف منشأة استخباراتية فى تل أبيب
أعلن مركز أبحاث الحرب فى تحديثه الصباحى بتاريخ ١٧ يونيو أن إيران نفذت هجومًا بصواريخ باليستية استهدف مدرسة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية فى معسكر موشيه ديان الواقع فى تل أبيب. وأظهرت لقطات مصوّرة لحظة محاولة أنظمة الدفاع الجوى الإسرائيلية اعتراض الصواريخ، لكن أربعة منها تمكنت من الوصول إلى محيط المدرسة.
وبحسب التقارير، سقط صاروخان فى أراضٍ زراعية، فيما أصاب ثالث محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي. أما الصاروخ الرابع، فقد أصاب مستودعًا داخل مدرسة الاستخبارات العسكرية، ما أدى إلى أضرار مادية واشتعال حريق، دون ورود أنباء عن وقوع إصابات بشرية حتى لحظة إعداد التقرير.
وفى سياق متصل، واصلت البحرية الإسرائيلية عملياتها الدفاعية ضد تهديدات الطائرات المسيّرة، حيث اعترضت فى ١٧ يونيو عدة طائرات بدون طيار كانت متجهة نحو السواحل الإسرائيلية. ونشرت البحرية مقطع فيديو يُظهر فرقاطة من طراز «ساعر ٦» وهى تعترض إحدى المسيّرات. وبحسب التقارير، تمكنت السفن الحربية الإسرائيلية من اعتراض نحو ٢٠ طائرة بدون طيار منذ انطلاق الحملة الجوية ضد إيران فى ١٢ يونيو، فى إطار جهود مكثفة لصد أى اختراق جوى محتمل.
ترامب يدعو لاستسلام إيرانى ويأمر بتعزيزات عسكرية أميركية
دعا الرئيس الأميركى السابق دونالد ترامب إلى «استسلام غير مشروط» من جانب إيران، وذلك فى منشور على وسائل التواصل الاجتماعى فى ١٧ يونيو، وسط تقارير تتحدث عن تحركات دبلوماسية محتملة بين واشنطن وطهران لبحث سبل إنهاء الحرب الإسرائيلية-الإيرانية. وصرح ترامب خلال حديثه للصحفيين بأنه يريد «نهاية حقيقية» للصراع، تتضمن تخلى إيران بالكامل عن طموحاتها النووية.
ونقل موقع أكسيوس أن إدارة ترامب تدرس عقد لقاء يجمع المبعوث الأميركى الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجي، لمناقشة وقف إطلاق نار واتفاق نووى محتمل. ورغم أن مسؤولًا أميركيًا لم يُكشف عن هويته أكد أن اللقاء «قيد الدراسة»، إلا أن الجانب الإيرانى نفى وجود مؤشرات على رغبة طهران فى إنهاء القتال. وأكدت مصادر إسرائيلية للموقع ذاته أن تل أبيب لم تحقق بعد أهدافها فى القضاء على البرامج النووية والصاروخية الإيرانية، ولا تنوى القبول بوقف إطلاق النار فى هذه المرحلة.
فى السياق العسكري، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن إرسال تعزيزات جديدة إلى الشرق الأوسط لتعزيز «الوضع الدفاعى الأمريكي» فى المنطقة. وأفاد وزير الدفاع بيت هيجسيث فى ١٦ يونيو بأنه أمر القيادة المركزية (CENTCOM) بنقل أصول عسكرية إضافية، تشمل مقاتلات من طراز F-١٦ وF-٢٢ وF-٣٥، إضافة إلى طائرات تزويد بالوقود، جرى تحويل بعضها من قواعد فى أوروبا. وبيّنت بيانات تتبع الرحلات أن ما لا يقل عن ١٧ طائرة تزود بالوقود غادرت أوروبا فى ١٧ يونيو، فيما أُرسلت ٢١ طائرة من الولايات المتحدة إلى القارة لتعويض النقص. ووصفت مصادر أميركية هذه التحركات بأنها «استعراض للقوة» وتهدف إلى «توفير خيارات» للرئيس الأميركي. كما تتجه مجموعة حاملة الطائرات «يو إس إس نيميتز» إلى الشرق الأوسط قادمة من بحر الصين الجنوبي.
وفى تطور لافت، دعا ترامب الإيرانيين فى ١٦ يونيو إلى «إخلاء طهران فورًا»، مشيرًا إلى أنه «يريد أن يكون الناس آمنين». وجاءت هذه الدعوة بالتزامن مع تنفيذ جيش الاحتلال الإسرائيلى سلسلة ضربات استهدفت العاصمة الإيرانية خلال ليلتى ١٦ و١٧ يونيو، بالإضافة إلى نهار يوم ١٧ يونيو. وقد أصدر الجيش الإسرائيلى أمرًا بإخلاء ٣٠٠ ألف شخص من أحد أحياء وسط طهران فى نفس اليوم.
