اعتبر ٣ سياسيين وخبراء غربيين أن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد سيعيد تشكيل المشهد الجيوسياسى فى الشرق الأوسط، مشيرين إلى أن مستقبل دمشق غير واضح المعالم، إذ إن تشكيل دولة جديدة سيواجه تحديات وصعوبات كبيرة، وستؤثر تبعات ذلك على دول الجوار والمنطقة.
وقال الخبراء إن المجازفة باستبعاد الأقليات من ترتيبات الحكم الجديد تهدد باندلاع مواجهات عنيفة قد تصل إلى حرب أهلية، موضحين أن إسرائيل تستغل الفرصة الحالية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، بما فى ذلك ضم أراضٍ سورية جديدة.
تهميش الأقليات يهدد بفوضى.. والمخاوف من الجذور المتطرفة لـ«هيئة تحرير الشام» حقيقية
قالت كيلى قسيس، مديرة العلاقات الدولية فى مركز الشئون السياسية والخارجية الفرنسى «CPFA»، إن الهجوم الذى شنته هيئة تحرير الشام فى جميع أنحاء سوريا وأطاح بالنظام فى غضون أيام كان مفاجأة للجميع وأدخل البلاد فى عصر جديد.
وأضافت أن هناك حاليًا زخمًا كبيرًا لبدء عملية سياسية، إلا أن سوريا لا تزال مجزأة إلى حد كبير، وعلى الرغم من ظهور أبومحمد الجولانى، زعيم هيئة تحرير الشام، كشخصية رئيسية فى المشهد، فإن العديد من الأقليات فى سوريا، بمن فى ذلك المسيحيون والدروز والعلويون والأكراد، لا يزال خائفًا من الجذور المتطرفة للهيئة، رغم أنه منذ بدء الهجوم تم ضمان الحماية لهذه المجموعات، ولكن الأهم هو أن يتم تضمينها أيضًا فى تحديد مستقبل بلادها، وإلا فإن سوريا ستخاطر بالعودة إلى الطائفية وإغراق البلاد فى الحرب.
وواصلت: «الاستقرار فى سوريا وإعادة الإعمار من شأنه أن يشجع العديد من اللاجئين السوريين على العودة، ما يخفف الضغوط المحلية على البلدان المجاورة، علاوة على ذلك فإن سقوط النظام يوجّه ضربة قوية لمحور المقاومة الإيرانى من خلال تعطيل جسرها البرى إلى حزب الله، وهو ما سيكون له تداعيات على لبنان».
ورأت أنه من المرجح أن تسرع إيران فى تنفيذ برنامجها النووى وتعزيز نفوذها فى العراق، وفى الوقت نفسه ستلعب تركيا دورًا فى تشكيل المستقبل السياسى لسوريا، على الرغم من أن تركيزها الأساسى سيظل منصبًا على احتواء المقاتلين الأكراد من خلال القوات المدعومة منها، وهى الجيش الوطنى السورى، وهو ما قد يؤدى إلى زيادة عدم الاستقرار فى البلاد.
وذكرت أنه يتعين على دول الشرق الأوسط والمجتمع الدولى دعم الشعب السورى فى إنشاء حكومة تحترم سيادة القانون، مع العلم أن الطريق إلى التعافى والمصالحة سيكون شاقًا، ومن الضرورى أن يتم تحقيق نظام قضائى موثوق به ولا يكون ملف العدالة فى يد الميليشيات.
وبينت أن تحقيق هذه الغاية يتطلب التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة لا يشمل فقط الفصائل المتمردة والمسلحة على الأرض، بل وأيضًا الشتات ومنظمات المجتمع المدنى والمعارضة السياسية.
