في ظل تكرار موجات ارتفاع الأسعار داخل السوق المصري، يتجدد التساؤل بين المواطنين: "لماذا نستورد هذا المنتج بينما يمكن إنتاجه محليًا؟".
سؤال يبدو بسيطًا، لكنه يعكس قضية استراتيجية تتعلق بالأمن الاقتصادي والاستقرار المجتمعي وهي"تحقيق الاكتفاء الذاتي".
بين الاستيراد والإنتاج.. معادلة صعبة
الفرق بين الإنتاج المحلي والاستيراد لا يقتصر فقط على الأسعار أو الجودة، بل هو امتداد لخيارات اقتصادية تعكس مدى اعتماد الدولة على ذاتها مقابل الاعتماد على الخارج.
وبينما لا تُعدّ عمليات الاستيراد في حد ذاتها أمرًا سلبيًا — فكل دول العالم تستورد ما لا تنتجه — ولكن تكمن الإشكالية عندما تتحول دولة إلى اعتماد شبه كلي على الخارج في سلع أساسية مثل الغذاء والدواء والمواد الخام.
في مثل هذه الحالة، تصبح عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية، إذ يؤثر أي ارتفاع في سعر الدولار أو اضطراب في سلاسل التوريد مباشرة على السوق المحلي.
معوقات تواجه الصناعة المحلية
تواجه الصناعات الوطنية تحديات متعددة، منها ضعف التمويل، محدودية التكنولوجيا، وغياب التخطيط الكافي لتقليل فاتورة أنتاج هذه الصناعات.
هذه العوامل مجتمعة تجعل بعض المنتجات المستوردة أكثر قدرة على المنافسة من حيث السعر أو الجودة، ما يدفع المستهلك لاختيارها على حساب المنتج المحلي.
لماذا نحتاج إلى دعم الإنتاج المحلي؟
الرهان على الصناعة والزراعة المحلية لا يقتصر على تقليص فاتورة الاستيراد فحسب، بل يمتد ليشمل خلق فرص عمل جديدة، تعزيز الصناعات الوطنية، تقليص عجز الميزان التجاري، والأهم: تأمين احتياجات الدولة الأساسية في مواجهة الأزمات العالمية.
حيث أن تحقيق الاكتفاء الذاتي يمنح الدولة مرونة أكبر في التعامل مع التحديات الاقتصادية، ويقلل من تأثير تقلبات السوق العالمي أو تغيّر أسعار العملات الأجنبية.
هل تمتلك مصر المقومات؟
الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب مشروطة بوجود رؤية استراتيجية واضحة من الدولة، تتضمن دعمًا مباشرًا للفلاحين والمصنعين وروّاد الأعمال، إلى جانب الاستثمار في التعليم الفني والتدريب المهني، وتبني سياسات تحفّز الابتكار وتحسّن جودة الإنتاج.
وقد بدأت مصر بالفعل في اتخاذ خطوات ملموسة، منها التوسع في زراعة القمح، وتشجيع الصناعات الغذائية ورواد الأعمال، وزيادة نسب المكون المحلي في الصناعات الكبرى، إلا أن هذه الجهود تحتاج إلى مواصلة واستدامة لتحقيق أثر ملموس على المدى البعيد.
وعي المستهلك.. جزء من المعادلة
دور المواطن لا يقل أهمية عن دور الدولة، فاختيار المنتج المحلي، حتى إن كان أغلى قليلًا، يسهم في تحفيز المصنعين على تحسين الجودة، ويدفع بعجلة الاقتصاد إلى الأمام، كما أن المطالبة بتطوير المنتجات يعزز من تنافسية السوق المحلي.
واخيرا، مصر تمتلك من الموارد الطبيعية، والقدرات البشرية، والموقع الجغرافي ما يؤهلها لتحقيق اكتفاء ذاتي في العديد من القطاعات.
إلا أن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب التزامًا جماعيًا، بين حكومة تسن السياسات وتحفّز الإنتاج، وشعب يؤمن بدوره كمستهلك وشريك في التنمية.
ربما لم يعد السؤال الأن هو "متى نحقق الاكتفاء الذاتي؟"، بل "هل نحن مستعدون لبذل الجهد الحقيقي من أجل الوصول إليه؟"