حرب إيران- إسرائيل.. سيناريوهات كارثية محتملة (2)

حرب إيران- إسرائيل.. سيناريوهات كارثية محتملة (2)
حرب
      إيران-
      إسرائيل..
      سيناريوهات
      كارثية
      محتملة
      (2)


في تطور ينذر بتصعيد غير مسبوق، وجّه الجيش الإسرائيلي تحذيرًا علنيًا إلى المواطنين الإيرانيين يدعوهم للابتعاد عن المنشآت النووية ومحيطها، في خطوة تحمل دلالات استراتيجية عميقة. هذا الإنذار، رغم طابعه الوقائي الظاهري، يُعد مؤشرًا على جدية تل أبيب في وضع تلك المنشآت ضمن بنك أهدافها العسكرية، ويُعيد إلى الواجهة أكثر السيناريوهات كارثية في سياق التوتر المتصاعد بين إسرائيل وإيران: سيناريو الاستهداف النووي.

 

في حال اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين الطرفين، فإن استهداف المنشآت النووية — سواء باستخدام أسلحة تقليدية أو اللجوء إلى الخيار النووي ذاته — سيكون أخطر أشكال التصعيد المحتملة. مثل هذا النوع من العمليات لا يقتصر على أهداف عسكرية فحسب، بل يطال الأمن البيئي، والاستقرار الإقليمي، بل وربما النظام الدولي بأسره.

 

السيناريو الأكثر ترجيحًا على المدى القريب يتمثل في شنّ غارات جوية إسرائيلية دقيقة ضد البنية التحتية النووية الإيرانية. من أبرز الأهداف المحتملة منشأة نطنز، التي سبق لإسرائيل أن أعلنت تنفيذ عمليات تخريب فيها، إضافة إلى فوردو المحصّنة داخل الجبال، وأراك التي تستخدم مفاعلًا يعمل بالماء الثقيل ويمكن أن يُوظف في إنتاج البلوتونيوم. كذلك، تتصدر أصفهان قائمة الأهداف، وهي مركز رئيسي للأبحاث والتطوير النووي، وقد أفادت تقارير بأن إسرائيل نفذت هجمات استهدفتها، إلى جانب مدينة شيراز.

 

بالمقابل، لا يُستبعد أن تعتبر إيران مفاعل ديمونا، الواقع في صحراء النقب والمرتبط بالبرنامج النووي الإسرائيلي غير المُعلَن، هدفًا مشروعًا لأي رد انتقامي. وقد سبق لطهران أن أعلنت استهداف مواقع قريبة منه في فترات سابقة. كما أن منشأة بوشهر النووية، رغم طابعها المدني، قد تتحوّل إلى نقطة حساسة في النزاع، إذ إن استهدافها قد يؤدي إلى تسرب إشعاعي يطال مياه الخليج، والتي تُستخدم في تحلية المياه من قِبل دول مجلس التعاون، ما يعرض سكان المنطقة لأخطار صحية مباشرة، أبرزها أمراض السرطان واضطرابات الدم.

 

الضربات، حتى وإن استُخدمت فيها أسلحة تقليدية، قد تسفر عن كوارث بيئية وإنسانية فادحة. فالتسرب الإشعاعي، إن حدث، ستكون آثاره بعيدة المدى، وستلحق أضرارًا جسيمة بالسكان والبيئة لعقود. علاوة على ذلك، فإن قرب بعض هذه المنشآت من مناطق مأهولة بالسكان يزيد من احتمال سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين. كما أن المجتمع الدولي لن يبقى مكتوف الأيدي أمام مثل هذا التصعيد، وسنشهد تحركات عاجلة من قوى كبرى ومؤسسات دولية، على رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للحد من تداعيات الكارثة.

 

أما السيناريو الأخطر، فيتعلق باستخدام فعلي أو تهديد باستخدام السلاح النووي. إسرائيل، رغم اعتمادها سياسة “الغموض النووي”، يُعتقد أنها تمتلك ترسانة تضم ما بين 80 إلى 200 رأس نووي. أما إيران، فهي لم تصل بعد إلى امتلاك هذا النوع من السلاح، لكنها تقترب تقنيًا من “العتبة النووية”، خاصة إذا انهار الاتفاق النووي بالكامل.

 

في حال شعرت إسرائيل بأن طهران تخطت الخطوط الحمراء، قد تلجأ إلى التهديد العلني باستخدام سلاح نووي تكتيكي، ضمن ما يُعرف بسياسة “الردع المكشوف”. هذا التهديد قد يدفع إيران إلى تفعيل ردود غير تقليدية عبر حلفائها الإقليميين أو عبر هجمات مباشرة، ما يضع المنطقة على حافة الانفجار النووي. وإذا وقع استخدام فعلي لسلاح نووي، حتى على نطاق محدود، فسيكون ذلك أول استخدام من نوعه منذ هيروشيما وناكاجازاكي، وسيؤدي إلى تآكل منظومة الردع النووي على مستوى العالم، ويفتح الباب أمام استخدام مماثل من دول مثل كوريا الشمالية أو غيرها.

 


الأخطر من كل ذلك أن هذا التصعيد قد يُطلق سباق تسلّح نووي في المنطقة، إذ قد تجد العديد من الدول نفسها مضطرة للبحث عن مظلة نووية، سواء عبر تطوير برامج محلية أو من خلال التحالف مع قوى نووية قائمة. ومع ضعف الآليات الدولية للرقابة والردع، سيُصبح الشرق الأوسط بيئة خصبة لانتشار السلاح النووي خارج السيطرة، في واحدة من أكثر المناطق توترًا في العالم.


الانعكاسات لن تقتصر على الجوانب العسكرية فقط. على الصعيد البيئي، سيتسبب أي تسرب إشعاعي في تدمير مصادر المياه والزراعة، وسيخلّف آثارًا مميتة لعقود. اقتصاديًا، ستشهد المنطقة انهيارًا في النشاط الصناعي، وشللًا في قطاع الطاقة، ما قد يدفع الأسواق العالمية إلى موجات من الركود والاضطراب. سياسيًا، ستُعاد صياغة التوازنات والتحالفات الإقليمية والدولية، في مشهد قد يُعيد العالم إلى أجواء الحرب الباردة، ولكن بأسلحة أكثر فتكًا وتكنولوجيا أقل ضبطًا.

 

في ظل هذه المعطيات، لم يعد التحذير الإسرائيلي مجرد خطوة إعلامية، بل هو إنذار حقيقي يعكس تغيرًا في قواعد الاشتباك. المنطقة، بكل مكوناتها، تقف على حافة مرحلة جديدة عنوانها “الردع النووي المهدّد بالانهيار”. والسيناريو الذي كان يُنظر إليه سابقًا كاحتمال بعيد، بات اليوم خطرًا ملموسًا يتطلب أعلى درجات الجدية في التعاطي السياسي والدبلوماسي.

 

الاستهداف النووي، إن وقع، لن يُغيّر فقط معادلات الصراع في الشرق الأوسط، بل سيُدخل العالم في مرحلة جديدة من الفوضى الاستراتيجية، حيث لن يكون هناك مجال للخطأ، ولا فرصة لتدارك العواقب.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق حبس عصابة سرقة الشقق السكنية بالتجمع
التالى غدا.. انطلاق امتحانات الثانوية العامة 2025