تعتبر القطاعات الزراعية والطاقة من الدعائم الأساسية للاقتصاد المصري، حيث يسهم كل منهما في تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاستدامة الاقتصادية، وقد تمكنت الدولة من تنفيذ مشروعات كبيرة في هذين القطاعين من خلال استراتيجيات واضحة تستهدف التوسع في الرقعة الزراعية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، وكذلك في تحقيق الاستدامة في قطاع الطاقة من خلال الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
إن هذه الجهود تؤكد التزام الحكومة بتحقيق التنمية المستدامة وتوفير احتياجات المواطنين من الطاقة والغذاء في ظل التحديات العالمية والمحلية.
القطاع الزراعي
قال الدكتور عبد المنعم السيد، الخبير الاقتصادي ومدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، إن الزراعة من القطاعات الحيوية في الاقتصاد المصري، حيث تسهم بشكل كبير في توفير الغذاء وتعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاستدامة الاقتصادية، كما تعد الزراعة من أكثر القطاعات استيعابًا للقوى العاملة، إذ يعمل أكثر من 25% من إجمالي القوى العاملة في هذا القطاع. علاوة على ذلك، تسهم الزراعة بشكل ملموس في دعم الاقتصاد المصري من خلال زيادة الصادرات وتحقيق العملة الأجنبية.
يعتبر هذا القطاع ركيزة أساسية في استراتيجية الإصلاح الهيكلي، حيث يتم التركيز على تعزيز القدرات الإنتاجية الزراعية وتحقيق التنمية المستدامة.
وتابع في تصريحات لـ "الدستور"، أن قطاع الزراعة شهد دفعة كبيرة نحو التوسع في الرقعة الزراعية وتعزيز القدرة الإنتاجية خلال عام 2024، إذ بلغ حجم الصادرات الزراعية من المنتجات الطازجة نحو 6.9 مليون طن، بما يعادل أكثر من 4.4 مليار دولار (حوالي 205 مليارات جنيه مصري)، ويضاف إلى ذلك الصادرات من السلع الزراعية المصنعة التي بلغت قيمتها نحو 5.1 مليار دولار (حوالي 255 مليار جنيه). بذلك، تخطى إجمالي الصادرات الزراعية المصرية، سواء الطازجة أو المصنعة، حاجز 9.2 مليار دولار، ما يعكس نجاح القطاع في توسيع حصته من الأسواق العالمية.
وأضاف أن هذه الزيادة في الصادرات الزراعية نتيجة لتضافر الجهود الحكومية في تحسين الإنتاج الزراعي وتعزيز الأمن الغذائي. وقد أثمرت هذه الجهود في تحقيق استقرار نسبي في توفر السلع الأساسية للسوق المحلي، خاصة في ظل الأزمات العالمية التي أثرت على سلاسل الإمداد، إذ كان للقطاع الزراعي دور مهم في توفير الاحتياجات الأساسية من الغذاء للمواطنين في ظل ارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية.
فيما يتعلق بالخطط الحكومية لتعزيز القدرة الإنتاجية الزراعية، أكد الخبير الاقتصادي أن الدولة ركزت على التوسع في مشروعات استصلاح الأراضي الزراعية، خاصة في المناطق الجديدة التي تعاني من نقص في الأراضي الزراعية الصالحة.
ومن أبرز المشروعات القومية التي تم تنفيذها في هذا الإطار، مشروع "مستقبل مصر" الزراعي الذي يهدف إلى زيادة مساحة الأراضي الزراعية المستصلحة، هذا المشروع يعكس رؤية الدولة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، وتعزيز قدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية.
ولفت إلى أن الحكومة استمرت في تنفيذ مشروع "تنمية الريف المصري الجديد"، الذي يستهدف توسيع المساحة المزروعة في منطقة شمال ووسط مصر، حيث من المتوقع أن تصل المساحة الإجمالية إلى نحو 1.5 مليون فدان، إضافة إلى ذلك، تم تنفيذ مشروع "توشكى" الذي يهدف إلى استصلاح 1.1 مليون فدان في الصحراء الغربية. هذه المشروعات تسهم في زيادة الإنتاجية الزراعية، وتوفير فرص عمل جديدة للشباب والعمالة الريفية، ما يعزز النمو الاقتصادي المحلي ويساهم في تقليل الفجوات التنموية بين المناطق.
من جهة أخرى، تواصل الحكومة جهودها لمواجهة التعديات على الأراضي الزراعية. فقد تم اتخاذ عدة تدابير لضمان حماية الأراضي الزراعية من الزحف العمراني، حيث تم تنفيذ حملات مكثفة لإزالة التعديات على الأراضي الزراعية وإعادة تخصيص الأراضي غير المستغلة لصالح المشروعات الزراعية، وتعد هذه الجهود جزءًا من رؤية الدولة لضمان استدامة الأراضي الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي على المدى الطويل.
القطاع الكهربائي والطاقة: تحقيق الاكتفاء وتعزيز الاستدامة
قال السيد إن قطاع الكهرباء والطاقة يعتبر من القطاعات الاستراتيجية التي شهدت تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. حيث سعت الدولة جاهدة لتحقيق الاستدامة في توفير الطاقة من خلال إطلاق العديد من المشروعات الكبرى في مجال الطاقة، سواء التقليدية أو المتجددة. تهدف هذه المشروعات إلى سد الفجوة بين عرض الطاقة وطلبها، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على الواردات البترولية، وهو ما يساعد على تقليل الضغط على الاحتياطي النقدي للدولة.
وفي هذا السياق، أضاف الخبير الاقتصادي أنه تم إطلاق مشروعات كبيرة بالشراكة مع القطاع الخاص وأبرز الخبرات العالمية، بهدف الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة. وقد شهدت مصر تقدمًا كبيرًا في مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي تعد من المصادر النظيفة والمستدامة للطاقة، من أبرز هذه المشروعات محطة "بنبان" للطاقة الشمسية في أسوان، التي تعد واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، كما تم تعزيز مشروعات الربط الكهربائي مع دول أخرى بهدف تحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، وتوفير الكهرباء بأسعار تنافسية لدول المنطقة.
وفي مجال الطاقة التقليدية، قال السيد إن الحكومة نجحت في حل أزمة انقطاع الكهرباء المتكرر التي كانت تشهدها البلاد في السنوات السابقة. فقد تم اتخاذ تدابير لتطوير الشبكة الكهربائية وزيادة قدرة محطات توليد الكهرباء لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة. كما تم توفير احتياطي استراتيجي من الوقود عبر تدبير مبلغ 180 مليون دولار لشراء 300 ألف طن من المازوت، ما ساعد في ضمان استقرار إمدادات الكهرباء، وقد أتاح ذلك تقليص فترات الانقطاع وتحقيق توزيع عادل للكهرباء في جميع أنحاء البلاد.
وأشار إلى أن التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تحسين كفاءة الطاقة التقليدية، يعكس حرص الحكومة على تحقيق الأمن الطاقي والاستدامة البيئية، ومن المتوقع أن يستمر القطاع في النمو في السنوات القادمة، خاصة مع التوجه نحو تعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر، الذي يعد من أولويات الحكومة في خططها التنموية المستقبلية.