التنافس على (الرجل القوي) في الشرق الأوسط

التنافس على (الرجل القوي) في الشرق الأوسط
التنافس
      على
      (الرجل
      القوي)
      في
      الشرق
      الأوسط

السبت 11/يناير/2025 - 02:33 م 1/11/2025 2:33:57 PM


(لم يتبق سوى اثنين منا بين القادة في الوقت الحالي.. أنا وفلاديمير بوتين).. هذا هو رأي رجب طيب إردوغان المُتعجرف الأسبوع الماضي.. ويمكن للرئيس الصيني، شي جين بينج، والأمريكي، ودونالد ترامب، تحدي التصنيف العالمي للرئيس التركي.. ومع ذلك، وعلى المستوى الإقليمي، يمكن لإردوغان أن يدَّعي أنه أحد الزعيمين القويين، اللذين يعيدان تشكيل الشرق الأوسط، إلى جانب منافسه الإسرائيلي المكروه من شعوب العالم، بنيامين نتنياهو.. ومع أن الغطرسة تُعمي الأعين عن حقيقة الأشياء، إلا أننا لابد أن نعترف بأن غطرسة إردوغان الحالية تنبع ـ بغض النظر عن اتفاقك أو اختلافك مع خطأ أو صواب الموقف الإردوغاني من جماعة في سوريا، مازالت مُصنفة عالميًا على أنها إرهابية ـ من دوره في سوريا.. فقد كانت تركيا القوة الإقليمية الوحيدة التي ألقت بثقلها وراء هيئة تحرير الشام، الجماعة الإسلامية التي أطاحت بنظام الأسد، إلى درجة أن زار إبراهيم كالين، رئيس المخابرات التركية، دمشق بعد أيام من استيلاء هيئة تحرير الشام على السلطة فيها.
لقد تطلع إردوغان منذ فترة طويلة إلى إعادة بناء القوة التركية، في أراضي الإمبراطورية العثمانية السابقة.. وبالنسبة له، فإن الإطاحة بالأسد تفتح طريقًا جديدًا للنفوذ الإقليمي.. وقد يكون لها أيضًا آثار جانبية محلية: إضعاف الأكراد في سوريا، وتخفيف مشكلة اللاجئين في تركيا، والمساهمة في محاولته للبقاء رئيسًا بعد عام 2028.. وتعتبر تحالفات تركيا مع الجماعات الإسلامية، مثل هيئة تحرير الشام والإخوان المسلمين، تهديدًا خطيرًا لإسرائيل وبعض الدول الخليجية المحافظة.. ولذا، قررت إسرائيل تدمير القدرة العسكرية السورية، بقصف قواتها البحرية والجوية والاستيلاء على أراضٍ خارج مرتفعات الجولان، التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967.. ووصفت الحكومة الإسرائيلية تدابيرها بأنها وقائية ودفاعية!!.
لكن نتنياهو، مثل إردوغان، يرى فرصًا في المستقبل.. إذ قال في حديثه الشهر الماضي، (لقد حدث شيء تكتوني هنا، زلزال لم يحدث منذ مائة عام منذ اتفاقية سايكس ـ بيكو)، ويبدو أن الإشارة إلى الاتفاق الفرنسي ـ البريطاني، الذي تم التوصل إليه عام 1916، والذي أدى إلى تقسيم الإمبراطورية العثمانية، تبدو ذات مغزى.. ومع الاضطرابات التي يشهدها الشرق الأوسط، يرى أنصار إسرائيل (الكبرى) فرصة لإعادة رسم حدود المنطقة مرة أخرى.. وهنا، يكتب ألوف بن، في صحيفة هآرتس، أن نتنياهو (يبدو وكأنه يهدف إلى ترك إرث، باعتباره زعيمًا وسَّع حدود إسرائيل، بعد خمسين عامًا من الانسحاب من سيناء).. إن حركة المستوطنين، الممثلة بشكل جيد في حكومة نتنياهو الائتلافية، تدفع إسرائيل لإعادة احتلال أجزاء من غزة.. وقد تمنح إدارة ترامب الجديدة إسرائيل الضوء الأخضر، لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة رسميًا.. وقد يتبين أن الاحتلال (المؤقت) للأراضي السورية، الذي يقول به نتنياهو، أصبح دائمًا.
