حذر خالد عيسى، ممثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا فى باريس، من أن بلاده ستذهب إلى حرب أهلية إن لم يجر تشكيل حكومة وحدة وطنية ومجلس عسكرى يحتوى جميع الفئات.
وقال «عيسى»، فى حواره مع «الدستور»، إن إقليم شمال وشرق سوريا، بكل مكوناته، مستعد للتعاون مع حكومة الأمر الواقع فى دمشق، لتشكيل حكومة وحدة وطنية ومجلس عسكرى، ولفت إلى أن حكام دمشق لا يملكون الإرادة أو الإمكانات التى تساعدهم بمفردهم فى النهوض بسوريا، متمنيًا ألا يقبلوا الدعم المادى أو العسكرى من المحتل التركى مقابل التنازل عن الأرض والسيادة.
والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا «قسد» هى منطقة تمتدّ فى شمال وشرق سوريا، أُنشئ فيها حكم ذاتى بحكم الأمر الواقع، وتسيطر على المنطقة قوات سوريا الديمقراطية الكردية.
■ ما أبرز التحديات أمام السلطة الجديدة؟
- أهم التحديات هو تجنب الحرب الأهلية والحفاظ على الحدود الدولية لسوريا وعدم التضحية بالسيادة السورية ووحدة أراضيها، والاعتماد على المؤهلات السورية، أى الكفاءة وليس الولاء، للحفاظ على ما تبقى من سوريا، واتخاذ مسار يؤدى لإقامة نظام يلبى طموحات السوريين بمختلف انتماءاتهم القومية والعقائدية والمناطقية.
■ كيف تنتقل السلطة بشكل سلس؟
- فى الحالات المماثلة، هناك عدة سبل، أفضلها فى رأيى كمختص فى القانون العام والعلوم السياسية: إنشاء حكومة وحدة وطنية ومجلس عسكرى، يشارك فيهما ممثلون حقيقيون من مختلف المكونات السورية والانتماءات العقائدية ومن مختلف الأقاليم، مع مراعاة التمثيل المتساوى بين الرجل والمرأة.
هذه الحكومة، تحدد إجراءات العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وتدعو إلى انتخابات عامة لتشكيل هيئة تأسيسية، مهمتها تشكيل لجنة لصياغة دستور يبين نظام الحكم المناسب للدولة السورية والتركيبة الإثنوغرافية للشعب السورى، وبعد التصديق على مسودة الدستور من قبل الهيئة التأسيسية، يجرى عرضه للاستفتاء الشعبى. ولكل مرحلة تفاصيل يعرفها المختصون.
أرى أن يكون نظامًا لا مركزيًا، برلمانيًا، والسلطة التشريعية مكونة من مجلسين، مجلس الشعب ومجلس الأقاليم. ومنصب رئاسة الجمهورية يكون بصيغة هيئة الرئاسة، أى رئيس للجمهورية وعدد مناسب من نواب الرئيس.
■ هل الحكومة الانتقالية قادرة على التعامل مع هذه التحديات؟
- يبدو من تصرفات سلطة الأمر الواقع حاليًا فى دمشق أنها غير قادرة على ذلك، لأنها تفتقد للخبرات أو الإمكانات اللازمة.
تعيين الوزراء والمسئولين من طرف واحد ولون واحد والتدخلات الخارجية، كل ذلك يوحى بأن السلطة فى دمشق للأسف إما غير قادرة أو ليس لديها الإرادة.
بالنسبة للإدارة الذاتية الديمقراطية فى شمال وشرق سوريا، فقد أعلنت نيتها ورغبتها فى التعاون البناء من أجل أن تتمكن السلطة الحالية فى دمشق من تحقيق الانتقال السلس إلى بناء نظام سياسى ديمقراطى يعبر عن طموحات السوريين جميعًا، ويتمكن من حماية وحدة الأراضى السورية، ومن أجل أن تستعيد سوريا مكانتها، ويستعيد السوريون الأمن والحياة الكريمة.
■ هل الإدارة الانتقالية لديها الإمكانات اللازمة لمعالجة المخاوف السياسية والأمنية والاقتصادية؟
- حتى الآن لا توجد الإمكانيات، لكن يمكن لهذه الإدارة خلق الشروط والإمكانات اللازمة لمعالجة المخاوف السياسية والأمنية والاقتصادية.
الأسلوب الذى تتصرف به الإدارة الحالية فى دمشق لا يطمئن بشكل كاف القوى والشخصيات السياسية الوطنية، التى تعمل من أجل الحفاظ على النسيج الوطنى السورى والدفاع عن السيادة السورية ومصالحها الاقتصادية.
