لم يكن الفلكي المصري في العصور القديمة مجرد راصد للنجوم، بل كان عالما واسع المعرفة، يجمع بين الفلك والهندسة والزراعة والدين، كان دوره محوريا في ضبط مواقيت الزرع والحصاد، وتحديد مواعيد الأعياد والمناسبات، بل وتنظيم حياة الناس اليومية، لقد وصل من الدقة والعلم ما جعل حضارات كبرى مثل اليونان وروما تلجأ إليه لتصحيح أخطائها الزمنية، ولم يكن مستغربا أن يستعين الإمبراطور يوليوس قيصر بنفسه بفلكي مصري ليعيد ضبط تقويم روما.
وبحسب الكاتب كمال الملاخ: "حين استعان الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر بفلكي مصري لإصلاح تقويم روما المضطرب ومن أبرز القصص التي تعكس عبقرية المصريين في علم الفلك، فقد كانت السنة الرومانية آنذاك مكونة من عشرة شهور فقط، تبدأ في مارس، مما تسبب في مشكلة في الفصول، ودخول الشهور في غير أوانها، وبناء على نصيحة هذا الفلكي المصري، أدخل قيصر تعديلات جذرية على التقويم، وأضاف شهورا جديدة، وبدأ استخدام ما يعرف بـ"السنة اليوليانية" التي ظلت معمولا بها في أوروبا حتى ظهور التقويم الجريجوري لاحقا.

عرف المصري القديم السنة البسيطة، وميز بين البسيطة والكبيسة، وكان يحتفل بليلة رأس السنة بنقل زورق الإله الخشبي الصغير إلى سطح المعبد، وسط التهليل والصلوات، قبل أن يعود به الكهنة إلى مقصورته في قدس الأقداس، وكانوا يحيون بعضهم بقولهم: "رنبت نفرت" أي "سنة حلوة"، بينما يسمون ليلة رأس السنة: "أوون رئيوت مسكات".
ويضيف “الملاخ”: وقد نشأت أسطورة طريفة تقول إن الإله "توت" لعب الطاولة مع القمر لكي يربح منه خمسة أيام، أضيفت إلى السنة ليصبح عدد أيامها 365 بدلا من 360، وهي الأيام الخمسة النسيئة التي كانت تعتبر أيام ميلاد الآلهة: أوزير، إيزيس، ست، نفتيس، وحورس.
وفي العصر الإسلامي، ظل التأثير المصري واضحا، فقد ظل الفلاح المصري يعتمد على النجوم، وأبرزها نجم "الشعرى اليمانية"، الذي إذا لاح قبيل شروق الشمس خطّا واحدا، عرف أن السنة الزراعية قد بدأت، وأن الفيضان قادم، والرزق يتدفق.


وبالعودة إلى روما، فإن يوليوس قيصر أطلق اسمه على شهر يوليو تكريما لنفسه، وتبعه الإمبراطور أوكتافيوس الذي سمى شهر أغسطس باسمه، وكان يوليوس قيصر قد اعتمد النظام المصري في تقسيم السنة إلى 12 شهرا، وأضاف يوما كل 4 سنوات، وهو ما نعرفه اليوم بالسنة الكبيسة.
ويروى أن يوليوس قيصر زار مصر عام 48 قبل الميلاد، وهناك أعجب بالتقويم المصري، فطلب من الفلكي المصري أن ينقل له النظام، وأمر بتطبيقه في روما، فصار لكل شهر عدد ثابت من الأيام، بخلاف النظام الروماني السابق الذي كان عرضة للتعديل السياسي.
ويشدد “الملاخ” علي: يقال إن التقويم المصري أثر أيضا في الأسماء الأوروبية للشهور، بل إن تقويم روما القديم نفسه استمد الكثير من روحه من تقويم الفراعنة، حتى وإن حاول البابا غريغوريوس الثالث عشر في القرن السادس عشر تعديل التقويم ثانية لتصحيح الأخطاء التراكمية، فيما عرف بالتقويم الجريجوري، المعمول به حاليا.