وفي وقت لاحق، سوف يرى نتنياهو هذا كفرصة لمحاسبة إيران.. في وقت تجد الجمهورية الإسلامية نفسها في أضعف موقف لها منذ عقود، وهي تواجه معارضة داخلية، وسوف تتعطل ديناميكياتها، بسبب سقوط حكم الأسد السوري.. لقد شهدت طهران تدمير حلفائها، حماس وحزب الله، والآن الأسد.. وقد ترد إيران على خسارة وكلائها الإقليميين، بحملة مُتسارعة للحصول على أسلحة نووية.. ولكن هذا قد يستفز هجومًا من إسرائيل.. فبعد الهجوم الذي شنته حكومة نتنياهو ضد حزب الله في لبنان، أصبح الإسرائيليون في مزاج واثق وجذري.
خلال العام الماضي، قاتلت إسرائيل على جبهات متعددة في وقت واحد، بما في ذلك في غزة والضفة الغربية ولبنان واليمن وإيران، والآن سوريا.. إن إسرائيل هي القوة النووية الوحيدة في المنطقة، وتتمتع الآن بدعم كامل من الولايات المتحدة.. لقد بدت فرص نتنياهو في صنع التاريخ كزعيم ناجح ضئيلة، بعد هجمات السابع من أكتوبر التي نفذتها حماس.. وهو ـ أي نتنياهو ـ مثير للجدل بشدة في الداخل والخارج، وهو الآن قيد المحاكمة بتهمة الفساد في إسرائيل.. ومثل إردوغان، فإن نتنياهو سياسي لا يكل.. فقد استولى كل منهما على السلطة قبل عقود من الزمان ويعتبر نفسه رجل مصير.. ومع ذلك، فإن أحلامهما بالهيمنة الإقليمية تعاني من نفس نقاط الضعف.. إسرائيل وتركيا قوتان غير عربيتين في منطقة ذات أغلبية عربية.. ولا يوجد في العالم العربي رغبة لإعادة إنشاء الإمبراطورية العثمانية.. وتظل إسرائيل قوة أجنبية في الشرق الأوسط، يخشاها ويشكك فيها ويكرهها كثيرون.. كما أن تركيا وإسرائيل لديهما قاعدة اقتصادية ضعيفة للغاية، بحيث لا تطمحان حقًا إلى الهيمنة الإقليمية.. فالاقتصاد التركي يعاني من التضخم.. وعلى الرغم من كل ما تتمتع به من قوة تكنولوجية وعسكرية، فإن إسرائيل دولة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة.
قد تتصادم الطموحات المتنافسة لإردوغان ونتنياهو بسهولة في سوريا، التي تُخاطر بأن تصبح ساحة معركة للقوى الإقليمية المتنافسة، كما يرى جدعون راشمان، حيث أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج لديها مصالح على المحك هناك.. فربما يشعر السعوديون ودول الخليج بتهديد مباشر من التحالفات الإسلامية التركية، أكثر من طموحات إسرائيل الإقليمية.. لكن الرياض تعلم أن الهجوم الإسرائيلي على غزة، أثار استياء الكثير من العالم العربي.. وهنا، فإن الاقتراب من نتنياهو لمنع إردوغان سيكون مثيرًا للجدل، وخصوصًا إذا دفن الإسرائيليون في نفس الوقت، أي احتمال لحل الدولتين مع الفلسطينيين.. صحيح أن لدى إسرائيل وتركيا جيوش قوية، لكن السعوديين وقطر والإمارات العربية المتحدة لديهم قوة نيران مالية.. أيًا كان المسار الذي تُقرر الرياض اتخاذه، فإنه قد يشكل الشرق الأوسط بشكل أكثر جوهرية من تصرفات إردوغان ونتنياهو.
●●●
يتفق الكثير من المحللين على أنه من الصعب التنبؤ، بالمستقبل الذي ستؤول إليه التحولات الزلزالية الجارية في الشرق الأوسط، في أعقاب انهيار النظام السوري.. ولكن من الواضح بالفعل أن إسرائيل وتركيا هما الفائزان الأكبر، بعد أن حققتا مكاسب لم يكن من الممكن تصورها، حتى قبل بضعة أسابيع.. ويكتب ياروسلاف تروفيموف، في صحيفة (وول ستريت جورنال)، أن هذين الحليفين للولايات المتحدة، اللذين ساءت علاقاتهما بشكل كبير منذ بدء الحرب في غزة العام الماضي، أصبحا الآن على مسار تصادمي في سوريا وخارجها.. ويبدو أن تقييم ما تأمل إسرائيل الحصول عليه، من إعادة التنظيم الجيوسياسي الدراماتيكي في الشرق الأوسط ليس بالأمر الصعب، لأن مصالحها معروفة جيدًا ووجودية بطبيعتها.. وتتحرك قراراتها وفقًا لحاجتها إلى الأمن، ورغبتها في الحفاظ على التفوق العسكري والتكنولوجي، وحاجتها الدائمة إلى ردع واحتواء ومواجهة إيران ووكلائها.