وقالت «كيلى»: «ما يميز سوريا عن العراق وليبيا هو أنها تحملت ١٤ عامًا من الحرب الأهلية قبل تحقيق التحرير، ونتيجة لهذا سئم السكان الحرب، وقد تكون الفصائل على الأرض أكثر ميلًا إلى تبنى نهج عملى للتوصل إلى اتفاق سياسى، علاوة على ذلك فإن الكشف عن وحشية النظام، والتى أبرزها تحرير سجن صيدنايا، قد يدعم الجهود الرامية إلى تعزيز المؤسسات».
ولفتت إلى أن سوريا تحملت دمارًا غير مسبوق، وبرزت كأكبر دولة لتجارة المخدرات حول العالم، بينما يعيش ٩٠٪ من سكانها تحت خط الفقر، مشددة على أن «العملية السياسية الموثوقة والاستقرار الأكبر من شأنهما أن يمهدا الطريق أمام مشاركة المزيد من الدول فى إعادة إعمار سوريا ورفع العقوبات، ما يسمح للاقتصاد بالتعافى».
وأشارت إلى أنه «من المرجح أن تلعب العديد من دول الشرق الأوسط دورًا مهمًا فى إعادة الإعمار لمنع المزيد من الاضطرابات فى المنطقة، وعلى نحو مماثل، قد تسهم الدول الأوروبية، الحريصة على تسهيل عودة اللاجئين السوريين، فى هذه الجهود أيضًا». وعن كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الوضع فى سوريا، قالت: «كانت إدارة بايدن غير حاضرة إلى حد كبير فى مشهد سوريا، حيث ركزت فى المقام الأول على منع عودة تنظيم داعش وسط الفراغ المستمر فى السلطة».
وأكملت «كيلى»: «مع بقاء أكثر من ٦ أسابيع فقط على انتهاء ولاية بايدن، من غير المرجح أن يلعب أى دور فى تسهيل انتقال أكثر سلاسة للسلطة أو منع تصعيد العنف بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية التابعة للأكراد، والتى تدعمها الولايات المتحدة، وعلاوة على ذلك من غير المرجح إلى حد كبير أن تمارس إدارته ضغوطًا لمنع الدول المجاورة- خاصة إسرائيل- من استغلال الفوضى فى سوريا».
وبالنسبة لإدارة «ترامب»، قالت: «أعلن الرئيس المنتخب مرارًا عن نيته الانسحاب الكامل من سوريا، بما فى ذلك سحب نحو ٩٠٠ جندى أمريكى متمركزين هناك، ومن المرجح أن تؤدى مثل هذه الخطوة إلى إشعال صراع متجدد بين تركيا والقوات الكردية، وقد تسهل عودة ظهور تنظيم داعش أو المنظمات الإرهابية الأخرى، بالإضافة إلى ذلك من غير المرجح أن يخفف ذلك من طموحات إسرائيل أو يقود أى مبادرات دبلوماسية أو مبادرات استقرار لسوريا، ومع ذلك قد يكون ترامب أكثر ميلًا لرفع العقوبات عن سوريا إذا تولت حكومة أكثر اعتدالًا السلطة».
وبينت أنه بعد ساعات من انهيار النظام، استولت إسرائيل على منطقة عازلة فى مرتفعات الجولان المحتلة، منتهكة بذلك اتفاقية فك الارتباط لعام ١٩٧٤ بين البلدين، وقالت: «إسرائيل شنت غارات جوية على مستودعات أسلحة فى دمشق وجنوب سوريا، لتعزيز موقفها ضد قوات المعارضة على الأرض وضد الجولانى، فقد كانت إسرائيل تنظر تاريخيًا إلى الأسد باعتباره تهديدًا ضعيفًا يمكن احتواؤه، فى حين تمثل قوات المعارضة تهديدًا أكثر خطورة، ويعمل بنيامين نتنياهو على استغلال الفوضى فى سوريا لضم أراضٍ خارج مرتفعات الجولان».
