شهد أتيليه القاهرة، مائدة حوارية لكتاب "الدبلوماسية الثقافية البديلة.. إعادة تأسيس الثقافة العربية"، لمؤلفه حاتم الجوهري، أدارها المهندس أحمد بهاء شعبان أمين عام الحزب الاشتراكي المصري، وشارك فيها كل من حيدر الجبوري الوزير المفوض بجامعة الدول العربية، خالد أبو الليل أستاذ الأدب الشعبي، صلاح السروي أستاذ الأدب الحديث والمقارن بجامعة حلوان.. وبحضور عربي ومصري واسع.
هكذا استخدمت الدبلوماسية الثقافية الغربية
تحدث “الجوهري” عن السياق العام للكتاب ومشروعه وطرحه البديلة، ووضعه في سياق مرحلة ما بعد الاستعمار التي شهدت تبني الغرب لمشروعه في الدبلوماسية الثقافية، بوصفها إحدى أدوات الترويج الناعم له بعدما تفكك حضوره الخشن المادي بنهاية المرحلة الاستعمارية في أواسط القرن الماضي.
وأوضح أنه تم استخدام الدبلوماسية الثقافية الغربية عبر مؤسسات رسمية وشبه رسمية، عملت في الجانب الثقافي بما يضمه من منح أكاديمية وفنية وإبداعية وورش ثقافية ومسارات للتمويل والمشاريع الثقافية، لتلمع صورة الغرب وتغير صورته النمطية عند العرب التي كانت تتمثل في وجه العنصرية والمركزية المعرفية لحضوره الخشن التي مارسها الاحتلال الغربي لدول العالم.
وأشار"الجوهري" إلى أن مشروعه في الدبلوماسية الثقافية البديلة، يأتي ليؤكد على حق الدول خارج المركز الأوربي/ الغربي والدول العربية بالخصوص في أن تمارس سياسة ثقافية واضحة في الفعاليات الثقافية المشتركة والدولية، يقوم على وضع القيم الثقافية العربية في مكانة تناظر أو تتجاوز المعيارية والشكل المركزي الذي وضعه الغرب لقيمه الثقافية، عندما مارس الدبلوماسية الثقافية ومرر من خلالها صورته الذهنية الجديدة محمولا معها مركزيته الثقافية والمعرفية الناعمة بعدما تفككت مركزيته الاستعمارية الخشنة.
واستطرد موضحًا أن أحد تمثلات الدبلوماسية الثقافية البديلة يتبدى في مفهوم "تبادل المزيج الثقافي" الذي طرحه في مبادرة ثقافية على ممثلي وزارة الثقافة الصينية عام ٢٠١٩م، بحيث لا تتحول الفعاليات الثقافية المتبادلة في طريق الحرير الجديد إلى مركزية ثقافية جديدة، من ثم تتشارك الدول المساهمة في عمل مزيج ثقافي جديد يقوم على التفاعل والمساواة.
وختم “الجوهري” مداخلته بالإشارة إلى مشروع المشترك الثقافي العربي ودوره في أطروحة الكتاب للدبلوماسية الثقافية البديلة، والمجال العلمي الجديد الذي أسس له "الدراسات الثقافية العربية المقارنة"، وذكر مبادرته للإحياء الثقافي لطريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا، والوثيقة الثقافية الشعبية المطروحة للنقاش الشعبي، مبينا مساحة التداخل بين الدبلوماسية الثقافية وبين الدبلوماسية الشعبية، وكيف يمكن أن يرفدا الدبلوماسية العامة في مشروع ثقافي عربي جديد.
سردية نظرية لمفهوم الدبلوماسية الثقافية العربية
وبدأت أولى مداخلات المائدة الحوارية بمداخلة د. حيدر الجبوري، الذي أشار إلى أن الكتاب بمثابة "وثيقة ثقافية" مهمة ضمن سياق قراءة عربية معمقة للدبلوماسية الثقافية العربية البديلة في فصوله الستة.
وأوضح أن الكتاب يقدم سردية نظرية لمفهوم الدبلوماسية الثقافية العربية لتكون فاعلة من خلال دبلوماسية تبادل المزيج الثقافي، التي ميزها الكاتب عن السياسة الثقافية للدولة على المستوى الخارجي، لتبدو الدبلوماسية الثقافية البديلة بمثابة الوعي الجديد الذي يطرحه المؤلف على السياسات الثقافية العربية الخارجية التقليدية.
