الشتاء على الأبواب... دفء المواطن السوري بين رحمة البطاقة الذكية ونار السوق السوداء

SputnikNews 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لكن بوادر قسوة الشتاء هذا العام تتمثل بانقطاع أهم مصدرين لدفء البيوت في المدن السورية، فالبلاد تشهد أزمة مازوت غير مسبوقة، وهي المادة الرئيسية التي تستخدم هناك من أجل التدفئة، بالإضافة إلى الكهرباء التي أصبح يراها المواطن بفترات متقطعة ومتباعدة حاليا.

ولمعرفة كيف استعد المواطن السوري للشتاء القادم، "سبوتنيك" استطلعت آراء بعض المواطنين السوريين عن حالهم ومدى قدرتهم على تأمين مواد التدفئة.

© Sputnik . Firas Al-Ahmad

في اتصال مع وكالة "سبوتنيك"، يقول المحامي مصطفى رستم والمقيم في دمشق: "قد نكون كمحامين من ذوي دخل مرتفع نسبيا، ونستطيع تأمين المازوت أو غيرها من مواد التدفئة عبر السوق السوداء، وإن كان بأسعار قد تبلغ 4 أو 5 أضعاف عن السعر المدعوم من الدولة، ولكن يمكننا تأمينه على الأقل، وإن استعطت كوني من خلال بعض العلاقات تأمينه بأسعار معقولة نسبيا".

وأشار إلى أنه من السوق السوداء قد تجد بعض الصعوبات لتأمينه أحيانا، فالدولة اتخذت إجراءات شديدة مؤخرا حول تجارة المازوت في سوريا، فأصبح تأمينه مؤخرا بكميات قليلة من السوق السوداء أو كما يعرف بالمازوت الحر.

وعند سؤاله عن كيفية وجود هذه الكميات من الوقود في السوق السوداء، قال إن الأمر ليس سرا في أن باصات النقل الصغيرة (السرافيس) تبيع مخصصاتها أو الوفورات التي تحققها من هذه المخصصات بشكل أسبوعي، ويتابع: لكن لكيلا نظلم أصحاب هذه السيارات فإن الربح الذي يحققوه هو عبارة عن فتات ولا يستحق ذلك العناء أو الاتهامات التي توجه لهم.

ويكمل: بين الوقت الذي يقضيه السائق على محطة الوقود، وبين المدفوعات التي تنطوي عليها هذه العملية،وبين المصاريف الأخرى، لا يتبقى له ربح من بيع هذه المخصصات سوى 5 آلاف ليرة، واليوم سعر الفروج في البلد يقارب 10 آلاف ليرة، فالربح هنا ضعيف جدا، ولا يعتبر هذه التجارة الكبيرة.

ويشير رستم إلى أن الكثير من الناس اتجهوا للتدفئة على الحطب منذ عام 2015 تقريبا، بالإضافة الكهرباء والتي تتوفر بشكل غير كافي، والتي تحدث أزمة أكبر عند عودة التيار، حيث تتوجه كل المنازل إلى إشعال المدافئ الكهربائية في حال وجودها، بالإضافة إلى جميع الأجهزة الأخرى التي سيحاول المواطنون استغلالها عند وجود الكهرباء.

© Sputnik . Mohamed Damour

وتحدث المهندس حسن أديب القاطن في ريف دمشق لـ"سبوتنيك" عن أزمة التدفئة في سوريا، ويقول: "استطعت تأمين بعض المازوت الحر للمنزل وبسعر أعلى بسبعة أضعاف، فأنا مضطر لشرائه بأي سعر كان، بسبب وجود أطفال رضع لدي، وإن كانت عملية إيجاد المازوت أصعب بكثير من مسألة السعر المرتفع، فنحن في ريف دمشق أبرد من مدينة دمشق نفسها، ولم أستطع انتظار دوري في المازوت المدعوم عبر البطاقة الذكية".

ويكمل: "لو أن الأمر متوقف على وحدي لكنت انتظرت دوري بالمازوت المنزلي كما كل الناس، واعتمدت على الملابس السميكة حتى لا أشعر بالبرد، لكن بعد قدوم الأطفال لا أستطيع تركهم من دون تدفئة أبدا، فاضطررت لشراء الوقود بأسعار مرتفعة جدا من السوق السوداء".

ويضيف أديب: "بسبب وجود كمية قليلة أضطر إلى التنويع في مصادر التدفئة بين الكهرباء والمازوت، مع إغلاق البيت جيدا حتى لا تتسرب الحرارة خارجه، كما أننا نشعل المدفأة الكهربائية بين كل وقت وآخر، وكذلك أحيانا نشعل المدفأة التي تعمل على الغاز، فيجب أن تحقق التوازن بين جميع هذه الموارد حتى نحقق أفضل فعالية منها".

ويستطرد قائلا: يصل سعر لتر المازوت الواحد إلى ألف ليرة أحيانا في دمشق وريفها، وإذا استطعت أن تجده بأسعار أقل فستكون محظوظا بالتأكيد، نحصل على 200 لتر سنويا من المازوت المدعوم من الحكومة، ويتم تقسيمها إلى دفعتين أو أكثر، ونحن في هذه المنطقة نحتاج ما يقارب من 100 ليتر في الشهر تقريبا، فتخيل أنك تحتاج إلى 100 ألف ليرة من أجل المازوت فقط، والراتب كله لا يبلغ هذا الرقم.

