الخميس 19/ديسمبر/2024 - 01:10 م 12/19/2024 1:10:34 PM
(على مدار خمسة وسبعين عامًا، لم يترك الكيان الصهيوني المحتل قيمة أخلاقية إلا انتهكها، ولا مبدأ حضاريًا إلا خرقه، ولا قداسة إنسانية إلا داس عليها بأحذية جنوده الملطخة بدماء الأبرياء.. على أنه هذه المرة قرر أن يذهب أبعد في طغيانه، مُستغلًا تواطؤ العالم وانحيازه).. هذا المُقتبس من بيان وقعه أكثر من ألفي مثقف عربي، وتُرجم للغات عدة، تحدث عن العدوان على المقدسات وتوسع الاستيطان، وتأجيج العنف في نفوس المستوطنين وتسليحهم، وحصار قطاع غزة وتجويع أهله، وما أسماه البيان (التطهير العرقي المُمنهج) للشعب الفلسطيني، وأخرى تتمثل في تمرير مشاريع التطبيع التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتجريد العرب من كرامتهم.. وفي البيان، تجاورت أسماء لها تاريخ من الخصومات السياسية والاختلافات الأيديولوجية المُعلنة وغير المُعلنة، لكن سقطت كل الخلافات من الحسبان أمام قضيتنا المركزية، إنسانيًا، وأخلاقيًا، وتاريخيًا، وثقافيًا.. ليبدو هذا التوافق ليس طارئًا، وهذا الاتفاق ليس مستغربًا، لأن هذه هي طبيعة فلسطين الجامعة.. ومما يلفت النظر في البيان، أسماء الموقعين عليه، فهم من طليعة المثقفين، كلٌ في جنسه الأدبي أو حقله الإبداعي، كما أن الاختلافات الواضحة بين بعض هذه الأسماء في الفكر والسياسة وغيرهما كبير.
توجه البيان بخطابه إلى أهل غزة وإلى الأمة العربية، شعوبًا وحكومات ومنظمات، وأحرار الإنسانية، وخص بالتحية من سماهم أصحاب الضمير الحي من الشركاء في الإنسانية، كما أشار إلى مواقف بعض المثقفين الغربيين سلبًا وإيجابًا، ونعت الآلة الإعلامية الغربية بـ (آلة الكذب والتزييف)، إذ جاء فيه، أن (صدمتنا ونحن نراها تحرق في أيام قليلة ما راكمه الغرب خلال قرون طويلة من مبادئ وقيم، في سبيل دعم الدعاية الصهيونية.. في الأيام القليلة الماضية رأينا أعدادًا من سياسيي الغرب ومثقفيه وإعلامييه وهم يتدافعون إلى عارهم الأبدي).. البيان أيقظ السؤال المتكرر عن دور المثقف، (فالدور الحقيقي للكاتب، قائم في كل ما قدمه من إبداع مدافع عن الحرية ومُحتضن للقيم الكبرى قبل أي حدث كبير، وهذا ما تؤكده كتابات من رحلوا، مثل غسان كنفاني مثلًا، الذي نراه يقدم الكثير لشعبه اليوم، مع أنه لم يعد بيننا.. لا تصمد غزة وتقاتل بسلاحها وحسب، بل ببشر يملكون تاريخًا جماليًا وإنسانيًا عميقًا، رسخه على مدى عقود وعقود، مُبدعون ينتمون إلى روح هذا الشعب وقيمه.. في حالات غير حالة غزة المحاصرة، كان يمكن أن يكون الكاتب واحدًا ممن يردون العدو بقتالهم).