استعادة الاستقرار صعبة.. و5 مقترحات لشكل الدولة الجديدة
رأى فرانك مسمار، الخبير الأمريكى فى سياسة الشرق الأوسط، أن انهيار نظام الرئيس السورى، بشار الأسد، يمثل جزءًا من اتجاه أكثر أهمية فى المنطقة، مع تراجع نفوذ إيران بعد القضاء على «حزب الله» و«حماس» بالفعل.
وأضاف «مسمار»: «من المحتمل أن يؤدى هذا التحول فى ديناميكيات القوة إلى فراغ سلطة فى المنطقة، مع تنافس مختلف الجهات الفاعلة على السيطرة والنفوذ، وبالتالى إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسى فى الشرق الأوسط»، متوقعًا أن «يكون السيناريو التالى فى العراق، والميليشيات الإيرانية هناك».
واعتبر أن مستقبل سوريا غير مؤكد، مع وجود ٥ سيناريوهات محتملة يمكن أن تشكل مصير البلاد، أولها إقامة «جمهورية سوريا الديمقراطية»، من خلال تحالف بين أحزاب المعارضة ذات الفصائل والأيديولوجيات المختلفة، مضيفًا: «رغم صعوبة تحقيق هذا السيناريو، فإنه يقدم بارقة أمل، لأنه سيحظى بدعم تركيا وروسيا والولايات المتحدة ودول أوروبية، والأهم من ذلك أنه سيحافظ على وحدة سوريا، ومن شأن هذه الإمكانية للتغيير الإيجابى أن تبعث شعورًا بالأمل لدى شعبها».
السيناريو الثانى، وفقًا لـ«مسمار»، هو إعلان إقامة «جمهورية سوريا الإسلامية» بنواة منظمة مصنفة على أنها إرهابية هى «هيئة تحرير الشام»، متوقعًا أن يترك ذلك إدارة سوريا فى أيدى ممثلى التيار السلفى الذين لا يحملون عداءً أيديولوجيًا لإسرائيل والولايات المتحدة.
أما السيناريو الثالث فيتمثل فى إقامة «دولة معادية للشيعة تحت سيطرة إسرائيلية» فى سوريا، تقوم عقيدتها على مواجهة النفوذ الإيرانى، وفرض الحصار على «حزب الله» اللبنانى، وحرمانه من الدعم اللوجستى والعسكرى الذى تقدمه طهران.
ويتضمن السيناريو الرابع إنشاء «جمهورية سوريا الاتحادية» تحت رعاية الولايات المتحدة، وهو ما قد يجلب الاستقرار، من خلال تقسيم سوريا إلى دول صغيرة متناثرة مثل دول البلقان، وفق الباحث الأمريكى، مضيفًا: «نظرًا لوحشية الصراعات الدائرة حاليًا، فإن احتمالات استعادة العراق وسوريا الاستقرار كدولتين فاعلتين داخل حدودهما المعترف بها دوليًا تبدو بعيدة. وكما هى الحال بالفعل، فإن دولة كردستان العراق غير المستقلة هى دولة تقريبًا مثل العراق نفسه، وربما أكثر من ذلك. ومن شأن هذه الإمكانية للاستقرار أن تطمئن الشعب».
ويعنى السيناريو الخامس بتقسيم سوريا وتفككها، واندلاع حرب أهلية مرة أخرى، وهو ما سيؤدى فى نهاية المطاف إلى انهيارها الكامل، ومن شأن هذه الإمكانية لمزيد من الصراع أن تكون سببًا فى قلق الشعوب العربية.
ورأى الباحث الأمريكى أن الأهم من ذلك هو أن سوريا مدرجة على قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب، منذ إنشاء القائمة عام ١٩٧٩، ويرجع هذا إلى «دعمها المستمر للإرهاب والجماعات الإرهابية، واحتلالها السابق لبنان، وسعيها للحصول على أسلحة الدمار الشامل وبرامج الصواريخ، واستخدامها الأسلحة الكيميائية، وجهودها المستمرة لتقويض أنشطة الاستقرار الأمريكية والدولية فى العراق وسوريا»، حسب قوله.
