الأربعاء 11/ديسمبر/2024 - 11:12 ص 12/11/2024 11:12:08 AM
قبل حوالي 20 عامًا، وبعد سقوط حكم الرئيس العراقي صدام حسين، بدأت عمليات اغتيال العلماء العراقيين واحدًا تلو الآخر، وكل من بقي داخل العراق طالته يد الغدر. وفي الأمس، أي بعد 24 ساعة فقط من سقوط حكم الرئيس بشار الأسد، قُتل أول عالم سوري، وهو الدكتور حمدي إسماعيل ندى، عالم الكيمياء المتخصص في صناعة الأدوية، وبعده بساعات اغتيلت الدكتورة زهرة الحمصية، عالمة الذرة الميكروبيولوجية السورية بمنزلها. وهكذا، سوف نشهد يوميًا حوادث اغتيال لعلماء سوريا الواحد تلو الآخر. وكما دمر العدو سلاح الجيش السوري كاملًا، لن يتهاون في التخلص من العقول السورية، فهم صُناع المستقبل وأمل سوريا في العودة إلى الحياة مرة أخرى.
من أخطر مظاهر الفراغ الأمني الذي شهده العراق بعد سقوط النظام هو سيطرة الجماعات المسلحة على العديد من المناطق، إلى جانب القوات الأجنبية، الأمريكية والبريطانية في معظمها، مما خلق بيئة فوضوية سهلت لأجهزة المخابرات تنفيذ هذه الاغتيالات دون الخوف أو محاسبة، فلا أمن ولا أمان بعد سقوط الحكم وتسريح الجيش.
والعلماء في كل العصور هم ملك للبشرية جمعاء، وليسوا ملكًا لأوطانهم فقط. ولكن السياسة الصهيونية لا تعرف العلم ولا تهتم بالبشرية، وتضع مصلحتها فوق كل اعتبار. وبالقطع، يضع جهاز الموساد، الذي يرتع الآن داخل الأراضي السورية، مصلحته فوق كل اعتبار أيضًا، وهدفه الأساسي هو القضاء على مستقبل سوريا وضمان عدم قيامها مرة أخرى. وكم من عقول كانت ستفيد البشرية غيبت بالقتل على أيدي أجهزة مخابرات دول الشر المتربصة بالأمة العربية.
كان الانتقام السياسي بعد رحيل حكم حزب البعث العراقي من الأسباب التي ساهمت في عمليات الاغتيال، ولكنه كان السبب الأقل أهمية. والحقيقة أن الكثير من العلماء العراقيين كانوا مرتبطين بالبرنامج العسكري وتطوير الأسلحة العراقية، فكان الهدف واضحًا أمام الموساد والـ CIA وغيرهما.
وبالطبع، حاولت بعض الجهات استغلال الظرف العراقي لنقل الخبرات العلمية والتكنولوجية التي يتمتع بها العلماء العراقيون إلى خارج البلاد، لا سيما في مجالات حساسة مثل الطاقة والصناعات المتقدمة. وقد نجح بعض العلماء العراقيين في الهروب إلى الخارج بحثًا عن الأمان، مما تسبب في فقدان الكثير من الكفاءات.
بينما طالت الاعتداءات الهمجية للتنظيمات المسلحة أيضًا العديد من المراكز والمختبرات البحثية، مما ألحق ضررًا جسيمًا بالبنية التحتية للبحث العلمي في العراق.
وبالطبع، فشلت الحكومات العراقية في حماية علمائها، وأصيب المجتمع العلمي بالإحباط، وكاد العراق يفقد القدرة على النهوض رغم قدراته المالية الكبيرة التي يتمتع بها كثاني أكبر منتج للبترول في العالم.
وللسوريين أيضًا خبرات كبيرة في مجالات حيوية مثل الطاقة النووية والكيمياء والهندسة والزراعة وغيرها، مما يجعلهم أهدافًا مغرية لأطراف عديدة في الصراع السوري. ولكن للأسف، فإن الوضع الأمني المنهار في سوريا يسهل تنفيذ عمليات الاغتيال ويزيد من التهديدات التي يواجهها العلماء.
بعض الدول الإقليمية تسعى أيضًا إلى استقطاب الخبرات السورية بدلًا من حمايتهم، ما يرفع من احتمالات استهداف العلماء أو اختطافهم للاستفادة منهم. وهذا يزيظ من احتمالية تكرار مأساة العراق، ويزيد من قتامة المشهد السوري في الحاضر والمستقبل.