● يعتبر الروائي الجزائري، واسيني الأعرج، الأستاذ في جامعة السوربون بباريس، ما يجري في غزة اليوم من قتل ودمار بمثابة (جريمة إبادة) لا يمكن تبريرها، مستنكرًا الموقف العربي الرسمي مما يحدث في غزة.. ويقول صاحب رواية (حارسة الظلال)، إنه زمن متوحش جديد، وإنه متأثر جدًا كما جميع من في قلوبهم بذرة من الإنسانية، فـ (ليس شرطًا أن يكونوا عربًا أو مسلمين أو مسيحيين، ولكن شرط الإنسانية الأدنى هو الذي يجعلنا نختلف عن الحيوانات الشرسة والمفترسة.. ما يجري في غزة من تدمير للبنى التحية وقتل للبشر، حالة غير مسبوقة من الجريمة وعدم الإحساس، أي أن الحس البشري لم يعد موجودًا).. عندما كتبت في تعليقاتي عن الحرب الروسية ـ الأوكرانية، قلت إننا نعيش زمنًا متوحشًا جديدًا، وبدلًا من العمل على إيقاف الحرب، هناك تشجيع على استمرار هذه الحرب والقتل وبيع الأسلحة، ووراء ذلك طبعًا بارونات مستفيدون من الصراعات المسلحة.. هكذا يضيف صاحب رواية (مملكة الفراشة)، الي يؤكد أن ما حدث في غزة (هو في الحقيقة محصلة لسلسلة من الممارسات، لم تتمكن من إيقافها القوى الدولية)، ويدافع عن موقفه تجاه ممارسات إسرائيل وداعميها بقوله (لا أعتقد أن هناك صوتًا حقيقيًا يستطيع أن يعلو على الجريمة، لأن الجريمة عندها وكلاء، وهؤلاء الوكلاء أصبحوا يعلنون بشكل رسمي وواضح ـ وعلى رأسهم الولايات المتحدة طبعا وبقية الدول الأوروبية ـ مساندتهم إسرائيل في حربها على غزة).
● أظهرت عملية (طوفان الأقصى)، في نظر الفيلسوف والمفكر المغربي، طه عبد الرحمن، (أن المقاومة الفلسطينية انتصرت على عقل الاحتلال الإسرائيلي كما انتصرت على أخلاقه)، وأن (هزيمة العدو السياسية مجرد تابع لهزيمته العقلية وهزيمته الأخلاقية)، وذلك على خلاف ما ترسخ في الأذهان، من أن المقاومة تُوجب أولًا وقبل كل شيء إيقاع الهزيمة السياسية بالعدو.. وأوضح أستاذ المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، ومؤلف كتاب (روح الحداثة.. المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية)، أنه (لما كان العقل والخُلق هما الصفتين المحددتين لكلية الإنسان، كانت هزيمة العدو فيهما هزيمة لذاته بأسرها، ومثل هذه الهزيمة لذات العدو لا يمكن أن تمحى من ذاكرته، فلا يستقيم له بعدها أمر، فيأخذ في دوام الانهزام حتى الانقراض الكلي).. في المقابل، فإن (انتصار المقاومة الفلسطينية عقليًا وأخلاقيًا، هو انتصار لكلية ذاتها، ومثل هذا الانتصار لا يمكن هو الآخر أن يُمحى من ذاكرة الأمة، فلا يعوجّ لها بعده طريق، فتأخذ في دوام الانتصار حتى الانبعاث الكلي)، وفق تعبير صاحب كتاب (ثغور المرابطة.. مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية)، الصادر عام 2018.
وأشار الأكاديمي ـ الذي درَّس الفلسفة واللغة في جامعة محمد الخامس والسوربون ـ إلى أن الطوفان يفيد معنى (التجريف الذي لا يترك وراءه شيئًا، وأن حديث الطائفة المنصورة الذي أُشربت به قلوب رجال المقاومة الفلسطينية، كان له تأثير في تسمية المقاومة لعمليتها في السابع من أكتوبر، بطوفان الأقصى)، موضحًا أن المقاومة لم تحمل فقط أمانة تجريف الاحتلال ولا حتى مجرد الظلم، بل تجريف (الشر المطلق).. إن الناس (كانوا يتصورون الشر المطلق مفهومًا بعيدًا، ولا يعتقدون تحققه.. فإذا بهم اليوم يرونه رأي العين واقعًا حيًا.. فقد شاهدوا الصلاة في بيوت الله تُقصف، والبراءة في الطفولة تُزهق، والعافية من المستشفيات تُطرد، واللجوء إلى المآوي يُرهَب، وقس على ذلك ما شابهه.. رأوا بأم أعينهم احتضار كل قيم الخير التي خُلِق الإنسان من أجلها، وليس الشر المطلق إلا مَشاهد الموت الذي يأتي على كل القيم).