حتى الآن، مثلما ذكرنا المسئولون المعينون لا يمثلون كل المكونات السورية والقوى السياسية الوطنية السورية. والعمليات الانتقامية التى تتم خارج أى إطار قضائى تبين أن المسئولين الحاليين فى دمشق ليست لديهم مفاهيم أو خبرة حقوقية أو إرادة سياسية بخصوص العدالة الانتقالية، بما يحقق السلم الأهلى. وإذا استمر الحال كذلك نخشى من تفاقم الأزمة وتحولها لحرب أهلية ليست فى مصلحة سوريا والسوريين.
■ كيف ومتى يخرج الاقتصاد السورى من كبوته؟
- الأمر يتعلق بعدة عوامل قبل كل شىء لا بد من عدم التفريط بالإقليم السورى والطاقة البشرية السورية، ومرتبط بسلطة الأمر الواقع فى دمشق. وضرورة عدم قبول فتح السوق السورية أمام شركات الدولة التركية على حساب القطاع الاقتصادى السورى المصاب بالهزال نتيجة سنوات طويلة من الأزمة.
ثم إن الدول التى تريد أن ترمم الاقتصاد السورى، لا بد من أن ترى أن السلطة الحاكمة فى دمشق تعمل على تهيئة الظروف الأمنية والسياسية المناسبة لإعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادى.
وفى حالة الوصول إلى تفاهم وطنى سورى- سورى سيسهم هذا فى تعزيز القدرات الاقتصادية للدولة، على أن تجرى إعادة توزيع كل الواردات العامة على مختلف الأقاليم بشكل متكافئ، مع تأكيدنا أن القيادة الكردية وحلفاءها جاهزون للدخول فى حوار سياسى وتعاون بناء مع دمشق.
فى غياب الأمن حاليًا، وفى غياب مسار سياسى يعبر عن إرادة كل السوريين، يبدو أفق تطوير الاقتصاد غير منظور، المسئولية تقع بالدرجة الأولى على حكام دمشق حاليًا.
■ ما مصير قانون قيصر بعد سقوط نظام الأسد؟
- يتوقف الأمر على التصرفات السياسية لسلطة الأمر الواقع فى دمشق. نظام الأسد انتهى، لكن يخشى السوريون من أن يصدر قانون مماثل ضد سوريا فيما إذا تفاقمت أعمال العنف الطائفى والعنصرى وأعمال الانتقام غير المنضبطة من قبل المحسوبين على حكام دمشق الحاليين، وهيئة تحرير الشام لا تزال على قائمة الإرهاب.
■ هل الولايات المتحدة لديها نية للتعامل مع الفصائل المسلحة؟
- السؤال هو «هل الولايات المتحدة لديها قابلية للتعامل مع الفصائل المسلحة التى تحكم دمشق حاليًا؟» أرى أنه يجب التمييز بين نوعية التعامل، فإذا ما لم تتمكن هذه الفصائل من تغيير سلوكها، وإذا لم تعمل من أجل إقامة نظام يشمل كل المكونات السورية والانتقال إلى شكل مؤسساتى بالقدر الكافى من المعايير الديمقراطية- فى اعتقادى لا الولايات المتحدة ولا القوى العظمى الأخرى ستتعامل معها كممثلة للدولة السورية والشعب السورى.
الوقت مبكر حاليًا، لكن فيما إذا أصرت هذه الفصائل على سلوكياتها العنفية والطائفية والعنصرية، فهذا يخلق جوًا من الحرب الأهلية، ربما تهدد أيضًا أمن واستقرار مناطق أخرى فى المنطقة. وهذا ما لا يتمناه الوطنيون السوريون، فالتعامل الدولى سيكون محدودًا، وسيتطور بقدر ما يتغير سلوك هذه الفصائل.
■ كيف يمكن بناء الأمن فى ظل وجود الفصائل المسلحة والمتطرفين؟
- لا يمكن ذلك، وخاصة الفصائل الطائفية منها. لذلك يتوجب كما ذكرنا تأسيس حكومة وحدة وطنية ومجلس عسكرى تابع لها. وضرور تمثيل متكافئ حسب الأهمية والكفاءات. وقوات سوريا الديمقراطية، المشكلة من الكرد والعرب والسريان ومختلف مكونات شمال وشرق سوريا، أعلنت استعدادها للانضمام إلى منظومة الدفاع الوطنى «ربما بشكل مجلس عسكرى وطنى» ولكن ضمن تفاهم سياسى وطنى.
علمًا بأن «قسد» هى القوة التى تحارب «داعش» وتدافع حاليًا عن الحدود الشمالية للدولة ضد القوات التركية ومرتزقتها.
■ جبهة إسرائيل.. كيف يمكن التعامل معها؟
- قضايا الحرب والسلام من اختصاص السلطة التشريعية «التأسيسية»، وفور انتخابها سيجرى طرح الموضوع، وما تقرره السلطة التشريعية سيكون ملزمًا للحكومة التى ستنبثق منها، بعد إعادة الحياة الدستورية إلى البلاد.
