في أعقاب الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع استراتيجية داخل الأراضي الإيرانية، برز سؤال محوري في الأوساط العسكرية والمراقبين: أين سلاح الجو الإيراني؟ ولماذا لم يظهر أي تدخل فعّال لصد أو الرد على هذه الهجمات؟
هذا الغياب، الذي بدا جليًا رغم ضخامة عدد الطائرات الإيرانية، يعكس أبعادًا أعمق تتعلق بالبنية التحتية العسكرية، والخيارات الإستراتيجية الإيرانية، والتحديات التقنية المتراكمة عبر عقود.
1. الكم دون الكيف: إرث الحرب الباردة يثقل كاهل الجو الإيراني
يمتلك سلاح الجو الإيراني نظريًا أكثر من 300 طائرة مقاتلة، موزعة على خمسة عشر سربًا نشطًا، إلا أن الغالبية الساحقة من هذه الطائرات تنتمي إلى عصر ما قبل الثورة الإسلامية، حيث تعتمد إيران على مقاتلات أمريكية من طراز F-4 Phantom وF-5 Tiger، إلى جانب عدد محدود من MiG-29 الروسية وJ-7 الصينية، وبعض طائرات Su-24 وSu-22 التي يستخدمها الحرس الثوري في مهام الدعم القريب.
رغم بعض محاولات التطوير، يظل هذا الأسطول يعاني من تقادم هيكلي وإلكتروني حاد، إذ لا تزال كثير من هذه الطائرات تستخدم رادارات ميكانيكية من الستينيات والسبعينيات، ما يجعلها هدفاً سهلاً للتشويش والتشخيص، ويقلّص فرصها في الاشتباك مع طائرات إسرائيلية متقدمة مثل F-35 أو F-15IA.
2. عجز إلكتروني وتسليحي: ضعف في العصب الحيوي للحرب الجوية
تكمن المشكلة الحقيقية ليس فقط في تقادم الطائرات بل في قدراتها القتالية المحدودة. فمعظم المقاتلات الإيرانية تفتقر إلى أنظمة الحرب الإلكترونية المتقدمة، بينما تعتمد على صواريخ قصيرة إلى متوسطة المدى من طراز R-27 أو AIM-54، وهي ذخائر لم تعد فعالة في بيئات القتال الحديثة التي تتطلب دقة، مناورة، وقدرة على التشويش.
وبالتالي، فإن الطائرات الإيرانية عاجزة عمليًا عن أداء عمليات التفوق الجوي أو فرض مناطق حظر جوي، ما يدفع القيادة العسكرية الإيرانية إلى تبني خيارات ردع بديلة.
3. التحوّل الإستراتيجي: من التفوق الجوي إلى الردع الأرضي
في مواجهة هذه القيود، أعادت إيران صياغة عقيدتها العسكرية، مبتعدة عن الاعتماد على سلاح الجو، وراهنة على الدفاعات الأرضية، الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة. هذا التحوّل لم يكن خياراً بقدر ما كان ضرورة فرضتها العزلة الدولية، والعقوبات التي حالت دون تحديث الأسطول الجوي.
وبينما يشكّل عدد الطائرات الكبير تحديًا لوجستيًا أمام أي هجوم خارجي، فإن ضعف فاعليتها يجعلها عبئًا أكثر من كونها عنصر ردع فوري.
4. رهانات جديدة: هل تنجح صفقة Su-35 في سد الفجوة؟
منذ رفع حظر السلاح الأممي عن إيران عام 2020، بدأت طهران تسعى لشراء مقاتلات حديثة، وعلى رأسها Su-35 الروسية. تشير تقارير إلى توقيع اتفاقيات مع موسكو لشراء ما يصل إلى 64 طائرة، وهي خطوة يمكن أن تُحدث نقلة نوعية على صعيد الاشتباك الجوي والقدرة على مواجهة الطائرات الشبحية.
ورغم ذلك، تبقى هذه الخطوة مرهونة بسرعة التسليم، والقدرة الإيرانية على استيعاب هذه التكنولوجيا، وتوفير بنية صيانة وتشغيل حديثة، وهو ما لا يمكن تحقيقه على المدى القصير.
5. غياب الردع الجوي: ما الذي يعنيه لإسرائيل والولايات المتحدة؟
إن الغياب الفعلي لسلاح الجو الإيراني في مواجهة الضربات الأخيرة يمنح إسرائيل والغرب هامش مناورة واسعًا. فالهجوم على العمق الإيراني لم يواجه بمنظومات ردع جوية كفيلة بإيقاف أو إبطاء الطائرات المهاجمة، ما يجعل خيار التوسع في العمليات العسكرية ضد إيران أقل كلفة من الناحية التكتيكية.
وبالتالي، فإن أي تطور تصعيدي في المنطقة سيضعف الموقف الإيراني ما لم يُستكمل سريعاً مشروع التحديث الجوي.
6. نهاية مفتوحة: هل تسير إيران نحو استعادة "السماء المفقودة"؟
يبدو أن إيران باتت تُدرك حجم الهوة التي تفصلها عن خصومها في مجال الطيران، وتسعى ببطء لاستعادتها. لكن تحقيق هذا الهدف مرهون بجملة معقدة من العوامل: إبرام صفقات ناجحة، تجاوز الضغوط الغربية، تطوير صناعة جوية محلية قادرة على الإنتاج والتحديث، ودمج منظومات القيادة والسيطرة الحديثة.
وفي ظل العوائق الراهنة، تظل السماء الإيرانية مكشوفة نسبياً في مواجهة خصم مدجّج بأحدث الطائرات، ومتفوق تكنولوجيًا في كل الجبهات الجوية.