وتتخطى أبعاد (طوفان الأقصى)، في رأي مؤلف (العمل الديني وتجديد العقل)، الصادر عام 1989، الحدود الجغرافية والثقافية للأمة إلى العالم كله، لأن الفعل المُقاوِم بات يتطلب في زمن ما بعد الطوفان الانتماء إلى العالم، و(أن يُنظر إلى الفعل المُقاوِم على أنه فعل عالمي صريح مُلزم لكل فرد من أفراد البشرية، حيثما حصل من بقاع الأرض وكيفما كانت الشرور التي يتصدى لها، وأنه يتعين على المُقاوِم العربي خصوصًا، أن يعي ويُوقن أنه يتصدى لشرور لا تقتصر آثارها على وطنه، وإنما تطال أقطار العالم كلها).
● لذلك، قال المفكر العربي ـ الكندي البارز، البروفيسور وائل حلاق، إن إسرائيل والولايات المتحدة والأوروبيين وغيرهم، لا يستطيعون أن يُلجموا عنفهم ضد الآخرين، كما رأينا في حرب فيتنام وأفغانستان والعراق وغزة، وليس في منطق عدوانيتهم سوى الاستغلال المادي والهيمنة والميل إلى التدمير.. إن الأحداث التي بدأت بطوفان الأقصى، توضح تجليات الأزمة الأخلاقية في الحداثة المتأخرة، وأن (الأحداث التي شهدناها في القرون الثلاثة الأخيرة، تمثل الدليل الكامل على أن الحداثة الغربية منافقة وعنصرية حتى النخاع).. وأوضح أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، أن تحليل أفعال طرفي الصراع في قطاع غزة، إسرائيل وأمريكا والغرب من جهة، والفلسطينيين وحركة حماس من جهة أخرى، ليس بالأمر الشديد الصعوبة، بل الأصعب هو إدراك بنية الصراع المعرفية، (فحين نفهم هذه البنية، يمكن أن نحلل تداعياتها).. وذكر المفكر من أصل فلسطيني، أن تعاطف الغربيين مع الفلسطينيين نابع من أمرين، الأول، هو أن الفلسطينيين ضحية للمخططات الاستعمارية منذ عام 1917 مع وعد بلفور، والآن مع اعتداءات إسرائيل الشرسة على المدنيين الأبرياء الفلسطينيين، والأمر الآخر، هو أن حركة حماس أقرب إلى كونها ضحية من كونها جانية، رغم (أكاذيب إسرائيل اللا متناهية والتافهة في الوقت نفسه)، كما أن (حماس كانت، كما يحب الغرب نفسه أن يقول، أكثرتحضرًا، من الهجمات البربرية التي قامت بها إسرائيل).