ويعتقد المهندس السوري أن هذه الأزمة مفتعلة، وأن الضغط سيتواصل على المواطن من ناحية المازوت حتى يتكرر سيناريو البنزين، ويضيف: ستقول الحكومة بإنه لم يعد بالإمكان بيع المازوت بسعر 185 ليرة، وسيرتفع إلى 300 أو 400 ليرة، وعندها سيتوفر المازوت في كل مكان، فالآن عندما تريد تعبئة سيارتك بالبنزين جميع الكازيات فارغة ولا يوجد عليها أي دور، والبنزين متوفر بكميات كبيرة جدا، فأزمة البنزين انحلت بشكل كامل بعد رفع سعره.

© Sputnik . Leen Hamdan

المواطن يوسف عبد الله أحد سكان مدينة طرطوس الساحلية يشكو من قلة الكميات المدعومة التي تمنح للمواطن، وإن كان يعيش في منطقة أدفأ مقارنة بغيرها من المحافظات السورية، ويقول: لدي مدفأة تعمل على المازوت استطعت تعبئة 50 لتر فقط عبر بطاقتي الذكية، كما نجحت بشراء 50 لتر من المازوت الحر، ولدي مدفأة تعمل على الغاز بالإضافة إلى المكيف الكهربائي ومدفأة أخرى تعمل على الزيت، فلا يمكنك هنا الاعتماد على مصدر واحد للتدفئة.

ويتابع: "الاعتماد الأكبر لدينا هو على المازوت كونه المادة التي تعطي حرارة أكبر، لكن المشكلة في توفر المادة، لكن موضوع تقسيم المخصصات إلى عدة دفعات قد تجعلنا لفترات أحيانا طويلة من دون وقود، حتى أننا في العام الماضي لم نستلم آخر قسم من المخصصات وأضعنا 50 لترا من مخصصاتنا".

ويضيف عبد الله: "مخصصاتنا من 200 قد تكفي في حال استطعنا التوفيق بينها وبين المصادر الأخرى للتدفئة من غاز وكهرباء وغيرها، ويجب أن يكون هناك لديك دائما خطة بديلة في حال عجزت عن تأمين إحدى المواد".

وينوه إلى أمر آخر هو أن حتى المازوت المدعوم تكلفته عالية بالنسبة لشريحة كبيرة من المواطنين، بالإضافة إلى عائلات لا تكفيها الكميات المخصصة لها، لكن في حال توافر الأموال فالكميات التي تريدها يمكن تأمينها، إن كان من سائق وسائل النقل العامة أو غيرهم من تجار هذه المادة في الأسواق.

ويتابع: "عانينا من هذا الأمر سابقا ولكن ليس كما هي حال هذا العام، فالمادة تقريبا أصبحت نادرة، والطلب عليها كبيرا حتى قبل بداية الشتاء بشكل فعلي، وقد يكون الحظ إلى جانبنا بأن البرد ليس شديدا حتى الآن، وهو ما يجعلنا نوفر بعض الليترات من المازوت للقادم من الأيام، خصوصا أن وضع الكهرباء من سيء إلى أسوأ".

الناس تقطع أشجارها

أما المواطن عباس عباس من ريف حماة فيتحدث لـ"سبوتنيك" عن صعوبة تأمين المازوت وصعوبة توفر ثمنه في المناطق الباردة والفقيرة من سوريا، ويقول: "البرد هبط فجأة على منطقتنا، ونتدفأ على المازوت كون الحطب أصبح من الصعب جدا إيجاده، وهو بالأصل لم يبق منه شيء بعد الحرائق التي ضربت سوريا خلال الفترة الماضية، بالطبع نشتري المازوت من السوق السوداء".

ويكمل: قبل فترة أسبوع بدأ توزيع المازوت للتدفئة عبر البطاقة الذكية، وجاء الأمر متأخرا، كما أن مشكلة انتظار الدور لم تجعل الجميع يحصلون على هذه المادة، فنضطر إلى اللجوء إلى الشراء بطرق أخرى وبأسعار أعلى، والعديد لا يتوقعون أن يحصلوا على وقودهم قبل رأس السنة القادم.

واشتكى عباس كما من سبقه من أسعار المازوت الحر، والذي يصل إلى 4-5 أضعاف السعر المدعوم، وهو ما يشكل عبئا على المواطن السوري، بالإضافة إلى أن كمية المازوت التي تعطى على البطاقة الذكية لا تكفي أصلا لمناطق باردة مثل ريف حماة.

ويختم عباس حديثه للوكالة: "بسبب الأوضاع الاقتصادي أصبح شراء المازوت مشكلة حقيقية، فحتى السعر المدعوم ليس بمتناول الجميع في مناطق فقيرة كالريف، وبسبب ذلك تحول العديد من المزارعين إلى قطع أشجاره التي يأكل منها لكي يتدفأ، من أشجار زيتون وجوز وغيرها، خصوصا بعد أن أصبح الحطب في المناطق البرية قليل جدا بعد الحرائق، والناس لا ترغب بقطعه أصلا، لأن المناخ تغير بشكل كبير بعد نقص الغطاء الأخضر في المنطقة".

0 تعليق