وأشار إلى الإطار النظري الذي قدمه الكتاب ومفهوم الوعي الجيوثقافي ودور الدبلوماسية الثقافية في رفد الدبلوماسية العامة، مبرزا أهمية الكتاب وطرحه في تناول هذا المفهوم الجديد، مارا على عدة مفاهيم أخرى قدمها الكتاب منها إعادة توظيف التراث، ودبلوماسية المشترك الثقافي العربي، والدراسات الثقافية العربية المقارنة ومقاربتها الجديدة للمتون العربية في سياق سياسات تفجير التناقضات وصراع الهويات الذي تم استخدامه لتفكيك البلدان العربية.
مؤكدا أن هدف الكتاب الأسمى يتجسد في إعادة تأسيس الثقافة العربية كما أوضح الكاتب في حواره بالفصل الخامس حين أشار إلى أن البلدان العربية بحاجة إلى مثقفين فاعلين جدد يعيدون بناء الثقافة العربية بعيدا عن الاصطفاف التقليدي في اليمين أو اليسار، إذ أن النماذج الثقافية والمعرفية النظرية في القرن العشرين كانت رد فعل للمسألة الأوربية متلازماتها الثقافية.
وقال د. صلاح السروي، الذي ثمن جهد الكتاب ولكن أشار إلى عدة ملاحظات باعتباره ينتمي للتيار الماركسي الذي يحسبه الكتاب ضمن سياق المركزية الأوربية/ الغربية.
وأوضح أنه يجب أن نقدر التباين في اختيارات المشاريع الفكرية الغربية التاريخية، وأنه رغم انتماء الفكر الماركسي إلى الحاضنة الغربية إلا أنه كانت له مواقفه انتصارا للشعوب التي تحررت من الاستعمار الإمبريالي الرأسمالي.
وأشار إلى أن هناك مفاهيم عدة يطرحها الكتاب، يجب أن نكون على وعي بألا تكون رد فعل للتراجع والهزيمة الحضارية، وأن مفهوما مثل مستودع الهوية الذي يطرحه المؤلف رغم مركزيته وأهميته في ظل التراجع الحضاري، إلا أننا يجب ألا نتمترس حول هويتنا فقط ونسعى لتجاوز المأزق الحضاري، وتكون الدبلوماسية الثقافية حجرا في هذا الطريق دون إفراط أو تفريط.. مع الالتفات لما تركته مشاريع سياسية سابقة للبلدان العربية من آثار سلبية على مستوى التعدد الثقافي والهوياتي، وهو ما يجب أن نلتفت له جميعا في مشروع الدبلوماسية الثقافية البديلة التي يطرحها الدكتور حاتم الجوهري.
الدبلوماسية الثقافية البديلة هي فكرة الثقافة الشعبية الطبيعية
ومن جانبه استهل د.خالد أبو الليل حديثه بحكاية شعبية سعيا ليصل إلى لب فكرته بأن المشروع الثقافي الكامن خلف أطروحة الدبلوماسية الثقافية البديلة، هو فكرة المشترك الثقافي الذي يطرحها حاتم الجوهري على المسار العربي، وأن الدبلوماسية الثقافية البديلة عنده هي فكرة الثقافة الشعبية الطبيعية التي لم تقع في مسألة المثاقفة بالدرجة نفسها التي عملت عليها الدبلوماسية الثقافية الغربية ومساراتها.
واستطرد أبوالليل مشيدا بمشروع الكتاب ومؤلفه وأن مشروعا مثل المشترك الثقافي العربي قدم عدة دورات سنوية، عن المشترك الثقافي بين مصر والسودان، ومصر وتونس، ومصر اليمن، ومصر والعراق، وأن النتاجات العلمية لهذه المشروع تعد إضافة علمية صلبة وهامة للثقافة العربية، يجب الاهتمام بها والبناء عليها.
وأبرز في مداخلته مفهوم "المزيج الثقافي" لب مشروع الدبلوماسية الثقافية البديلة التي يطرحها الكتاب، معتبرا أنه يعد بالفعل تجاوزا للمركزية الثقافية والفكرية، ويضع جميع الأطراف المشاركة في الفعاليات الثقافية العالمية رأسا برأس على قدم المساواة، ويفكك معيارية المفاهيم الغربية وقيمها الثقافية، وأن الإرث الشعبي والتقاليد والعادات لكل دول العالم يجب أن تحظى بالتقدير نفسه.
وتحدث السفير الليبي السابق عمر الحامدي بأن القومية العربية قدمت خطابات قدرت التنوع الثقافي بما لا يفكك المتن العربي ومشروعه، كما يجري الآن توظيف هذا التنوع لضرب البلدان العربية وتحويلها إلى كانتونات عرقية وطائفية ومذهبية.
اختتمت المائدة بتأكيد المشاركين على أهمية مشروع الدبلوماسية الثقافية البديلة وظهوره في توقيت تتعرض فيه البلدان العربية لهجمة شرسة سواء على المستوى الثقافي الناعم أو على مستويات الصدام الحضاري الخشن.