وبيّن صاحب كتاب (إصلاح الحداثة)، أن الصراع بين حماس وإسرائيل يعود في عمقه، إلى اختلاف نظرة الطرفين للطبيعة والحياة.. إذ إن الفلسطينيين وحماس ينطلقون من (مسئولية أخلاقية تقتضي استخدام العالم وإدارته باعتباره ملكوت الله، لا باعتباره ملكًا للبشر، فسيستخدمونه ويديرونه بشكل مقيد وبمسئولية (..) حتى عندما يهاجمك بعض البشر ويريدون قتلك، فستستمر في النظر إليهم على أنهم لا يساوونك في قيمتهم الجوهرية فحسب، بل تكون أنت مسؤولًا عنهم وعن إصلاحهم أخلاقيًا).. في المقابل ـ يقول حلاق ـ تتصرف إسرائيل والغرب وفق منطق، أنه ليس وراء الكون أو الطبيعة مُسبِب، فتكون النتيجة المنطقية أنه (لا قيمة لنا نحن البشر في أنفسنا، إلا إذا أعطانا إياها أحدهم.. وبما أنه لا يمكن أن يكون هذا الشخص إلهًا، فإن إنسانًا يعطي هذه القيمة إنسانًا آخر، استنادًا إلى الذي يكون القرار بيده، وقوة القرار دائمًا ما تكون قوة بطشية، وهي قوة السيف.. فقرار الضعيف في يد القوي، أي أن الأقوى بطشًا هو صاحب القرار).
● قالت المترجمة والأكاديمية البُلغارية، مايا تسينوفا، إن (قضية فلسطين تدافع عن نفسها بنفسها.. يكفي أن نعطيها الكلمة لتتحدث، رغم أن العالم المعاصر يُفضل أن يتناساها ويغض الطرف عنها.. وبهذه الطريقة جاء السابع من أكتوبر ولم يكن بداية).. وأضافت المحاضرة في قسم اللغة العربية بجامعة صوفيا، قسم الدراسات العربية والسامية، أن بداياتها الشخصية مع القضية جاءت في صيف 1976، عندما كانت في نهاية سنتها الأولى لدراسة اللغة العربية في جامعة صوفيا، وكانت تهتم بمتابعة أخبار مجزرة تل الزعتر قي لبنان، وانشغلت عن الامتحانات الصيفية الجامعية بإقامة مهرجانات التضامن مع فلسطين ولبنان.
واعتبرت تسينوفا، أن اللغة العربية جاءتها بـ (قضية حياتها أو قضايا حياتها)، لأنها ـ باعتبارها مُترجمة ـ تستخدم الكلمات بمعانيها الدقيقة، ونوهت بدور الترجمة والتثاقف في إقامة الجسور بين العرب والبُلغار، رغم أن البعض حريص على النأي والحياد، لكني (أحاول دومًا إيجاد القيم الأخلاقية المشتركة، وأكثر ما يسعدني أن يقول لي أحد القراء إن العرب مثلنا تمامًا).
● يرى المفكر والأكاديمي التونسي، أبو يعرُب المرزوقي، أن أغلبية المثقفين العرب (أبعد الناس عن المقاومة)، مؤكدًا أنهم (لو كانوا حقًا يؤمنون بالمقاومة التي تحقق تحرير الأوطان وتحرر الإنسان، لما كانوا أكثر المدافعين عن التبعية الحضارية).. واعتبر المرزوقي ـ الحاصل على إجازة الفلسفة من جامعة السوربون ودكتوراه الفلسفة العربية واليونانية 1991 ـ أن (النظام الديمقراطي الغربي، يجعل النجاح السياسي رهن المال الفاسد والإعلام المُضلِل، وهم في ذلك لا يختلفون عن الأنظمة الاستبدادية).. كما أنه (لا أحد اليوم في الغرب ـ إذا ما استثنينا الرسميين، سياسيين ونخبًا ـ ما زال يصدق سرديات إسرائيل، والتظاهر بكون إسرائيل رمز الحضارة والتقدم والديمقراطية، محاصرة بشعوب بدائية تهددها بهولوكوست ثانٍ، بعد أن نجاها الغرب من الأول، في حين أنه هو مصدر كل الهولوكوستات التي مر بها اليهود).. لقد حرر (الطوفان شباب الغرب ونُخبِه الحُرة من الابتزاز الصهيوني، بصنفيه اليهودي والمسيحي في الولايات المتحدة، خصوصًا وهي سر قوتهم، ذلك هو المغنم الأكبر لفاعلية الطوفان، إنه تسونامي خلقي بطيء الأثر، لكنه أكثر من زلزال كوني سيغير وجه الأرض كلها).