ورغم عدم وضوح جميع الأهداف التى تم استهدافها فى طهران، أفاد مراسل قناة فرانس ٢٤ بوقوع انفجار كبير فى منطقة بارشين شرقى العاصمة فى ١٦ يونيو، حيث سبق أن ضرب الجيش الإسرائيلى مجمع بارشين العسكرى فى ١٢ و١٥ يونيو. ويُعرف الموقع بأنه مركز لتطوير المتفجرات والصواريخ الباليستية الإيرانية.
فى غضون ذلك، تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعى مقاطع فيديو لدخان كثيف يتصاعد من مستودع نفط فى منطقة شهران شمال طهران. وبينما رجحت بعض التقارير أن إسرائيل نفذت ضربة جديدة على المستودع، تشير مصادر أخرى إلى أن الحريق قد يكون استمرارًا لاشتعال ناجم عن ضربة سابقة فى ١٤ يونيو.
تحذيرات أمريكية من رد إيرانى واسع إذا تدخلت واشنطن
أفادت صحيفة نيويورك تايمز، نقلًا عن مسؤولين أميركيين لم تُكشف هوياتهم، أن المعلومات الاستخباراتية الأميركية تشير إلى أن إيران جهّزت صواريخ ومعدات عسكرية استعدادًا لضرب قواعد أمريكية فى المنطقة، فى حال انضمّت الولايات المتحدة إلى الحملة الجوية الإسرائيلية ضد طهران. وذكر مسئولان إيرانيان أن أولى الهجمات ستستهدف القواعد الأميركية فى العراق، يليها استهداف قواعد أخرى فى دول عربية لم يتم تسميتها.
وأشار المسئولون الأمريكيون إلى أن جماعة الحوثى فى اليمن «من المرجح» أن تستأنف هجماتها على الشحن البحرى فى البحر الأحمر فى حال تصاعدت المواجهة. كما نُقل عن مصادر أمريكية أخرى أن إيران قد تلجأ إلى زرع ألغام بحرية فى مضيق هرمز فى محاولة لإغلاقه وتعطيل الملاحة الدولية.
وكان رئيس الأركان الإيرانى السابق، اللواء محمد باقري، قد حذّر فى وقت سابق من أن طهران ستعطل حركة الشحن العالمية إذا «ارتكب الجيش الأميركى خطأً» بالتدخل عسكريًا.
فى المقابل، نقل موقع أكسيوس عن مصدرين فى دول حليفة للولايات المتحدة أن إدارة ترامب أبلغت شركاءها فى الشرق الأوسط أنها لا تعتزم الانخراط فى الحرب ضد إيران إلا فى حال تعرّض المواطنين الأميركيين لهجوم مباشر. وبحسب التقرير، فإن هذه الرسالة نُقلت قبل بدء الغارات الجوية الإسرائيلية فى ١٢ يونيو.
ميليشيات عراقية تهدد باستهداف القوات الأمريكية
أعلنت أربع ميليشيات عراقية مدعومة من إيران، وهى كتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، وحركة حزب الله النجباء، وأنصار الله الأوفياء، فى ١٧ يونيو، أنها وضعت خطة مشتركة لاستهداف القوات الأمريكية فى حال تدخلت واشنطن عسكريًا إلى جانب إسرائيل فى الحملة الجوية ضد إيران. وتندرج هذه الفصائل ضمن ما يُعرف بـ"المقاومة الإسلامية فى العراق"، وهو تحالف نفّذ هجمات متكررة ضد القوات الأمريكية فى العراق وسوريا بين أكتوبر ٢٠٢٣ ويناير ٢٠٢٤.
ويأتى هذا التصعيد بعد تقارير عن اعتراض القوات الأمريكية صواريخ أُطلقت من العراق نحو منطقة الشدادى بمحافظة الحسكة السورية، دون وضوح حول ما إذا كانت تستهدف القوات الأمريكية أو أهدافًا أخرى مثل إسرائيل. ولم تتبنَّ أى جهة مسؤولية الهجوم حتى الآن.
وكانت ميليشيا حركة النجباء قد حذرت فى ١٦ يونيو من أنها «لن تقف مكتوفة الأيدي» إذا استمرت إسرائيل فى استهداف إيران. ويرى مراقبون أن الميليشيات العراقية قد تتحرك ضد القوات الأمريكية حتى بدون مشاركة مباشرة من واشنطن فى الضربات، انطلاقًا من قناعة طهران ووكلائها بأن واشنطن تدعم العمليات الإسرائيلية ضمنيًا.
