عشيقة أبى

عشيقة أبى
عشيقة
      أبى

عندما دخلت على أولاد العم كنت كالأعمى غاضبًا.

فقررت أن أذبحهم جميعًا. 

لكننى آخر المساء عدت حزينًا.. لأننى لن أقتل أحدًا أبدًا. 

وتجدد السؤال: هل كان أبى يستحق القتل؟

وكانوا كعادتهم ينهشون لحمه وأنا صامت.

ابن عمى زغلول كان فى ملكوت، ضربت الأحجار رأسه حتى لم يعد قادرًا على رفع السبابة، قال فى خدر من التحشيش: رجل تعدى الثمانين ما الذى سيعيشه أكثر؟، ثم إن السؤال ما الذى كان يفعله هناك؟:

لقد وجدوه عندها ميتًا، مومس، عمرها خمسة عشر عامًا.

قالها فى تشفٍ قبل أن يصمت من جديد.

سحب مبسم الجوزة شرقاوى، وكان الأكبر بين أبناء العمومة، ونفخ فيها قبل أن يسحب ليجأر الحجر ويطقطق.

كان يكتم الأنفاس ولا يريدها أن تخرج، وهو يخرج صوتًا كالسعال: 

فضحنا.. حيًا وميتًا.

لم يكن أبوهما صالحًا، ولا أولاده، وأكمل الثالث، وكان غائبًا فى الركن مع نفسه:

أنت تُشبهه كثيرًا. 

يقولون إنها ليست مسلمة، وتجيد فنونًا لا تقوى عليها النساء.

وقررت أن أبحث عنها.

فى أوراق أبى، وتركت له قمصانًا لها وسراويل وعطورًا.

خمنت ذلك لوجود بعض رسائل منها.

لم يفاجئها أن أطرق بابها، كانت فى منامتها وأدخلتنى بلا تكليف لأدخل بيتًا ساكنًا، قالت: لا يوجد أحد هنا سوى أمى، وهى مريضة لا تقوم ولا تتكلم.

من مفارق صدرها يطل نهد حبيس المشد، وقميصها ينحسر عن ساقين فتعيده إلى مكانه.

لم يكن فى هذه الصالة المختنقة سوانا عندما راحت وعادت بكوب من الشاى.

قالت بشىء من الممازحة: ليس عندنا غيره.

كان أبوك يشترى لنا قليلًا من السكر والينسون والقرفة والشاى.

لكنه مات ونفد الخزين:

وأنت ماذا تريد؟ 

لاحظت أن عينىّ لا تتوقفان عن متابعة معالم جسمها. لم تحاول طوال الوقت أن تتغطى:

هل تريد أن تنام معى؟

فاجأنى السؤال، وقلت: لا. 

تمتمت فى خفوت: ولماذا تمنع نفسك؟ هل تظن هذا عملًا أخلاقيًا؟

وانحنت على كوب الشاى، وسألتنى: هل تريد سكر؟

بيتها ذلك الذى بحثت عنه بين أنقاض البيوت يبدو آمنًا، من الأمام خرابة، وفى الخلف صخور لا تزول.

قلت لها: نصف ملعقة.

فابتسمت قائلة: مثل أبيك.

لعنة الله على المقارنة، كانت عندما نهضت يشف قميصها عن معالم سروالها ولونه وتكوين بطنها.

ولما وضعت الكوب فوق راحتها، اقتربت وقالت: احترس فهو لا يزال ساخنًا.

داخل المكان سرت حشرجة، وقالت بلا استعجال: إنها أمى.

وراحت للداخل وتركتنى تائهًا فى المكان الضيق.

على الأرض كليم بلا لون تقريبًا، وعلى المنضدة مشط شعر قديم ونصف مرآة مكسورة، وعلى الأرض أحذية بلا لمعان.

وهناك دولاب مصنوع من أعواد أخشاب وقماش يحوطه كستائر.

بالطو على رأسه فراء ردىء وبنطال جينز وأشباح فساتين وجلابيب تطل من الشماعات وكأنها مصلوبة تحملق. 

ذكرتنى تلك الملابس المعلقة بلا ترتيب بما كنت أحمل.

ولما عادت استخرجت كيسًا كان معى، وكان بداخله سراويل وقمصان خفيفة للنوم وجلباب للرقص كان شائعًا وعصا.

قبل أن أسأل قالت: نعم كان والدك يحب أن يرانى فيها ويطلبنى ليراها ويرانى.

