مع سقوط نظام بشار الأسد بعد سنوات من الصراع الدامي، تشهد سوريا تحولات جذرية تعيد تشكيل المشهد السياسي والعسكري. وبينما احتفل الشعب السوري بسقوط النظام الذي استمر عقودًا، يظل مستقبل البلاد غامضًا في ظل تعدد القوى الفاعلة والمتنافسة على الأرض، ما يعكس تعقيد الصراع وامتداداته الإقليمية والدولية.
هيئة تحرير الشام: القوة الأكثر بروزًا بعد سقوط الأسد
قاد الهجوم الأخير الذي أطاح بالعاصمة دمشق هيئة تحرير الشام، الجماعة الإسلامية المتشددة بقيادة أبو محمد الجولاني. تأسست الجماعة في البداية كجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، لكنها أعادت تشكيل نفسها في عام 2016 بعد إعلان انفصالها عن القاعدة، مع الاحتفاظ بأيديولوجيتها المتشددة.
رغم سيطرتها على محافظة إدلب وإدارتها كسلطة بحكم الأمر الواقع، تواجه هيئة تحرير الشام اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان مما يحد من شرعيتها الدولية. ويُعتقد أن نجاحها الأخير في دمشق كان مدعومًا ضمنيًا من تركيا، رغم نفي أنقرة أي تورط مباشر.
الجيش الوطني السوري: تحالف متشرذم ولكنه فاعل
إلى جانب هيئة تحرير الشام، برز الجيش الوطني السوري كأحد اللاعبين الرئيسيين في الصراع. هذا التحالف الذي تأسس عام 2017 يضم فصائل متعددة ذات توجهات متباينة.
رغم انقساماته الداخلية، حافظت العديد من فصائل الجيش الوطني على علاقات قوية مع تركيا، مثل لواء السلطان مراد وفرقة الحمزة. ومع ذلك، تسعى بعض الفصائل لتحقيق أهدافها الخاصة، ما يعكس تعقيد التحالف.
في الأيام الأخيرة، اشتبكت قوات الجيش الوطني السوري مع المقاتلين الأكراد في الشمال واستولت على مواقع استراتيجية، بما يتماشى مع هدف أنقرة لإضعاف أي وجود كردي على الحدود.
قوات سوريا الديمقراطية: الأكراد في مواجهة تحديات جديدة
تعد قوات سوريا الديمقراطية تحالفًا يهيمن عليه الأكراد ويضم مقاتلين من أعراق أخرى. بعد دورها الرئيسي في هزيمة تنظيم داعش، تسيطر القوات على أجزاء واسعة من الشمال الشرقي، حيث أقامت منطقة حكم ذاتي.
لكن هذا النفوذ يواجه تحديات مستمرة من تركيا التي تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية.
روسيا: الحفاظ على النفوذ رغم التراجع
كانت روسيا الحليف الأبرز لنظام الأسد، حيث ساهمت بقوة عسكرية ودبلوماسية في بقائه لسنوات. ومع سقوط النظام، تسعى موسكو لضمان حماية قواعدها العسكرية ومصالحها الاستراتيجية.
تشير تقارير إلى أن روسيا تواصل التنسيق مع قوى المعارضة لضمان استمرار وجودها في سوريا، رغم التحديات الناتجة عن انشغالها بالحرب في أوكرانيا.
إيران: تحديات الحفاظ على النفوذ
اعتبرت إيران سوريا جزءًا من "محور المقاومة" ضد إسرائيل والولايات المتحدة، وقدمت دعمًا عسكريًا كبيرًا لنظام الأسد عبر ميليشيات مثل حزب الله.
ومع سقوط النظام، تواجه إيران تحديات في الحفاظ على نفوذها، حيث تشير تقارير إلى انسحاب بعض قواتها من الأراضي السورية. هذا التحول يثير تساؤلات حول مستقبل دورها في البلاد.
الولايات المتحدة: التركيز على الأكراد وداعش
رغم تقليص دعمها للمعارضة السورية، تحتفظ الولايات المتحدة بحوالي 900 جندي في سوريا، متمركزين في مناطق غنية بالنفط تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
تركز واشنطن جهودها على منع عودة تنظيم داعش، مع مراقبة التطورات السياسية والعسكرية لضمان عدم تهديد مصالحها الإقليمية.
إسرائيل: حماية الحدود واستغلال الفرصة
كثفت إسرائيل غاراتها الجوية على أهداف إيرانية وحزب الله في سوريا على مدار العقد الماضي. ومع سقوط الأسد، تحركت القوات الإسرائيلية نحو القنيطرة قرب مرتفعات الجولان، حيث أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن سيطرة بلاده على منطقة عازلة لضمان أمنها.
وصف نتنياهو سقوط الأسد بأنه "يوم تاريخي"، محذرًا من المخاطر التي قد تترتب على الفوضى الحالية.
المشهد السوري: تحديات وفرص
بينما يحتفل السوريون بسقوط النظام، تظل التحديات كبيرة في ظل تنوع القوى الفاعلة على الأرض وتضارب مصالحها. يواجه الشعب السوري مخاطر صعود جماعات متشددة، إضافة إلى استمرار التدخلات الإقليمية والدولية.
يبقى السؤال الأهم: هل يمكن للسوريين بناء دولة مستقرة تمثل تطلعات جميع مكوناتها؟ الإجابة تتطلب تضافر الجهود الدولية مع الحلول السياسية الشاملة التي تضمن إنهاء معاناة الشعب السوري.