منذ تبادل الهجمات الصاروخية الإيرانية الإسرائيلية، نجحت إيران في بث الرعب في نفوس الإسرائيليين، حتى عبر الآلاف منهم عن رغبته في الرحيل، لكن غلق المجال الجوي ووقف حركة الطيران في مطار بن جوريون حال دون ذلك.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإنه لليوم السادس على التوالي تستمر الصواريخ الباليستية الإيرانية في دك المدن الإسرائيلية بشكل غير مسبوق، حيث تعد هذه المرة الأولى في تاريخ إسرائيل الذي تشهد فيه مثل هذه المشاهد ومقتل أكثر من 20 إسرائيلي، وتدمير العشرات من المباني السكنية وإشعال النيران في السيارات ومحطات البنية التحتية والقواعد العسكرية.
وأضافت أن ما حدث تسبب في تصاعد القلق الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، حيث انهارت أسطورة الدولة الآمنة وقدرة سلطات الاحتلال على توفير الحد الأدنى من الأمان والتي كان يتفاخر بها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ما بين الصمت والرعب.. تل أبيب تتحول إلى حي مهجور
وأضافت الصحيفة أنه في تل أبيب العاصمة التجارية والثقافية والتي كانت أكثر المدن أمنًا، خيم الصمت على الشوارع التي أصبحت شبه خاوية، بعد غلق المدارس وكافة المؤسسات وتقليص خدمات النقل العام وفرض جيش الاحتلال حظر على التجمعات العامة.
وتابعت أن الصواريخ الإيرانية ركزت على تل أبيب أكثر من المدن الأخرى تلتها حيفا شمالي إسرائيل والتي تُعد ميناء محوري كما أن كلاهما يضم منشأت عسكرية مهمة.
وأضافت الصحيفة أنه مع تزايد المخاوف، غادر عدد من سكان تل أبيب، التي يسكنها حوالي نصف مليون نسمة، إلى مدن أخرى للإقامة المؤقتة مع أقاربهم.
وفي المقابل، بقي آخرون داخل المدينة لكنهم يفرون إلى الملاجئ ليلًا، وهى الفترة التي تشهد كثافة القصف الإيراني.
وقالت إيلا كيرين، وهى ممرضة كانت برفقة ابنتيها في أحد ملاعب تل أبيب يوم الثلاثاء: "إن العيش وسط هذه الحالة من انعدام اليقين وعدم معرفة إن كانت الصواريخ ستسقط فوق رؤوسنا بات أمرًا لا يُطاق الجميع يريد الرحيل".
وأضافت أنها ليست من الأشخاص القلقين بطبيعتهم، لكنها أصبحت تتأرجح بين خوف شديد من الموت وما سيترتب عليه من انفصالها عن ابنتيها، وبين حالة من التسليم القسري بواقع لا مفر منه.
وأشارت الصحيفة إلى أن الهجمات لم تقتصر على تل أبيب، ففي بات يام، أدى سقوط صواريخ إلى تدمير عدد من المنازل، وأسفرت الانفجارات عن إصابة العديد من المدنيين، بينهم فتاة في الخامسة عشرة من عمرها كانت تلوذ بالملجأ مع كلابها.
وفي ريشون لتسيون، سُجلت مشاهد مروعة لدمار واسع النطاق، مع انتشال قتلى من تحت الأنقاض، بينما وقف رجال الإنقاذ في صدمة أمام حجم الخراب.
وفي بيتاح تكفا، وسط إسرائيل، قتلت ضربة صاروخية أربعة أشخاص بعد أن سقط الصاروخ بين غرفتين محصنتين داخل مبنى سكني.
أما في حيفا، فقد أودت ضربة أخرى بحياة ثلاثة أشخاص بعد استهداف مصفاة للنفط، وفي بني براك القريبة من تل أبيب، تسببت موجة الانفجار الناتجة عن إحدى الضربات بانهيار منزل ومقتل رجل يبلغ من العمر 80 عامًا.
فيما قال إيدان تال مور، معلم مسرح ومدرب بيلاتس يبلغ من العمر 37 عامًا، إن الأزمة الراهنة دفعت شعوره بالأمان إلى الانهيار التام بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023.
وروى كيف هرع إلى ملجأ في قبو بنايته لحظة انطلاق صفارات الإنذار مساء الجمعة، بينما كانت الانفجارات تقترب من مكانه لدرجة اهتزاز الأرض تحت قدميه، وعندما خرج بحثًا عن قطته، وجد نوافذ شقته محطمة، وعلم لاحقًا أن بنايات على بُعد شارع واحد قد انهارت على رؤوس قاطنيها.
وأضاف أنه لا يعرف ما إذا كان جيرانه قد نجوا، وأنه منذ ذلك الحين لجأ للإقامة مع والديه في مدينة الخضيرة الساحلية، لكنه لا يشعر بالأمان هناك أيضًا.
هشاشة الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية وانعدام الثقة في السلطات
وأكدت الصحيفة أنه على الرغم من تصدي منظومة الدفاع الإسرائيلية "القبة الحديدية" غالبية الصواريخ التي أطلقت من غزة واليمن وحزب الله، ولكن مع الصواريخ الإيرانية الباليستية وفرط الصوتية وذات الرؤسة الحربية الثقيلة بالإضافة إلى الاستراتيجية التي اتبعتها إيران هذه المرة في الهجمات كشفت هشاشة عمل المنظومة الدفاعية الإسرائيلية، حيث اخترقت الصواريخ المنظومة الدفاعية الإسرائيلية والأمريكية.
وتساءل كثير من الإسرائيليين عن مدى فعالية هذه الأنظمة باهظة التكاليف في ظل الهجمات الإيرانية، وهو ما أعاد النقاش حول جاهزية الدولة للتعامل مع حرب طويلة الأمد، لا سيما مع التصريحات الإسرائيلية بأن العملية العسكرية ضد إيران ستستمر طالما تطلب الأمر، في مقابل تأكيدات إيرانية بأنها تمارس حقها المشروع في الدفاع عن النفس.
وأشارت الصحيفة إلى أن التصريحات الإسرائيلية أثارت موجة من الجدل والذعر بين الإسرائيلين، فضلًا عن انعدام الثقة في حكومة الاحتلال.
وفي هذا الصدد قررت دانة أفيسر، التي تعمل في شركة ناشئة بتل أبيب، مغادرة المدينة مع زوجها متوجهة إلى مزرعة زهور وأناناس يمتلكها في منطقة تل مَي يوسف جنوبي البلاد.
وقالت إن الضربات الإيرانية أثبتت أن لا نظام دفاعي يمكنه أن يوفر حماية كاملة، ورغم شعورها بالخوف، عبرت عن أملها بأن التصعيد الحالي قد يؤدي إلى تغييرات استراتيجية تتيح بناء منظومة دفاعية طويلة المدى أكثر فاعلية.
وأشارت إلى أن المشهد في تل أبيب وباقي المدن الإسرائيلية بات يعكس حالة انهيار في الثقة الشعبية بقدرة الدولة على تأمين الجبهة الداخلية، حيث تواصل صفارات الإنذار دويها، فيما تستمر عمليات الإنقاذ والبحث تحت الأنقاض، في وقت لا يزال فيه القلق هو العنوان العريض لحياة ملايين الإسرائيليين.