السبت 04/يناير/2025 - 08:43 م 1/4/2025 8:43:02 PM
كل شىء بارد ومعقم فى هذه الغرفة. الستائر، الأجهزة الرقمية، حتى الهواء الذى أتنفسه. صمت مريب، جعلنى أنتبه لأزيز اللمبات. عن يمينى ويسارى ذراعان معدنيتان وعدد من الشاشات المعلقة. أسئلة كثيرة تتوالد فى رأسى كل دقيقة، فيما تتأرجح مشاعرى ما بين القلق والملل. منذ الصباح وأنا أتنقل بين الغرف: تحاليل، إجراءات روتينية، وأخيرًا انتهى بى المطاف هنا، ممددًا على طاولة العمليات.
قبل يومين، ذهبت لعيادة الطبيب. أرهقتنى سنوات اللهاث خلف الطموحات. انسدت شرايين الساق جزئيًا، ولا مفر من التدخل الجراحى. خلال النقاش معه، طلب منى الطبيب النظر بالمجهر. أجسام دقيقة مثل المسامير تسبح ذهابًا وإيابًا فى سائل لزج. ما علاقة ذلك بعلاجى؟
«ألم تسمع عن الميكرو- روبوت؟» بثقة العالم، أكد الطبيب أن تلك التقنية هى الأحدث والأفضل لتفتيت الجلطات. وفقًا لحساباته، فخمسة من تلك الروبوتات قادرة على إتمام المهمة بنجاح. «سنقوم بتخديرك موضعيًا كى تتابع معنا تلك اللحظات المذهلة. ستبحر الروبوتات من شريان الفخذ متجهة لهدفها. خلال دقائق معدودة، ستفتك بالجلطة، وتحولها لقطع متناهية الصغر. أليس ذلك مبهرًا؟».
أخيرًا ظهر الطبيب، وفى يده الحقنة السحرية. أشار للأذرع المعدنية المحيطة بالسرير.
«لا تنزعج من حركتها المستمرة خلال العملية. فالذراع الأولى توجه الروبوتات لاسلكيًا لمكان الهدف. أما الثانية فتصور ما يحدث بالشرايين لحظة بلحظة».
توجه الطبيب لإدارة مجريات العملية عبر شاشة كمبيوتر وعصا التحكم. ناولنى الممرض نظارة مجسمة وسماعات. حقننى بالروبوتات الدقيقة. وقبل أن يترك الغرفة، عرض قائمة من المقطوعات الموسيقية لأختار ما أفضل سماعه خلال متابعة العملية. صالت وجالت الروبوتات الخمسة تفتت الجلطة. حملت المجسمات الدقيقة غنيمة المعركة وعادت بها لنقطة البداية لسحبها من الجسم. بدا الطبيب منتصرًا، وهو يشيد بالتقنيات الحديثة. قبل أن ينهى حديثه، طلب منه مساعده مراجعة المجهر لأمر جلل. مرت دقائق من الفحص والمناقشات الجانبية. «أخرجنا أربع روبوتات من جسدك. ويبدو أننا فقدنا الخامس. لا تقلق. سنجده».
استمرت عمليات البحث لساعات، راجع الأطباء خرائط الأوعية والشرايين، تكرر العمل نفسه لأيام، دون جدوى. أكد الطبيب أن وظائفى الحيوية تعمل بشكل جيد، ولا داعى للقلق.
أين اختفى الروبوت؟ أبحث كل يوم عن أى ألم ينبئ عن مكانه، فى جسدى شرائح معدنية فقدت اتصالها بالعالم، كرائد فضاء وحيد على سطح المريخ. هل أخطأ الطبيب وحقن أربعة فقط؟ راجعت فيلم العملية. خمسة روبوتات كما أظهرتها الصور. تسابقت على تفتيت الجلطة، وعند العودة اختفى الخامس. هل انجرف مع تيار الدم؟ ربما، ولكن إلى أين؟ أراه فى أحلامى وحشًا يفترس أمعائى. ما كل هذا العبث؟
استنجدت بالطبيب. أنصت لى جيدًا. أكد أن لا شىء فى مقدوره، والأفضل أن أتعايش مع الوضع الراهن. بعد شهور، وجد الطبيب حلًا، حثنى على بلع قرص دواء، وتكرار ذات الجرعة لمدة أسبوع. بمرور الوقت، تعافيت. عدت لحياتى من جديد، دون أن أفهم ماذا حدث؟ هل أنهى فتت الدواء الروبوت؟ لا أعرف؟ قرأت عن الدواء، لأكتشف أنه حديث الصحف والمنصات، نظرًا لكفاءته المتناهية فى الحد من التفكير المفرط.