للحب فلسفة ..

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

من الذى آذى رسول الله فعلا وقولا ؟..هل هم الفرنسيون ومن قبلهم الدنماركيون ثم أمم أخرى؟... أم أن أصحاب الإيذاء والجريمة الفعلية هم أولئك الذين يمشون على منهاجه ويسيرون على وتيرته؟.. فإذا أخطأ الآخرون ربما كانت علة الخطأ هى الجهل، الجهل بمحتوى الرسالة السماوية ومن ثم الجهل بقيمة حاملها وصاحب ختم النبوة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.

ولكن كيف يكون الإيذاء قد وقع من المسلمين أنفسهم لا من أهل العقائد الأخرى؟... تقول المقولة الفلسفية التى ينسبها البعض إلى الفليسوف الإغريقى سقراط وينسبها آخرون إلى باب مدينة العلم الإمام على كرم الله وجهه : «تكلم حتى أراك» ومن ثم يكون التكلم بالفعل والقول هو المعبرعن مضمون ومحتوى ما يحمله المتحدث أو حامل النسق أو الخطاب الفكرى والإيديدولجى، فكيف تكلم مسلمو هذا الزمان؟!...تكلموا بثقافة النحر والذبح وتصفية أصحاب الدين الواحد والخندق الواحد، فكانت النتيجة فئات الدواعش وفئات من نسبوا أنفسهم زورا وبهتانا إلى الدين الإسلامى، فتركوا اسرائيل تحتل ثالث الحرمين وتفرغوا لقتال وذبح بعضهم، ليمسى هذا المشهد هو الحصيلة الغربية للمشهد الدينى عن الإسلام والمسلمين، تحدث المسلمون فعبروا عن كيفية الاختلاف وحق الرأى والرأى الآخر فكانت المحصلة هى جريمة ذبح داخل السفارة التركية لأحد الصحفيين الذين سولت له نفسه التغريد خارج السرب، فكانت دماء خاشقجى وعظامه التى لم يلق لها أية أثر عقب ذوبانها فى مركبات الأحماض الحارقة هى مرآة المشهد الإسلامى لثقافة الاختلاف، ما زلنا إلى الآن نتبع بلاء ومقولات مشايخ النفط الذين يسممون كل آبار الروح بحجة الدفاع عن العقيدة وحراسة الإسلام ، تارة يحرمون وجه المرأة وينادون بدثاره وتارة يحرمون الفنون وتارة أخرى يكسرون آلات الموسيقى ، وتناسى هؤلاء أن كبار مشايخهم وقادتهم لا يتجرأون على معارضة ترامب الرئيس الأمريكى بشأن تجويع أوإفقار دولة أو إعلان الحرب عليها وتناسى هؤلاء أننا فى ذيل الأمم فخرجنا من مضمار العلوم والفلك والفيزياء والطب إلى أمم متسولة للدواء ومتسولة للكساء وبعضنا أمم أشبه بمجموعة من البراميل البشرية تسير على الأرض تتأرجح مؤخرتها ذهابا وإيابا . هذا هو المنتج الإسلامى لحالة الفصام النفسى الذى يعيش فيه المسلمون،

فالمسلمون الذين ثارت ثورتهم لرسوم مسيئة أو تطاول قد مس نبينا صلى الله عليه وسلم، نسوا أنهم هم من أخرجوا للمشهد الغربى والعالمى هذه الصورة المشوهة والهزلية التى استقرت فى وجدان المواطن الغربى والامريكى والاسيوى .

التاريخ ليس بعيدا عن واقعة اللاعب المصرى والبطل الإنسان محمد رشوان لاعب مصر فى رياضة الجودو عبر إعادة طرح للحدوتة التاريخية فى أولمبياد لوس أنجلوس عام 1984م حيث كانت المنافسة على ذهبية المركز الأول أمام اللاعب اليابانى، ياسوهيرو ياماشيتا، والذى كان مصاباً فى قدمه وكان انتصار رشوان عليه أمراً يسيراً، لكن اللاعب المصرى والذى حمل اسم النبى لفظا وخلقا رحم خصمه ولم يقترب من رجله المصابة وخسر أمامه رحمة به كى لا يؤذى قدمه أكثر وأكثر فتم تخليد اسمه فى أشهر ميادين اليابان لدرجة ان العديد من مواطنى دولة اليابان قد دخلوا فى ديانة الإسلام عبر هذا الخلق النبيل الذى خلد اسم البطل المحمدى رشوان، تكلم محمد رشوان بأخلاقه فكان سفيرا لهويته الدينية .