لقد أدت أحداث الأسابيع القليلة الماضية، والتي أضعفت إيران والجماعات المسلحة التي تدعمها في جميع أنحاء المنطقة، إلى وضع إسرائيل في أقوى موقف أمني لها في الذاكرة الحديثة.. وفي مقابلة قوية مع صحيفة (وول ستريت جورنال)، يحدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، نقاط القرار الرئيسية التي أدت إلى هذه النتيجة.. يقول نتنياهو، (القوة ليست مجرد بنادق وصواريخ ودبابات وطائرات.. إنها الإرادة للقتال والاستيلاء على المبادرة).. الآن، يفكر قادة إسرائيل في أفضل السبل للاستفادة من مكاسبهم وتوسيعها.
وحتى الآن، لم يركز العالم كثيرًا على تطلعات تركيا، لكن الرئيس رجب طيب إردوغان لا يخجل من مناقشتها.. وقد قال هذا الأسبوع، (كل حدث في منطقتنا، وخصوصًا في سوريا، يُذكِّرنا بأن تركيا أكبر من تركيا نفسها.. لا تستطيع الأمة التركية الهروب من مصيرها).. ويضع إردوغان هذا (المصير) في إطار حضاري، فيضع (تركيا الجديدة) في موقع استمرار لإرثها العثماني وزعيمة للعالم الإسلامي.. وهذه الفكرة تثير القلق، ليس فقط في إسرائيل، بل وأيضًا بين بعض دول الخليج والولايات المتحدة.. (بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، فإن التحول في دمشق يشكل نقطة تحول قد تضعهم في مواجهة منافس إقليمي)، كما كتب حسن حسن، مؤسس ورئيس تحرير مجلة نيو لاينز، في صحيفة (الجارديان)، (بالنسبة لصناع السياسات الغربيين، تتراوح وجهات نظرهم حول تأكيدات أنقرة المتزايدة، من المخاوف بشأن علاقاتها الإسلامية، إلى الاعتراف بمركزيتها في السياسة في الشرق الأوسط.. وهذا يصب في مصلحة أنقرة، لأنه يشكل فارقًا واضحًا عن عرض القوة الإيرانية، الذي تم تحديه بالإجماع في الغرب والمنطقة).. ويرى أن صعود تركيا يزعزع السرد الذي تروج له الرياض، باعتبارها الزعيمة بلا منازع للعالم الإسلامي السُنّي، في مواجهة إيران الشيعية، (إن سياسات أنقرة ذات الميول الإسلامية، تلقى صدى لدى شريحة واسعة من المسلمين السُنّة والإسلاميين السياسيين، وتقدم بديلًا للملكيات الخليجية).
وفي الوقت الذي يتنفس فيه الإسرائيليون الصُعداء، إزاء تراجع التهديد الذي تشكله إيران الشيعية، فإنهم يُعربون عن مخاوف جديدة بشأن مجموعة إسلامية سُنية بقيادة تركيا.. وفي الوقت نفسه، يجتمع دبلوماسيون أوروبيون وأمريكيون في دمشق، مع أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام، التي قادت الحملة الأخيرة التي أطاحت بنظام الأسد.. التقت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى، باربرا ليف، مع الشرع وأعلنت، أن الولايات المتحدة ستتخلى عن مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار، كانت قد عرضتها للقبض عليه.. وقالت ليف أيضًا، إن قائد هيئة تحرير الشام وافق على ضرورة منع الجماعات الإرهابية من العمل في سوريا، وإنه يريد بناء بلاده وليس البدء بمعارك جديدة، إلا أن الولايات المتحدة تُصنفه على أنه إرهابي، ويحمل الاسم الحربي، أبو محمد الجولاني.
ويبقى السؤال: أين ستذهب كل هذه الأرض، مع كل هذه الحركة؟.. لا أحد يستطيع أن يجزم بذلك.. ومن الواضح، أن تركيا سوف يكون لها الصوت الأكثر أهمية في دمشق في الفترة المقبلة، وسوف يزداد نفوذها بشكل متزايد في أماكن أخرى أبعد من ذلك.. ويكتب تروفيموف، (هذا يجعل إردوغان أقرب من أي وقت مضى، إلى تحقيق طموحاته، في مجال نفوذ يمتد عبر الأراضي العثمانية السابقة، وصولًا إلى ليبيا والصومال)!!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق جدول مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 8 يناير 2025 والقنوات الناقلة
التالى محافظ أسيوط يتفقد محطة بني مر للثروة الحيوانية