فى السياق نفسه، تصاعدت الدعوات السياسية داخل العراق لطرد القوات الأمريكية، إذ اتهمت قوى وفصائل شيعية مدعومة من إيران الولايات المتحدة باستخدام وجودها العسكرى فى البلاد لتسهيل الضربات الإسرائيلية ضد إيران. وادعى زعيم كتائب سيد الشهداء، أبو علاء الولائي، أن واشنطن عطلت أنظمة الرادار العراقية لحماية الطائرات الإسرائيلية. فيما وصف برلمانيون اتفاقية التعاون الأمنى مع الولايات المتحدة بأنها غطاء لتمرير الهجمات الإسرائيلية عبر الأجواء العراقية.
وكانت واشنطن وبغداد قد اتفقتا فى سبتمبر ٢٠٢٤ على بدء انسحاب تدريجى لقوات التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة، بحيث تخرج المئات من هذه القوات بحلول سبتمبر ٢٠٢٥، مع إتمام الانسحاب الكامل بحلول نهاية عام ٢٠٢٦. وتُعدّ هذه الخطوة هدفًا استراتيجيًا لطهران والميليشيات الموالية لها، والتى تسعى لاستغلال التوتر الحالى للضغط على الحكومة العراقية باتجاه تسريع الانسحاب أو شرعنته شعبيًا.
وعلى الأرض، شهدت بغداد مظاهرات نظّمها مئات من أعضاء كتائب حزب الله فى ١٦ يونيو تعبيرًا عن التضامن مع إيران، فى حين دعا قادة «الإطار التنسيقى الشيعي»- وهو تحالف فضفاض من الأحزاب الشيعية، بعضها مرتبط بطهران- إلى تنظيم احتجاجات شعبية داعمة لإيران.
الحوثيون يؤكدون تنسيقهم العسكرى مع إيران ضد إسرائيل
أعلن عضو المكتب السياسى لجماعة الحوثي، محمد البخيتي، فى تصريح لوسائل إعلام قطرية بتاريخ ١٧ يونيو، أن الجماعة تنسق هجماتها مع إيران وستواصل «التدخل لدعم إيران فى مواجهة إسرائيل». ويأتى هذا التصريح بعد إعلان الحوثيين فى ١٥ يونيو أنهم شنوا هجومًا على إسرائيل بالتنسيق المباشر مع طهران، فى أول تأكيد علنى من أحد أطراف «محور المقاومة» على تنفيذ هجوم مشترك مع إيران منذ بدء الغارات الجوية الإسرائيلية ضد طهران فى ١٢ يونيو.
ومنذ ذلك التاريخ، نفّذ الحوثيون سلسلة من الهجمات ضد إسرائيل باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ باليستية، فى إطار ما وصفوه بدعم «الحلفاء الإيرانيين». ورغم أن هذه العمليات لا تمثّل تطورًا جديدًا فى سياسة الحوثيين، الذين بدأوا استهداف إسرائيل منذ نوفمبر ٢٠٢٤، إلا أن وتيرتها المتزامنة مع الهجمات الإيرانية تشكل ضغطًا إضافيًا على منظومة الدفاع الجوى الإسرائيلي، التى باتت تواجه تهديدات متزامنة من أكثر من جبهة.
الخاتمة:
يبدو أن حملة إسرائيل العسكرية ضد إيران قد حققت أهدافًا تكتيكية بارزة، أبرزها ضرب منظومات الدفاع الجوى والمنشآت النووية والصاروخية وشل قدرات الرد السريع الإيرانية جزئيًا، وهو ما انعكس فى تراجع وتيرة الهجمات الإيرانية المضادة. ومع ذلك، لا تزال طهران تملك أدوات ضغط إقليمية، منها ميليشياتها فى العراق واليمن، التى لوّحت بتوسيع رقعة الاشتباك فى حال تدخلت الولايات المتحدة عسكريًا.
فى المقابل، يبقى المشهد مفتوحًا على سيناريوهات عدة، تبدأ من استمرار الضربات المتبادلة، ولا تنتهى باحتمالات التفاوض، خاصة فى ظل التحركات الأميركية الهادفة إلى احتواء الأزمة. أما الداخل الإيراني، فيواجه ضغوطًا متزايدة مع تدهور الخدمات الأساسية واحتمالات ارتفاع التوتر الاجتماعي، وهو ما يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى معادلة الصراع المتصاعد فى المنطقة.