ويحضرنى هنا مشهد الرسول الأكرم مع جاره الذى كان يتعمد إيذاءه فلما لم يجد أذاه ذهب ليتفقده، ثم مشهد آخر مع كعب بن زهير، الشاعر الذى كان كثير التطاول على سيد الخلق وكثير الهجاء له، وذات يوم كان الشاعر العربى كعب بن زهير يسير متألما مكروبا وقد تملكه اليأس بسبب جفاء حبيبته سعاد، هذا الجفاء الذى أدمى قلبه وأوجعه ومن ثم خوفه من عقاب المسلمين له على تطاوله عليهم بالسب ووصل الأمر لسب المسلمات والتعريض بهم فى شعره، ، وظل الشاعر صاحبنا حزينا يسير فى الصحراء حتى وجد مكانا مسقوفا بسعف النخيل فدخله وألقى خرجه الذى يحمله على كتفه، فلما رآه صحابة رسول الله أرادوا أن يتقدموا إليه ويعاقبوه على سب نبيهم وهجائه، لكنه الرحمة المهداة، قد اقترب منه وأشار لأصحابه أن يبقوا

فى أماكنهم فوجده يبكى ثم أخذ ينشد على مسامع المصطفى صلى الله عليه وسلم قصيدته الشهيرة «بانت سعاد» فتألم الرسول لحاله ألما شديدا ثم كان التصرف الأكثر عظمة ورحمة وسماحة أن أهداه خير الخلق بردته هدية له، فما كان من الشاعر أن بكى بحرقة أكثر محتضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويردد الشهادتين معلنا أنه أضحى فردا داخل هذا الكيان .

تنقصنا ثقافة الحب، نحن الجيل الذى تربى على صوت زعيق مشايخ يرتدون جلابيب قصيرة وذقون طويلة ويحلقون شواربهم ولهم مؤخرات كبيرة، كانوا يصرخون فى شرائط الكاسيت فيرهبوننا، كانوا يصرخون بعذاب القبر والثعبان الأقرع وعذاب جهنم، فكنا نصلى خوفا من كل هذه العذابات، نصلى ونعبد الله خوفا منه ومن هذه العذابات لا نصلى لأننا نحبه، تعاملنا بمنطق آخر هو منطق المقايضة، ونسينا ثقافة الروح، نسينا القلب السليم، نسينا الفطرة التى هى المضغة أساس الإنسان وبنيانه، فكانت مخرجات المسلمين فى هذا العصر هى حالات الفصام النفسى، حالات الصراخ الهيستيرى المزيف، صارت الرشوة والنفاق هى مجريات متبعة لا يخلو منها مجتمع بينما إذا تحدثنا عن أولياء الله الصالحين صرخ بعضهم ليقول شركيات وتناسى هذا الصارخ أن الشرك الحقيقى هو نفاقك لأحد المسؤولين معتقدا أن بيده مفاتيح الخير والشر وقد تناسيت أن كل المقادير بيد الملك ذى الجلال والإكرام، تناسينا صفات العفووالصفح ولم نطهر قلوبنا، وبالتالى لم لا نواجه أنفسنا بأننا من شارك فى الإيذاء والتطاول عقب كل هذه الجرائم التى ارتكبناها وأصبح العالم كله شاهدا عليها، لقد غزا الإسلام حضارات الشرق الأقصى بالأخلاق والمعاملات وشرف الكلمة وأخلاق المسلمين، ماذا سيضر دولة من مقاطعة اقتصادية ؟ أين نحن أساسا فى حسابات الدول المتقدمة صناعيا واقتصاديا طالما سيطر علينا فقه الكبسة ومشايخ الصحراء، لقد زخرت الحضارة العباسية بصنوف الفن والثقافة وكانوا يردون الحجة بالحجة، فدفعوا عن دينهم ودافعواعنه أمام حملات السوفسطائين لا بالقتل إنما بالحجة والبينة، ظهر عباقرة علم الجدل والكلام والمنطق فرفعوا راية الدين ودافعواعن النبى .

 

وكان حضرة مولانا كما يلقبه دراويش النقشبندية جلال الدين الرومى، مثالاً حياً لثقافة الحب، هذا الحب الى قال عنه الكثير، الحب الذى بشر به فى ديننا وأخلاق نبينا المكرم، فأضحت أفواج الأوروبيين يجلسون إليه يستمعون منه وينهلون من هذا الوعاء .. وعاء الحب، تكفى فقط عبر مقولاته : «الوداع لا يقع إلا لمن يعشق بعينيه أما ذاك الذى يحب بروحه وقلبه فلا ثمة انفصال أبداً.. مهمتك هى عدم السعى وراء الحب، بل إن تسعى وتجد كل الحواجز التى كنت قد بنيت بينك وبينه. يا أخى استمع إلى صوت الناى كيف يبث آلام الحنين يقول: مُذ قُطعت من الغاب وأنا أحنُ إلى أصلى.

 

 

 

 

0 تعليق