● المفكر الإسلامي، محمد سليم العوا، أكد أن نوافذ العالم العربي ـ ولا سيما شبابه ـ قد انفتحت على حقل المقاومة الذي تتجه ثماره كلها نحو استعادة الحق الفلسطيني السليب بعد السابع من أكتوبر 2023.. ويؤكد أن كثيرًا من القوى الفاعلة في المجتمعات العربية، قد تغيرت نظرتها إلى القيم الغربية تطبيقُا، (وتأكدت أنها مجرد شعارات للتصدير، أو على الأكثر للاستهلاك المحلي في بلادهم، لكن إعمالها في أي شأن يخص العرب أو المسلمين أو الأفارقة أو الآسيويين، بصرف النظر عن ديانتهم، أمر دونه خرط القتاد).. لقد (جاء طوفان الأقصى ليضع حدًا للأوهام المتعلقة بعملية السلام، وبالعلاقات الطبيعية بين الصهيوني المحتل وبين العرب جميعًا، مسلميهم ومسيحييهم).
ويتابع الفقيه القانوني، قائلًا (رأى العرب ـ كما رأى العالم ـ أن قهر العدو ممكن، وأن مواجهته بغير جيوش نظامية تُكبده خسائر فادحة لا قبل له باحتمالها، ومجرد وجود هذه الحقائق في أذهان الشباب العرب، يفتح الأبواب لمرحلة ثقافية وسياسية، بل ووجودية جديدة).. وينتقد المواقف الرسمية العربية، (رأى المطبعون نتائج علاقاتهم مع العدو الصهيوني، وكيف أنها لم تجلب لأحد خيرًا قط، بل جلبت لهم نقمة الناس وكراهيتهم، وهي لم تحقق لهم أي مصلحة سياسية أو اقتصادية، بل جعلتهم في النهاية أجزاء من رحى قطبها العدو الصهيوني، وهو المتحكم فيها، الذي لا يهتم إلا بمصالحه الذاتية، ويتخذ من الشعوب التي طبّعت حكوماتها معه، مجالات للتوسع الاقتصادي والثقافي والفكري، أملًا في محو الفكرة الإسلامية والشخصية العربية).
● يُعرفه القراء باعتباره ناقدًا ثقافيًا مرموقًا، ومؤلفًا حاصلًا على جوائز عدة، لكنه أيضًا مفكر صاحب نظر سياسي، وعالم اجتماع خبير بقضايا منطقة الشرق الأوسط، وكاتب مختص بالتاريخ الأخلاقي والسياسي والفكري للمسلمين.. لكل ذلك، يحلل الأكاديمي والكاتب الإيراني ـ الأمريكي، حميد دباشي، في أعماله، موضوعات ثقافية عديدة بما فيها تاريخ إيران المعاصر، معتبرًا أن بلاده في جدل مستمر بين رؤيتين متناقضتين للحداثة، إحداهما استعمارية والأخرى مناهضة للاستعمار.. وينظر دباشي إلى صعود التيارات الإسلامية كأحد أشكال (لاهوت التحرير)، مؤكدًا رفضه سردية حتمية التناقض بين مفهومي الإسلام والغرب، إذ قام بتفكيك العديد من مفاهيم المستشرقين والإسلاميين على حد سواء.. ويقول إن الأحداث الحالية التي بدأت مع (طوفان الأقصى) نقطة تحول في تاريخنا الحديث، معتبرًا (إسرائيل حامية عسكرية ومستعمرة استيطانية اخترعتها إنجلترا، ودعمتها الولايات المتحدة، وسلحتها ألمانيا ودول أوروبية أخرى).. بل يُزيد بأن إسرائيل (أصبحت اليوم المستعمرة الاستيطانية الأكثر بُغضًا في العالم، وليس هناك الكثير مما تستطيع جماعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا فعله لتغيير هذه الحقيقة)، ولا يمكن اليوم، لأي كفاح من أجل التحرر في أي مكان ـ في العالمين العربي والإسلامي على وجه الخصوص ـ أن يكون مشروعًا دون البدء أولًا من فلسطين ومن الفلسطينيين، كنقطة انطلاقه).
