شهدت مصر تحولًا لافتًا في تراجع معدلات الإنجاب بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وهو ما أثار تساؤلات واسعة حول أسبابه وتداعياته على المجتمع يعد هذا التراجع نتيجة للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أثرت على أنماط الحياة والتوجهات الأسرية ومع أن هذه الظاهرة قد تسهم في تقليل الضغط على الموارد والخدمات العامة، إلا أنها تحمل تحديات مستقبلية تتعلق بتوازن الهيكل السكاني والاقتصاد الوطني.
وكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في تقريره عن معدلات الإنجاب لعام 2023، عن تراجع معدل الإنجاب الكلي في مصر إلى 2.54 طفل لكل سيدة ويعكس هذا الانخفاض المستمر، الذي بدأ منذ عام 2014، تقدما في تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية (2023-2030)، التي تهدف إلى تحقيق توازن بين معدلات الإنجاب ومتطلبات التنمية المستدامة.
أعد هذا التقرير باستخدام بيانات المواليد الإلكترونية التي توفرها وزارتي الصحة والسكان والتخطيط والتنمية الاقتصادية، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، كما تم تعزيز دقة البيانات من خلال نماذج إحصائية معتمدة على الهيكل العمري المستند إلى تعداد 2017، بالإضافة إلى الإسقاطات السكانية لعام 2023 وتوزعت البيانات وفقا لعمر الأم ومحل الإقامة، ما أتاح تقديرا تفصيليا ودقيقا لمعدلات الإنجاب على مستوى المحافظات.
تفاوت ملحوظ بين المحافظات
أظهر التقرير تباينا كبيرا في معدلات الإنجاب بين المحافظات، وسجلت محافظة بورسعيد أقل معدل إنجاب كلي عند 1.64 طفل لكل سيدة، مما يعكس التحضر والوعي بتنظيم الأسرة في المناطق الحضرية على النقيض، سجلت محافظة مطروح أعلى معدل إنجاب كلي عند 5.08 طفل لكل سيدة، ما يعكس استمرار العادات السكانية المرتبطة بالمجتمعات الحدودية والريفية.
أسباب التراجع في معدلات الإنجاب
وفي هذا السياق قال الدكتور خالد الشافعي الخبير الاقتصادي، إن مصر شهدت مؤخرًا تراجعًا ملحوظًا في معدلات الإنجاب، وهو ما أثار اهتمام العديد لما له من تأثيرات بعيدة المدى على البنية السكانية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد موضحًا يعود هذا التراجع إلى مجموعة من العوامل المرتبطة بالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وأضاف صادق، أن من أبرز العوامل المؤثرة، ارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد الضغوط الاقتصادية، مما دفع العديد من الأزواج إلى تأجيل قرار الإنجاب أو تقليل عدد الأطفال لضمان توفير مستوى معيشي أفضل لهم، كما لعبت التغيرات الثقافية دورًا هامًا، حيث أصبح هناك وعي متزايد بأهمية تنظيم الأسرة والحد من الإنجاب لتحقيق جودة حياة أفضل، كما ساهمت برامج التوعية التي أطلقتها الدولة ومنظمات المجتمع المدني في تعزيز مفهوم الأسرة الصغيرة وفوائدها على المستويين الفردي والمجتمعي.
التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية
وفي نفس السياق قال الدكتور سعيد صادق الخبير الاجتماعي، إن تراجع معدلات الإنجاب يعد سيفًا ذو حدين فمن جهة، يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الضغوط على الموارد والخدمات العامة مثل التعليم والصحة، مما يساعد الدولة على تحسين جودة هذه الخدمات ومن جهة أخرى، قد يؤدي استمرار التراجع إلى اختلال في الهيكل العمري للسكان، مع تزايد نسبة كبار السن مقارنة بالشباب، وهو ما يمكن أن يؤثر سلبًا على سوق العمل ونظام المعاشات.
وأضاف صادق، لمواجهة هذه التحديات، من الضروري أن تتبني الدولة سياسات متوازنة تضمن الحفاظ على معدلات إنجاب ملائمة تساهم في تحقيق التنمية المستدامة ويمكن تحقيق ذلك من خلال دعم الأسر اقتصاديًا وتقديم حوافز لتشجيع الإنجاب المعتدل، مع الاستمرار في برامج التوعية بأهمية تنظيم الأسرة كما ينصح بتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للشباب لتشجيعهم على الزواج والإنجاب في وقت مناسب.