محمود ياسين… حين ارتدى الفنُّ صوته وهيبته

محمود ياسين… حين ارتدى الفنُّ صوته وهيبته
محمود
      ياسين…
      حين
      ارتدى
      الفنُّ
      صوته
      وهيبته

لم يكن محمود ياسين مجرد ممثل.
كان ظلًّا طويلًا يعبر الشاشة كمن يسير على خيطٍ مشدودٍ بين الفكر والإحساس.
في صوته دفء الحكاية الأولى، وفي ملامحه رجولة لا تستعير صخبًا، ولا تتقمّص أحدًا.

وُلد في بورسعيد، لكنه لم يكن ابن مدينة فقط، بل ابن مرحلة.
من ذلك الجيل الذي لم يرَ الفنّ ترفًا أو زينة، بل مسؤولية ورسالة.
دخل المسرح القومي لا سعيًا إلى النجومية، بل بحثًا عن المعنى، عن ذاته الأولى في مرآة الكلمة.
هناك، صقل صوته، وانحنى للنص، وتعلّم أن يقف أمام الكلمة لا فوقها.
وكان واضحًا منذ اللحظة الأولى أن هذا الرجل، بوقاره الهادئ ونظره الحالم، ليس عابرًا.

وفي مشواره السينمائي، تألّق في أدوار تحمل تناقضات النفس وعمق الإنسان.
لم يخفت حضوره، بل ازداد عمقًا.
كان كمن يترجم صمته إلى لقطاتٍ تتكلّم، وإحساسه إلى حوارات لا تُنسى.
في فيلم «أنف وثلاث عيون»، لم يجسّد دور الطبيب فقط، بل مزج الحيرة البشرية بالاتزان.
في «الرصاصة لا تزال في جيبي»، لم يكن مقاتلًا فقط، بل ذاكرة وطن تكتب نفسها بالدم والكرامة.
وفي «الخيط الرفيع»، ترك للحب مساحته المربكة، وسلّط الضوء على هشاشة القلب خلف قناع الكبرياء.

مع فاتن حمامة، نجلاء فتحي، ميرفت أمين… شكّل ثنائيات عاقلة، ناعمة، لا تُشبه الكليشيهات.
علاقات تحمل دفءَ الحقيقة، لا بهرجة الخيال.
كان الرجل الذي نُصدّق دموعه، ونحترم صمته، ونتهيّب صوته حين يحتدّ، كأن الحروف تأتمر بأمره.
فنانٌ أحبّ الفن لا الأضواء، قدّر الدور لا المساحة، واختار ما يُشبه تربيته الداخلية.

ومع تقدّم السنوات، لم يُرِد أن يبقى بطلًا بوهج الشباب، بل اختار أن يُصبح الراوي، الظل، الحكيم…
الصوت الذي يتردّد خلف كل مشهد.
شارك في «الجزيرة»، «الوعد»، و«نصر أكتوبر»، يمرّ كمن يُلقي السلام على جيل، ويترك خلفه رجعَ صوته وعبقَ زمن، لا ليأخذ بطولة، بل ليترك أثرًا لا يُمحى.

وحياته خارج الكاميرا كانت امتدادًا لتلك الهيبة:
زوجٌ وفيّ لشهيرة، وأبٌ هادئ لرانيا وعمرو.
لا يتكلّم كثيرًا، لا يظهر كثيرًا، لكنه حين يظهر… يصمت كل شيء من حوله.

في رحيله، لم نخسر ممثلًا.
بل خسرنا ملامح جيلٍ كامل،
وصوتًا كنّا نلجأ إليه لنسمع المعنى،
ووجهًا يشبه الآباء في عيون الأبناء.

محمود ياسين…
ظلّ واقفًا حتى النهاية ككتابٍ مفتوح…
لم يُغلقه الموت، بل طواه الزمن بمحبة،
كأننا سنفتحه يومًا ما، على فصلٍ لا يُنسى.
فصلٌ عنوانه: النُبل في الفن.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق المجلس الأعلى للأمن القومى فى إيران يجتمع لبحث سبل مواصلة الرد على إسرائيل
التالى «جولة دبلوماسية جديدة».. وزير خارجية إيران يزور مصر ولبنان الأسبوع المقبل