■ من يتولى تكلفة إعادة الإعمار؟
- الحفاظ على ثروات البلاد بحدودها البرية والبحرية على درجة كبيرة من الأهمية، لأن تركيا تريد احتلال إقليمى الشمال والشرق الغنيين بالموارد الطبيعية والزراعية، وتريد احتلال قسم من الإقليم البحرى السورى، تحت اسم إعادة ترسيم الحدود البحرية، والإقليم البحرى له أهمية استراتيجية، خاصة بعد اكتشاف احتياطى كبير من الغاز.. هذه هى الموارد التى ستساعدنا على إعادة الإعمار.
ويمكن تطوير «رسوم عبور»، ولكن تبقى هذه الموارد غير كافية فى الفترة الأولى، ويفترض عقد مؤتمر دولى لمساعدة سوريا، وعندها القوى الدولية والدول العربية النفطية ستعمل- على الأرجح- على إعادة الإعمار، ومن المفضل إقصاء شركات الدول الطامعة فى الاستيلاء على القرار السورى من محفل تمويل الإعمار، لأن هذه الأخيرة ستستخدم ذلك فى مقاصد تتناقض مع مصلحة الدولة السورية.
■ هل سوريا يمكن أن تتجه للتقسيم حسب مخاوف البعض؟
- لا يتمنى الوطنيون السوريون الوصول لحرب أهلية وتقسيم، لكن ذلك قد يحدث إذا لم تتصرف حكومة الأمر الواقع فى دمشق بحصافة، أو إذا لم تعمل على الإسراع فى المسار الشامل من أجل إقامة حكومة وحدة وطنية، ونظام دستورى يستند إلى شرعية الإرادة الشعبية، وقبول إقامة نظام لا مركزى يشارك كل المكونات الإثنية والعقائدية، وإذا ما استمرت تتصرف بأسلوب الفصائل، وإذا ما استمر العنف الطائفى والعرقى، وإذا جرى التغاضى عن الاحتلال التركى، وهجمات الفصائل التابعة لتركيا على شمال وشرق سوريا، وإذا ما استمرت عمليات القصاص والانتقامات فى غياب المؤسسة القضائية المستقلة.
■ كيف يمكن التعامل مع تباين المواقف الدولية، وتعارض مصالح الدول المتدخلة فى الملف السورى؟
- فى العلاقات الدولية، لكل دولة علاقات مع مختلف الدول، وتلك الدول لها مصالح مختلفة متناقضة، ولكن كل دولة تسعى إلى حماية مصالحها.. وأعلى المصالح تأتى فى المقدمة وحدة الإقليم والسيادة، وبعدها المصالح الاقتصادية وغيرها.
أفضل العلاقات المبنية على المصالح المتبادلة، لكن للأسف سوريا فى الوضع الحالى يجعلها عرضة إلى التنافس غير المتوازن. وأخطر ما فى الأمر هو احتلال إقليم الدولة، ومحاولة سلب الإرادة السياسية، وهذا النوع من العلاقة هو الذى يسود بين دمشق وأنقرة حاليًا، فحكام دمشق الحاليون يتحملون مسئولية سياسية وأخلاقية تجاه السوريين والتاريخ.
نتمنى ألا يجرى قبول التمويل أو الدعم السياسى والدبلوماسى أو حتى العسكرى مقابل التنازل عن أراض سورية، أو على حساب السيادة السورية.
■ ما مصير التواجد الروسى فى سوريا؟
- على ما يبدو، فإن التواجد الروسى هو موضوع تفاهمات مع رعاة حكومة الأمر الواقع فى دمشق. ومن الناحية الحقوقية، التواجد الروسى فى سوريا هو موضوع اتفاقات بين الدولة السورية وجمهورية روسيا الاتحادية.
وحسب مبدأ استمرارية الدولة، الأصل هو استمرار تلك الاتفاقيات ريثما يجرى تعديلها أو إلغاؤها من قبل السلطات الدستورية فى الدولتين المتعاقدتين. بعد عودة الحياة الدستورية يمكن تقييم تلك الاتفاقيات، إما بالاستمرار فى نفاذها أو تعديلها أو إلغائها حسب نصوص الاتفاقيات.
■ البعض يتخوف من استبدال الحليف الروسى بالتركى.. كيف ترى ذلك؟
- هناك قواعد قانونية تحكم العلاقات الدولية. بالنسبة لروسيا مهما كان الموقف منها، هناك إجراءات قانونية لتقييم أو تعديل أو إلغاء العلاقات السورية معها. بالنسبة لتركيا هى دولة تحتل أراضى سورية، وتحاول بكل السبل احتلال أراض أخرى، وتنتقم من الكرد وحلفائهم بسبب دفاع هؤلاء عن الحدود الشمالية للدولة السورية.