وأضاف: «تأثير هذه العقوبات والسياسات كبير، إذ تخضع سوريا لعقوبات مفروضة تشريعيًا، بما فى ذلك عقوبات التصدير بموجب قانون محاسبة سوريا، وعدم الأهلية لتلقى معظم أشكال المساعدة الأمريكية أو شراء المعدات العسكرية الأمريكية، كما أنه منذ اندلاع الصراع بسوريا، فى مارس ٢٠١١، صدرت أوامر تنفيذية لاحقة، ردًا على العنف المستمر وانتهاكات حقوق الإنسان التى تحدث هناك».
وعن توقعاته لكيفية تعامل الإدارة الأمريكية مع الوضع فى سوريا، قال «مسمار»: «فى الوقت الحالى ستبقى الولايات المتحدة فى مكانها، وتنتظر لترى كيف ستسير الأمور، ولن تغوص عسكريًا فى وسط حرب أهلية سورية»، مشيرًا إلى أن الرئيس جو بايدن قال إن «الولايات المتحدة ستعمل مع الشركاء وأصحاب المصلحة فى سوريا للمساعدة فى اغتنام الفرصة وإدارة المخاطر»، وأن «سوريا تمر بفترة من المخاطر وعدم اليقين، وهذه المرة الأولى منذ سنوات التى لا تلعب فيها روسيا أو إيران أو منظمة حزب الله المسلحة دورًا مؤثرًا فى سوريا».
فيما قال الرئيس المنتخب دونالد ترامب إن «الجيش الأمريكى يجب أن يظل بعيدًا عن الصراع المتصاعد بسرعة فى سوريا، حيث وصل هجوم المتمردين الدرامى إلى العاصمة وهدد حكم الرئيس السورى المتحالف مع روسيا وإيران»، مؤكدًا على وسائل التواصل الاجتماعى أن «هذه ليست معركتنا».
«بايدن وترامب» لن يوقفا إسرائيل عن أى تحرك
أكدت جوان هيلد كومينجز، الأستاذ المساعد فى الديناميكيات السياسية بالشرق الأوسط بجامعة بايلور المسئولة السابقة فى الخارجية الأمريكية، أن مستقبل سوريا لن يكون أفضل إلا بإسقاط نصف قرن من حكم الأقلية الاستبدادى. وقالت إنه من المرجح أن يواجه السوريون تحديات فى سعيهم إلى إنشاء حكومة جديدة تكون أكثر تمثيلًا لهم، مضيفة أنه طوال مدى العقد الماضى لم يكن بشار الأسد راغبًا فى العمل مع الآخرين لإنشاء نظام جديد، ودونه هناك أمل أكبر. وأشارت إلى أن الدول المجاورة ستتأثر بدرجات مختلفة من سقوط نظام الأسد، فلبنان سوف يسعد بعودة السوريين إلى ديارهم، لكنه قد يضطرب بسبب عودة أعضاء «حزب الله» الفارين من سوريا إلى لبنان، أمام العراق فسيكون من الجيد أن تسيطر وحدات الحشد الشعبى على الحدود، لكن إذا دخلت إلى سوريا، فقد تشتعل التوترات. وواصلت: «فيما يتصل بالعراق وشمال شرق سوريا، فإن العلاقات بين الأحزاب والميليشيات الكردية المختلفة فى كلا البلدين مهمة، فوحدات حماية الشعب الكردية تنظر إلى الفصائل المدعومة من تركيا على أنها تهديد وجدوى لها». وحول توقعها بتعامل إدارة «بايدن» ثم إدارة «ترامب» مع الوضع فى سوريا قالت: «سيتجنب بايدن وترامب التدخل الأمريكى المباشر، وسيسمح بايدن لإسرائيل باتخاذ الإجراءات التى تريدها، ولن يوقف ترامب إسرائيل أيضًا، لكنه سيرغب فى اتخاذ إجراءات أسرع حتى لو كانت أكثر ضررًا».