● يُعدُّ جوزيف مسعد، أستاذ السياسة وتاريخ الفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا، من أهم المفكرين الذين اشتغلوا على تفكيك السرديات الاستشراقية والاستعمارية، التي تغذي كلا من الفكر الغربي والصهيونية، طوال العقدين الأخيرين، وذلك من خلال كتاباته الأكاديمية الرصينة، التي سلطت الضوء على مدى أهمية القضية الفلسطينية، ومدى سعي الغرب والمشروع الاستيطاني الإسرائيلي لاستدامة الحرب على فلسطين والفلسطينيين، ومن بين هذه الكتب (ديمومة المسألة الفلسطينية)، و(الإسلام في الليبرالية)، و(اشتهاء العرب).. وهو ما جعل كتاباته تكتسي أهمية كبيرة في ظل ما أعقب (طوفان الأقصى)، أو ما بات يعرف بما بعد يوم السابع من أكتوبر، وفق السرديات الغربية التي عاشت فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي ومناصروها عبر العالم، لحظات من اختلال التوازن وسقوط لسرديات القوة والهيمنة الاحتلالية، التي كان يتم الترويج لها في السياق الغربي وصدّقها العالم العربي.
تميزت كتابات جوزيف مسعد، بكونها تحفر في جذور القضية الفلسطينية وتفكك المشروع الاستيطاني، وتُسبر أغواره وتبحث عن الجذور الرابطة بينها وبين المشروع الاستعماري الكولونيالي الأوروبي الذي شهده العالم، وربط العلاقة العضوية بين الاستيطان الإسرائيلي والاحتلال الغربي.. ولا يتوقف تفاعل البروفيسور جوزيف مسعد عند هذا الحد، بل سبر أغوار المقاومة الفلسطينية والدروس التي يجب أن نتعلمها منها، والتي يجب أن تتعلمها من حركة التاريخ التي شهدت مقاومات أخرى قاومت الاحتلال الأجنبي، سواء في نجاحاتها أو إخفاقاتها.
في الجزء الأول من حوار مسعد مع الجزيرة، أظهر كيف يرتبط الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي بحركة الاستعمار الغربي، وقارن ـ على الجانب الآخر أيضًا- ـ بين المقاومة في فلسطين وتاريخ حركات المقاومة في العالم، معتبرًا أن إسرائيل تبنت أبشع صور الحضارة الغربية، المتمثلة في عنصريتها واستعلائها وتحيزها للعنف ضد المدنيين.. وفي الجزء الثاني من الحوار، شرح بنيوية العنف في إسرائيل وعدم ارتباطه بحزب معين، وكيف أصبحت الجامعات الغربية تضيق الخناق على الأكاديميين الداعمين للقضية الفلسطينية!.
● إن من تجليات (طوفان الأقصى)، أنه قلب المعادلات وغيّر قواعد اللعبة، وأظهر حق الفلسطيني في الوجود، من خلال إنجازات المقاومة المذهلة.. وأضاف عالم النفس والمفكر اللبناني، الدكتور مصطفى حجازي، أن عملية (طوفان الأقصى) فتحت أعيننا على مسار تحرير حقيقي للقضية الفلسطينية خصوصًا، وقضية الاستقلال العربي عمومًا، لأن هذه العملية أذهلت القريب قبل البعيد، في قوة التخطيط وتميزها في الثورة وإبداعاتها في التنفيذ، لاسترداد الحق في الحياة والوجود و(يظل القهر والهدر عابرين مهما طال الزمن، وتقدم المقاومة في غزة أبلغ الدروس في ذلك).. إن الحركات التي تحولت إلى مسارات تفاوضية لا نهاية لها ولا ثمار منها، كما حدث للضفة الغربية بعد اتفاقية أوسلو، هي من نوع الأوهام بقيام دولة وكيان، حيث لم يتبق من الضفة سوى 20%.
