أكد مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب السوري القومي الاجتماعي، طارق الأحمد، أن المشهد في سوريا بعد رحيل الرئيس بشار الأسد يكتنفه الغموض والضبابية، مشيرا إلى أن التطورات الأخيرة، وخاصة بعد تحركات قوات المعارضة بقيادة “الجولاني” إلى مناطق قريبة من دمشق، تسلط الضوء على تعقيد المشهد السياسي والأمني في البلاد.
الأحمد: تجنب الأعمال الانتقامية والقتل نقطة إيجابية في سوريا
وأوضح الأحمد في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن الأطراف الدولية التي لعبت أدوارًا محورية في “صيغة أستانا” مثل تركيا وروسيا وإيران، انضمت إليها مؤخرًا دول عربية كالسعودية ومصر والإمارات، مشيرًا إلى البيان الدوحة، وتناوله نقاطًا تتعلق بالقرار الأممي 2254 ووقف الأعمال العدائية، لكن هناك غياب في التطبيق الفعلي لهذه التفاهمات، مما أدى إلى تفاقم حالة الفوضى.
وأضاف السياسي السوري، أن قوات المعارضة باتت تسيطر على مناطق واسعة تصل إلى مشارف دمشق، ما عدا المنطقة الشمالية الشرقية.
وأعرب عن تعجبه من عجز القوى الضامنة مثل تركيا وروسيا، عن فرض سيطرتها على الجماعات المسلحة، مما يفتح الباب لتساؤلات حول وجود مخططات خفية لم تُكشف تفاصيلها بعد.
وفيما يتعلق بالوضع الأمني، قال السياسي السوري إن الجماعات المسلحة رغم سيطرتها، لم ترتكب جرائم واسعة النطاق بحق المدنيين أو الشخصيات السياسية والعسكرية، وهو ما وصفه بأنه "نقطة إيجابية" في هذا المشهد المأزوم.
إسرائيل تستغل ظروف سوريا الحالية
وتطرق “الأحمد” إلى استغلال إسرائيل للظروف الحالية في سوريا، مشيرًا إلى قيامها بضم القنيطرة والسيطرة على مرتفعات جبل الشيخ الاستراتيجية.
واعتبر أن هذه التطورات تمنح إسرائيل قدرة مراقبة استثنائية تمتد إلى دمشق ولواء إسكندرون، مما يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي السوري والمصري على حد سواء.
وأشار الأحمد إلى أن إسرائيل، رغم استفادتها من دخول هيئة تحرير الشام وسيطرتها على دمشق، تواصل استهداف الجيش السوري ومنشآته الحيوية، مثل مراكز الدفاع الجوي ومراكز البحوث العلمية.
وطرح تساؤلًا محوريًا: "لماذا تستهدف إسرائيل البنية التحتية العسكرية لدولة أصبحت تحت سيطرة جماعات مسلحة؟ هل تهدف إلى تحويل سوريا إلى دولة منزوعة السلاح، أم تسعى إلى إبقاء الجيش القادم ضعيفًا وغير مؤثر؟"
الأحمد: إقامة سلطة ديمقراطية ضمان لوحدة سوريا
وأكد مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب السوري القومي الاجتماعي، أن التحدي الأكبر أمام سوريا اليوم هو تجنب السيناريو الأسوأ المتمثل في التقسيم على أسس طائفية أو عرقية، مشددا على أن الضمانة الوحيدة لوحدة سوريا واستقرارها تكمن في إقامة سلطة ديمقراطية مدنية تُعلي من شأن القانون وتضمن حقوق جميع المواطنين بعيدًا عن هيمنة الطوائف أو الأعراق.
وأضاف الأحمد أن هناك أمنيات بأن تسير الأمور باتجاه السلمية، مشيرًا إلى اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الحالي بالجولاني كإشارة إيجابية، على الرغم من وجود ملفات معقدة، مثل العدالة الانتقالية، التي اعتبرها من مسؤولية الحكومة القادمة. ودعا إلى طي صفحة الحرب والابتعاد عن الأحقاد لضمان مستقبل مستقر للبلاد.
وفيما يتعلق بإمكانية رفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب الغربية، أوضح الأحمد أن الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يهتم بالصراعات الانتقامية بقدر ما يركز على ما يفيد الشعب السوري. وأشار إلى أن إقامة سلطة مدنية علمانية هي السبيل الوحيد لحماية حقوق جميع المواطنين والأديان، مؤكدًا أن الحزب يتبنى نهجًا علمانيًا يشمل كافة الطوائف.
وانتقد الأحمد أداء واشنطن والغرب تجاه سوريا، مشيرًا إلى أنه لا يبعث على التفاؤل. لكنه شدد على أن أي خطوة تساهم في تعزيز الديمقراطية والتخلص من إرث الماضي قد تكون محل قبول إذا كان الهدف منها خدمة مصلحة الشعب السوري.
وشدد الأحمد على ضرورة إقامة دولة مدنية علمانية في سوريا تضمن وحدة الأراضي وسيادة الدولة على كافة أراضيها بعيدًا عن التدخلات الخارجية. وأكد أن الحكم الديمقراطي الذي يتيح الفرصة للجميع دون فرض أيديولوجيات عقائدية محددة هو السبيل لضمان استقرار سوريا وجعلها دولة حديثة ومتقدمة. وأضاف: "لا يهمنا من يحكم سوريا، بقدر ما يهمنا أن يكون الحكم ديمقراطيًا يعبر عن إرادة الشعب ويحترم التعددية الفكرية".
الأحمد: استمرار الأزمة في سوريا سيطال الدول العربية
وحول تأثير الأزمة السورية على المنطقة العربية، أكد الأحمد أن سوريا تحتل موقعًا استراتيجيًا يجعلها في قلب العالم العربي، مما يجعل كل ما يجري فيها ينعكس بشكل مباشر على دول الجوار والمنطقة ككل. وأشار إلى أن استمرار الأزمة يشكل خطرًا كبيرًا على دول الخليج والنفط، وكذلك على العراق ولبنان والأردن ومصر وحتى أفريقيا.
وأوضح الأحمد أن تجاوز هذه الأزمة يتطلب تعاونًا عربيًا جادًا، خاصة من الدول الكبيرة مثل مصر والسعودية، بالإضافة إلى الضغط على تركيا لتجنب أي دعم للتقسيم أو التطهير العرقي في سوريا. وحذر من أن أي انزلاق نحو حكم طائفي أو عرقي من شأنه أن يفتح الباب أمام تجدد الصراع على غرار ما حدث في لبنان بعد اتفاق الطائف.