يري الباحث الدكتور حاتم الجوهري، أستاذ الدراسات الثقافية المنتدب بالجامعات المصرية، والمشرف على المركز العلمي للترجمة بوزارة الثقافة، أن الاحتفاء بافتتاح المتحف المصري الكبير وتدشينه عالميًا يجب أن يكون جزء من سياسة ثقافية مصرية جديدة في القرن الـ21، تضع المتحف إلى جوار مدينة الثقافة في العاصمة الإدارية، وتهتم بإعادة تقديم مصر في سردية ثقافية جديدة تناسب التغيرات الجيوثقافية والاستراتيجية وتحدياتها التي تحدث في المنطقة والعالم.
المتحف المصري الكبير سردية ثقافية مصرية جديدة
وأوضح "الجوهري" في تصريحات خاصة لـ "الدستور" حول الحدث العالمي والذي ينتظره العالم بأسره، ألا وهو افتتاح المتحف المصري الكبير رسميا: "مصر تملك نموذجًا حضاريًا رائعًا؛ يمكن أن نسميه نموذج "الحضارت المتصالحة" من ذاتها ومع الآخر، وهي الحضارات النهرية الأولى التي تمتعت بالموارد المائية وبالتضاريس الجغرافية الحامية، وهذا النموذج الحضاري جعلها في تصالح مع نفسها ماديًا وواقعيًا، وروحيًا أو مثاليًا، لم تحتج أن تهاجم الآخر طمعًا في المزيد من الموارد، ولم تحتج أن تهاجمه لتحصل على اعتراف نفسي بالتفوق والهيمنة والانتصار.
يمكننا أن نقدم المتحف المصري الكبير في إطار سردية ثقافية مصرية جديدة، تسعى بها مصر لإلهام العالم بعيدًا عن سرديات الصدام الحضاري الجديدة شرقًا وغربًا، مصر لم تعتد على أحد طوال تاريخها، لكنها لم تتأخر أبدًا في الدفاع عن نفسها وعن مواردها التي تخص الشعب المصري وبقاءه، يجب أن نقتنص الفرصة ونقدم المتحف المصري الكبير ضمن سياسة ثقافية جديدة لمصر، في وقت يعيد العالم كله تشكيل سردياته الثقافية في القرن الـ21، ومنطقتنا العربية ليس بعيدة عن هذا بما يتطلب من مصر الوعي الشديد بأهمية أن تربط حضورها العام، بسردية ثقافية أو جيوثقافية جديدة، وجيوثقافية بمعنى أن تربط المشروع الثقافي بفاعلية حضوره وانتشاره في الجغرافيا التاريخية الخاصة به.
المتحف المصري الكبير نموذج حضاري وثقافي
ولفت "الجوهري" إلى أنه: "لابد أن يُصحب افتتاح المتحف المصري الكبير، بسردية ثقافية مصرية تحكي للعالم تفاصيل الحياة اليومية، ومن هم المواطنون البسطاء الذين شيدوا هذه الحضارة، لابد أن نفكك الشبهات التي تحيط بحضارتنا المصرية العريقة، نحتاج إلى مشروع ومركز بحثي يتعلق بالشخصبة المصرية القديمة، وكيف يمكن أن نقدمها في أعمال سينمائية وأعمال توثيقية وأعمال موجهة للأطفال، تستحضر روح هذه الشخصية وتفاصيلها المدهشة، وكيف أنها طوال عمرها متصالحة مع ذاتها ومع الآخر، في كل طبقات "مستودع الهوية" ومكوناته المتجاورة والمتعايشة، وهذا هو سر النموذج الحضاري الذي يجب أن تفخر مصر بتقديمه للعالم كمصدر للوحي والإلهام، بعيدًا عن النماذج الحضارية للصدام والصراع والهيمنة ومآسيها التي نشاهدها حولنا".
المتحف المصري الكبير فرصة مواتية للغاية، ليكون لحظة تدشين سياسة ثقافية مصرية جديدة، تؤكد على القوة الناعمة المصرية وحضورها، وتعيد التأسيس للمشترك الثقافي المصري المتعايش والمتآلف بطبيعته محليا، وتقدم نموذجًا حضاريًا وثقافيًا يدفع العديد من السرديات الصدامية الإقليمية للوراء، ويقف ندًا إلى ند أمام السرديات العالمية الجديدة التي تسعى لإعادة إلإنتاج الهيمنة الثقافية، والمركزية الحضارية في القرن الـ21.