والدكتور مصطفى حجازي، أكاديمي ومفكر لبناني، حاصل على دكتوراه في علم النفس من جامعة ليون بفرنسا، وعمل أستاذًا جامعيًا في عدد من الجامعات العربية، وخبيرًا للعديد من المنظمات اللبنانية والخليجية والأممية.. واعتبر حجازي أن علماء الاجتماع العرب وسواهم، يلامسون سطح الواقع الفلسطيني، وينخرطون هم والمثقفون في دراسة الفكر الغربي وقضاياه وأطروحاته، وكأنها اليقين العلمي الكوني، مع أن هذا الفكر قد تم تطويره لفهم واقع الإنسان الغربي.. ويرى أن طوفان الأقصى أثار في نفوس جيل الشباب الغربيين الشوق إلى الحياة ذات المعنى، والبحث عبر قضية كبرى تملأ عليهم حياتهم، ومن هنا جاءت مظاهراته تأييدًا للحق في الحياة والوجود للشعب الفلسطيني.. (إننا إزاء عنصرية متفوقة على من لم يبلغوا مستوى البشر بعد، ومن خلال هذه العنصرية يُعطي الغرب ذاته حق استعمار الشعوب واستغلالها، بزعم تمدينها وبزعم أن استغلاله لها هو ضمن واجبه لترقيتها).
● وأخيرًا، أطلق مغني الراب البريطاني، لوكي ومواطنته المغنية، مي خليل، عملًا غنائيًا لافتًا بعنوان (فلسطين لن تموت أبدًا)، يجمع بين الغناء والراب والكلمات العربية والإنجليزية وفنون الكلام والشعر والنثر والأداء الغنائي.. قال لوكي إنهم استلهموا العمل من أعمال الفنان والمغني والمؤلف الموسيقي اللبناني، أحمد قعبور، المعروف بأعماله التي تحمل آمال الشعب الفلسطيني وآلامه، ومن أشهرها (أناديكم)، و(يا نبض الضفة) و(في الضفة لي أطفال سبعة) وغيرها.. واعتبر لوكي أن الأغنية ـ التي تتميز بتعدد الإيقاع والشعر ـ هي (مساهمتنا المتواضعة لهذه القضية العادلة، ومحاولة لتمكين الشباب في الغرب، ممن لديهم شغف بتحرير فلسطين)، معتبرًا أن الكلمات أصابتهم بالقشعريرة، وهي تعكس الواقع الحالي، و(نتمنى أن تمنح الأغنية شجاعة وجرأة أكثر، لمن يتكلمون عن فلسطين فلا يخافون من مواجهة اللوبي الصهيوني في بلدانهم)، معتبًرا أن الظروف التي ألهمت الأغنية، هي (الإحساس بالعجز والشلل السياسي، ومن حقنا في الغرب التضامن مع شعبنا).
اختار لوكي المزج بين العربية والإنجليزية في الأغنية، لأن ذلك المزيج (يعكس الواقع الذي نعيشه)، إنهم استلهموا كلمات تراثية لتفيد الأجيال الجديدة وتعمق صلتها بماضيها.. وعن استخدام الأجناس الموسيقية المختلفة في أغنية واحدة، اعتبر لوكي أنهم أرادوا إثبات أن (العرب ليسوا في حالة انفصام ثقافي، بالعكس تعرُضِنا لفنون متعددة، يؤدي إلى إثراء قدراتنا على توصيف واقعنا المرير).. وبيّن أن تاريخ الراب انبثق من معاناة الأمريكيين الأفارقة (بسبب التفرقة العنصرية)، وأنه يرى (الاحتلال الصهيوني فرعًا من الشجرة نفسها، يعني أنه نظام عنصري أوروبي، فُرِضَ على أناس من الجنوب العالمي).
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.