في قلب العاصمة طهران، تستمر الحياة اليومية بوتيرتها المعتادة، المحلات التجارية تفتح أبوابها، والموظفون يتوجهون إلى أعمالهم، والأطفال يلعبون في الشوارع.
هذا المشهد ليس "استعراضاً" بل هو تعبير حقيقي عن ثبات نفسي جمعي، حيث تشهد الساحات العامة تدفقاً متزايداً للمتطوعين الذين ينظمون حملات توزيع المياه والمواد الغذائية، ويرفعون أعلام الجمهورية الإسلامية كرمز للتماسك الوطني.
ووفقاً لشهادات مراقبين دوليين، فإن هذا النمط من المقاومة المدنية يُعدّ استجابة طبيعية لشعب يرفض تحويل حياته إلى ساحة رهينة للتهديدات الخارجية.
القيادة والشعب.. علاقة تتجاوز السياسة
تكتسب العلاقة بين الشعب الإيراني والإمام الخامنئي بُعداً وجودياً فريداً، يجمع بين الانتماء الديني والهوية الوطنية، ورغم وجود انتقادات داخلية لأداء بعض المؤسسات الحكومية، يظل القائد الأعلى مرجعية جامعة يتعامل معها الإيرانيون بوصفها "الأب والمرشد".
في خطابه الأخير، أشاد الخامنئي بـ "شجاعة المواطن البسيط"، معتبراً أن المظاهر التطوعية اليومية – مثل تنظيف الشوارع أو مساعدة المتضررين – هي أعلى درجات التحدي للعدوان.
هذه العلاقة ليست أحادية الاتجاه؛ فقد ردت الحكومة بتقديم تسهيلات اتصالات مجانية ومساعدات مالية للأسر المتضررة، مما عزز الثقة المتبادلة.
مقارنة تاريخية.. من عبد الناصر إلى طهران
تشكل تجربة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 مرآة عاكسة للوضع الإيراني الحالي حيث تأميم قناة السويس (1956) والبرنامج النووي الإيراني (2020) كانا ذريعتين متشابهتين للغزو، هدفهما الحقيقي إسقاط أنظمة ترفض الهيمنة الغربية، بينما شخصية رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن "المهزوزة" – الذي اتخذ قرار العدوان بدوافع نفسية لـ"إثبات رجولته" – تُشبه تحليل شخصية دونالد ترامب الذي يُوصف بأنه "مسنّ يبحث عن إثبات الذات" عبر ضرب إيران، أما دور إسرائيل كـ واجهة للعدوان: في 1956 قاد بن جوريون الهجوم، واليوم يدفع نتنياهو واشنطن لضرب طهران.
آليات الصمود.. من التطوع إلى الرد العسكري
لم يقتصر الصمود الإيراني على المشهد المدني؛ فقد تحول إلى نموذج متكامل بانخراط آلاف الشباب في فرق الدفاع المدني وتدريبات الإسعاف السريع، وتطوير منظومات دفاع جوي محلية أسهمت في إسقاط طائرات مسيرة معادية، مستفيدة من خبرات سنوات الحصار، إضافة إلى تعزيز التحالفات مع روسيا والصين عبر منظمات مثل "شنغهاي" و"بريكس"، مما وفر غطاء دولياً مضاداً.
فشل العدوان.. من دورة التاريخ إلى حقائق الجغرافيا
كما فشل العدوان الثلاثي على مصر بسبب التحولات الجيوسياسية (صعود أمريكا والاتحاد السوفيتي على حساب بريطانيا وفرنسا)، فإن الضربات الحالية ضد إيران تواجه مصيراً مشابهاً، حيث الرد الإيراني بقصف إسرائيل وإسقاط طائراتها حوّل "الهجوم الأحادي" إلى "مواجهة مكلفة" للحلفاء.
أما التماسك الداخلي في إيران فيُقابل بشرخ عميق في الجبهة الإسرائيلية، حيث فرّ آلاف المستوطنين إلى قبرص خوفاً من الصواريخ، بينما صعود القوى الأوراسية (روسيا–الصين) كمنافس للهيمنة الأمريكية يجعل إسقاط طهران مستحيلاً دون حرب عالمية مخاطرها غير محسوبة.
صمود يكتب نهاية عصر الهيمنة
الصورة التي يقدمها الشارع الإيراني اليوم – حياة طبيعية + استعداد دفاعي + تلاحم مع القيادة – تثبت أن "العقاب الجماعي" الذي تمارسه واشنطن وتل أبيب لم يعد مجدياً.
هذا النموذج من المقاومة الذكية يُعيد إنتاج نجاح عبد الناصر في تحويل الهزيمة العسكرية إلى نصر سياسي عام 1956، لكنه اليوم يحدث في سياق عالمي مختلف، فبينما كانت مصر وحيدة في مواجهة الاستعمار القديم، تمتلك إيران تحالفات إستراتيجية وشعباً أكثر وعياً بآليات المواجهة، كما قال الخامنئي: "الثبات هو سلاح الضعفاء الذي يحولهم إلى أقوياء". ربما يكون هذا الصمود الإيراني هو الجرس الذي يُعلن نهاية عصر الهيمنة الغربية الأحادية، وبداية عالم جديد تُحترم فيه إرادة الشعوب.