احتفلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أمس الأول، بـ«عيد الرسل»، وهو من الأعياد الكبرى ذات الطابع الرسولي في التقليد القبطي، ويُعد أول أعياد القديسين بعد عيد حلول الروح القدس، تزامن العيد هذا العام مع ختام صوم الرسل الذي استمر ٣٣ يومًا، وشهدت الكنائس في مصر والمهجر قداسات احتفالية ومظاهر روحية مميزة.
عيد رحيل بطرس وبولس
يرتبط عيد الرسل بذكرى رحيل اثنين من أعمدة الكنيسة الأولى: القديس بطرس، أحد الاثني عشر تلميذًا للمسيح، والقديس بولس، رسول الأمم وصاحب النصيب الأكبر من كتابات العهد الجديد.
ويُعتبر هذا العيد تكريمًا لكل رسل المسيح الذين انطلقوا بعد حلول الروح القدس مبشرين بكلمته، حاملين صليب الشهادة حتى الموت.
في هذا اليوم، تحتفل الكنيسة ليس فقط ببطولة الشهادة، بل أيضًا بقوة الكلمة التي زرعها الرسل في كل مكان، وجعلوا من الكنيسة جماعة حية عابرة للزمن والجغرافيا.
قداسات واحتفالات في أنحاء الكرازة
أُقيمت قداسات العيد في مختلف الإيبارشيات، وتجمّع الآلاف من الأقباط في الكنائس منذ الساعات الأولى من الصباح.
وفي دير القديس الأنبا بيشوي بوادي النطرون، احتفل الرهبان بالقداس الإلهي بحضور محبي الدير وزوّارهK أما الكنائس الكبرى في الإسكندرية، وطنطا، والمنيا، فشهدت هي الأخرى أجواء احتفالية خاصة، مزينة بصور القديسين وباقات الزهور.
القداس يوحّد القلوب
امتدت مظاهر العيد إلى الكنائس القبطية في المهجر، حيث أقيمت القداسات بنفس الطقس القبطي، مع ترانيم بلغات متعددة بحسب الجاليات.
في سيدني، ترأس الأنبا دانييل القداس في كاتدرائية القديس مارمرقس، وفي كاليفورنيا ألقى الأنبا سرابيون عظة عن «المسئولية التي ورثناها من الرسل»، مؤكدًا أن الكنيسة لا تزال حاملة لنفس الرسالة مهما اختلفت الأزمنة.
وفي لندن، نظم الشباب القبطي يومًا روحيًا بعنوان «على خُطى الرسل»، اختتم بقداس عيد الرسل شارك فيه المئات من الشباب والعائلات.
صوم الرسل
ينفرد صوم الرسل بأنه الصوم الوحيد المرتبط بموعد عيد القيامة، لذا تختلف مدته من عام لآخر. ويبدأ بعد عيد العنصرة «حلول الروح القدس»، وينتهي بعيد الرسل.
يُعتبر هذا الصوم من أقدم الأصوام في الكنيسة الأولى، إذ صامه الرسل أنفسهم قبل انطلاقهم في الخدمة والتبشير، ويؤكد التقليد الكنسي أن الصوم كان وسيلة لتثبيت الإيمان والاستعداد للكرازة.
وهذا العام، يستمر الصوم لمدة ٣٣يومًا، واختُتم بالاحتفال بعيد رحيل الرسولين بطرس وبولس، كما دعت الكنيسة الشعب طوال الصوم إلى المشاركة في القداسات اليومية وقراءة سفر أعمال الرسل.
من أعماق التاريخ
يعود الاحتفال بعيد الرسل إلى القرون الأولى للمسيحية، ويذكر التقليد أن يوم رحيل بطرس وبولس كان في ٥ أبيب حسب التقويم القبطي، الموافق ١٢ يوليو تقريبًا في التقويم الغربي، ولكن تختلف التواريخ قليلًا في الكنائس الأخرى.
وفي الكنيسة القبطية، يُرتل في هذا العيد لحن «إفلوجيمينوس» ويُقرأ الإبركسيس من سفر أعمال الرسل، ويُخصص الإصحاح ٢٩ الرمزي من «أعمال الرسل» للحديث المستمر عن رسالة الكنيسة.
كلمة البابا تواضروس
بمناسبة العيد، أصدر قداسة البابا تواضروس الثاني رسالة رعوية قصيرة نشرها المتحدث الرسمي للكنيسة، أكد فيها أن: «كنيستنا هي كنيسة رسل، تقوم على تعاليمهم، وتحيا بروحهم، وتمتد في العالم بصلاتهم».
ودعا البابا الشعب القبطي إلى الالتزام بالكلمة، ومتابعة رسالة الرسل وسط العالم، مشيرًا إلى أن الكنيسة الحديثة مدعوة أن تُكمل المسيرة التي بدأها الرسل الأوائل، بالشهادة والخدمة والمحبة.
مشاركة الأطفال والشباب في الاحتفال
اهتمت الكنائس هذا العام بإشراك الأطفال والشباب في فعاليات العيد، حيث أُقيمت لقاءات تحفيظ سير الرسل، ومسابقات كنسية في الكتاب المقدس، وعروض مسرحية قصيرة تحكي قصص استشهاد القديسين بطرس وبولس.
كما قامت مدارس الأحد بتنظيم مسيرات رمزية داخل الكنائس، حمل فيها الأطفال صلبانًا صغيرة وارتدوا زيًا أبيضًا، تعبيرًا عن النقاء والشهادة، في مشهد مؤثر نال إعجاب الحضور.
تسابيح وأناشيد رسوليّة
في ليلة العيد، أقيمت سهرات تسبيح في بعض الكنائس، تضمنت تماجيد للرسل وألحان قبطية مميزة مثل «الرسل الاثنا عشر» و«الإنجيل الحي»، وأداء فرق الترانيم لمقطوعات تحت عنوان “رسل المسيح”، مزجت بين الروحانية والتاريخ الكنسي.
وكانت التسابيح مناسبة لاستذكار بطولات القديسين الذين حملوا الإنجيل في زمن الاضطهادات، وجالوا بلادًا كثيرة لزرع الإيمان، دون أن يطلبوا شيئًا سوى خلاص النفوس.
عيد للتأمل والتجديد الروحي
رغم الطابع الاحتفالي، إلا أن عيد الرسل يبقى محطة تأمل لكل مسيحي.
ففي هذا اليوم، تتذكر الكنيسة أن رسالتها لم تبدأ ولن تنتهي بشخص أو عصر، بل هي استمرار لعمل إلهي بدأه المسيح بنفسه، وأوكل تكميله لتلاميذه ورسله.
ويحمل العيد دعوة ضمنية لكل مؤمن أن يعيش دوره في الكرازة والشهادة، سواء بكلمة طيبة، أو خدمة أمينة، أو محبة صادقة وسط العالم.