ماذا تظن أنت فى عجوز فى الثمانين؟

هل كان منحرفًا؟ وما الذى سيفعله معى؟

أنت لا تفهم شيئًا، والدك أدرك حكمة الزمن، هو يموت، وأنا أنمو وأتغير كل يوم.. وكان يحب أن يرى ذلك. كنت أقف أمامه بلا ثديين عارية. طفلة ليس عندها سوى جسد كالولد.

ولما نُفخت الروح فى الأنثى تتابعت الفصول، والحلمتان احتقنتا.. وعكن البطن ودار الردفان.رأى الثديين يطلان كأنهما دمعة، ويكبران يومًا بعد يوم.

صمتت وهى تنظر بعيدًا:

هل تريد أن تراهما الآن؟ 

كان يحكى عنك أحيانًا، قال إنك تُشبهه كثيرًا من الخارج. 

كنت أذهب للمدرسة وأعود لأجده جالسًا هنا. لم أكن أطلب منه شيئًا، فقط أردت يومًا أن أتعرف على الجبن الرومى.. وكان طعمه لذيذًا.

ليس عندنا موارد لا أنا ولا أمى، وكان يساعدنا، كان فقيرًا هو الآخر، ويعيش بمفرده، عجوزًا مهجورًا مملًا، ولم يسأل أحدكم عنه أبدًا.

كنت أزوره فى بيته، وكان يرتاح هنا وأرتاح هناك، وصار عندنا بيتان.

جربت أن أستحم هناك تحت الدش، وكان معى، ليس فى بيتنا سوى صنبور.

وأن أفتح الثلاجة وأجد بداخلها جبنة رومى ولانشون دون أن أطلب.

كنت أحب هناك أكثر من هنا، ولولا أمى تموت لنمت أمام التليفزيون.

لم يكن عندنا سوى ما ترى، خرق قديمة ومعاش لا يكفى يومين، وجدران وصنبور ماء ومرحاض.

أحببت هذا العجوز.. نعم لم أجد أبى وكان عندما ولدت قد مات.. لكن ذلك كان أبًا بلا نهر ولا زجر.. وأنام فى حضنه أحيانًا ويجردنى من كل سراويلى.

هل هناك رجل فى الدنيا رأى مثل هذا النعيم؟ لا أظن.

وأنا أيضًا صرت لا أتخيل الحياة بدونه، لقد هبط علينا.. وعندما يغيب يصبح الكوكب خاليًا من السكان. 

ما الذى كنتم تريدونه منه لتكونوا راضين؟

أن يصلى ولا يفارق السجادة ويسافر للحج؟

وأنا أذهب للكنيسة؟

كنتم دائمًا تطلبون أن يستعد ليموت، وكان هو يريد الحياة، وما زال كالطفل لديه المزيد من الاكتشافات.

تلك القمصان والسراويل التى تحملها وكأنها عار، لكم أسعدتنا بألوانها، وقياسها.. كانت تشاركنا لذة التعرف.

كانت تلك السراويل أفضل منك ومن إخوتك الذين أنفق عليهم طول العمر، ولما طعن انتظروا فى ملل أن يموت. 

هل تعرف لِمَ عرضت أن أنام معك؟ 

لأنك تُشبهه، لكنك شاب وهو كان لا يقوى على ذلك.

لقد كان هذا الرجل الطيب مؤمنًا بالله لكنه لا يصلى.

ولما عرفته لم أسأل نفسى أبدًا إن كان مسيحيًا أم مسلمًا.

هل كانت فى جيبه نقود؟ نعم.. وأنا أخذتها كلها. 

لم تكن كثيرة.. أنت تريدها؟

هل ستنفقها على زوجتك التى لا تحبك؟ 

انصرفت يائسًا. 

وصاحت خلفى وهى تقذف الكيس وبداخله السراويل الملونة والقمصان: 

خذها.. لا أريدها الآن.

رجعت بالكلوتات والقمصان الملونة ولا أعرف ماذا أفعل بها؟

إنها بالقطع لا تصلح لزوجتى السمينة أبدًا. 

اهتز السرير بشدة وكاد السقف يسقط على الجيران تحتنا، تذكرت الثور النائم إلى جوارى، إنها زوجتى.

كم الساعة الآن؟ 

سألتها عندما ارتج السرير، فلم تجاوبنى.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق الجيزة.. مصرع سيدة أنهت حياتها من أعلى.. وسقوط فتاة حاولت الهرب
التالى أسعار الذهب لحظة بلحظة.. سعر الذهب اليوم 11 يناير 2025 في الصاغة