وتعمل تركيا حاليًا للاستيلاء على القرار السياسى السورى، وتريد احتلال الإقليم البحرى السورى بحجة إعادة ترسيم الحدود.. إنها سياسة الصيد فى الماء العكر، خلافًا لكل القوانين الدولية. وبالاستيلاء على سوريا تريد مد نفوذها إلى دول عربية أخرى. تركيا لم تكن يومًا حليفة لسوريا، ولن تكون حليفة. يأمل الوطنيون السوريون فى ألا تتمكن من السيطرة الكاملة على سوريا.
■ كيف ستتعامل السلطة الجديدة مع العلويين والدروز والكرد؟
- أحمد الشرع «أبومحمد الجولانى» أصدر بعض التصريحات لطمأنة هذه المكونات الثلاثة. لكن مجرد تشكيل وزارة من طرف واحد وذى توجه واحد، يقلق المكونات الثلاثة.
حتى الآن لم تحدث مواجهات مسلحة بين قوات «قسد» المشكلة من الأكراد وحلفائهم من العرب والسريان وبقية مكونات شمال وشرق سوريا، وهذه القوات ذات عقيدة دفاعية، وحليفة للتحالف الدولى ضد «داعش»، وتواجه هجمات بكل أنواع الأسلحة من قبل الفصائل المسلحة التابعة لتركيا.
يوجد تواصل بين «قسد» وسلطة الأمر الواقع فى دمشق، لكن حتى الآن لم تصل العلاقات إلى درجة التفاهم السياسى.
كل المسئولين الكرد وشركاؤهم، العسكريون منهم والسياسيون، يعلنون أنهم جاهزون للعمل من أجل إقامة نظام سياسى يلبى تطلعات السوريين وكل المكونات السورية.
بالنسبة للمكون الدرزى أيضًا، يبدى الوجهاء جاهزيتهم للتعاون من أجل نظام يراعى خصوصياتهم العقائدية والمناطقية. وحتى الآن لا توجد صدامات مسلحة بين وحدات الدفاع الدرزية مع الفصائل الحاكمة فى دمشق.
بالنسبة للمكون العلوى، لا توجد عندهم هيئة تمثيلية منظمة مثل المكونين الكردى والدرزى، وللأسف يبدو للجميع وجود تعامل عنصرى وطائفى عنيف تجاه السوريين من هذه الطائفة من قبل الكثير من عناصر الفصائل وأجهزتها، إذ يعتبر البعض من هذه الفصائل أن كل العلويين كان من أتباع بشار الأسد. هناك صور تثبت ممارسات غير إنسانية فى المناطق والأحياء ذات الغالبية العلوية.
سيادة الذهنية العنصرية والطائفية لدى تلك الفصائل المسلحة تشكل تهديدًا كبيرًا على الكرد والدروز والعلويين والمسيحيين وكل العلمانيين، إن استمرت الحالة هكذا فهناك خطر جدى لاشتعال حرب أهلية.
كيف ترى الدور المصرى المنتظر فيما يتعلق بإحلال السلام فى سوريا؟
- سوريا هى خط الدفاع الأول لمصر، كل الغزاة الذين غزوا سوريا غزوا فيما بعد مصر، أو حاولوا ذلك.
والآن يتساءل الوطنيون السوريون عن سبب غياب دور الدول العربية، وأرى أن مصر الآن تستطيع حشد الدول العربية، سواء عبر جامعة الدول العربية، أو خارج إطارها، للدفاع عن السيادة السورية ووحدة أراضيها.
يطالب الكرد وشركاؤهم بإرسال مراقبين، أو قوة عربية إلى الحدود الشمالية السورية لمنع تركيا من احتلال المزيد من الأراضى السورية، ولإجهاض مخططات تركيا.
مصر تستطيع أيضًا حشد الدول العربية الشقيقة لإدارة الموضوع فى مجلس الأمن، لأن تركيا تستغل الوضع الخاص لسوريا، وتتبع سياسة الصيد فى الماء العكر.. تستطيع مصر أن تطلق مبادرة لتسهيل الانتقال السلس للسلطة فى سوريا، وإلى وضع دستورى يعتمد على الإرادة الشعبية يتناسب مع التوليفة الإثنوغرافية للشعب السورى.
كما تستطيع مصر استضافة مؤتمر وطنى لمختلف المكونات السورية، للتمهيد لعملية سياسية تعيد لسوريا عافيتها، وتستطيع استضافة مؤتمر للدول العربية لإعادة إعمار سوريا.. نأمل فى أن تلعب مصر دورًا رياديًا.