"الفركة".. حرفة تقاوم الزمن وتفتح بيوت سيدات بالصعيد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تعد صناعة الفِركة الفرعونية من الحرف والصناعات اليدوية التراثية الأكثر شهرة بالقرى والنجوع المنتشرة بصعيد مصر، لاسيما بمحافظتي الأقصر وقنا، ولكنها مهددة بالاختفاء، بعد تراجع الطلب عليها وغلاء الخامات وتراجع الإقبال على المهنة، حيث يعد مركز نقادة في الشمال الغربي من محافظة الأقصر، رائد صناعة الفركة في جنوب الصعيد، وتحاول المهنة من خلاله دخول بؤرة الاهتمام مجدداً.

يعود جذور حرفة الفركة إلى عصور الفراعنة، حيث اشتهرت بها مدينة نقادة منذ الآلاف السنين، فهي كانت تستخدم لتصنيع أكفان الموتي وملابس الكهنة، واكتشف ذلك أثناء التنقيب الأثري عام 1907 عندما وجد حجرة أعدت لنسج الخيوط بنول الحفرة المستخدم حاليا في نقادة.

وتعتمد الفركة، في صناعتها على النول اليدوي الفرعوني الذي يتواجد مقابل لحفرة فى الأرض على عمق متر أو أكثر، وكذلك دخل في صناعتها النول الحديث الذي يعلو ارتفاعه عن الأرض، وتصنع السيدات الفركة، من خيوط الحرير أو الكتان أو الفبران باستخدام النول اليدوي، حيث يتم إنتاج الشال من خيوط الحرير ذات ألوان موحدة، ومع الحداثة بدأ الصانعون ينتجون شيلان من ألوان ورسومات مختلفة يشاركون بها فى المعارض والمحافل الكبرى وكذلك تسوق إلى عدد من البلدان الأفريقية والأوروبية وللسائحين عند زيارتهم لمصر والأماكن السياحية مثل الأقصر والغردقة.

ما هي الفركة

وحول الفركة، تقول هدى كمال الدين، مدربة لهذه الحرفة: إن الفركة هي عبارة عن منسوجات يدوية بمعدات النول من خيوط القطن والحرير والكتان وهى أحد أشكال النول اليدوى لإنتاج أقمشة وشيلان يدوية، كما تعتبر الزى المفضل للمرأة الأفريقية ومطلباً للسياح، وتتميز بأنها ما زالت تحافظ على تقاليدها القديمة بمراحلها التقليدية للمنسوجات دون أى تدخل من تجهيز أو خياطة، كما أنها مهنة لتعليم الفتيات اللى عايزة تاكل عيش.

وأضافت هدى، أن مدينة نقادة هى أساس حرفة الفركة منذ عهد الفراعنة وأغلب الفتيات يعملن فيها خاصة في قرى الضبع والخطارة اللتين تشهدان رواج تلك الحرفة، وبإمكان الفتاة هناك إنتاج شال أو اثنين فى اليوم، والشال بيتكلف من 100 أو 150 جنية فأكثر حسب جودته ويتم رفع السعر خلال عملية التسويق، موضحة أن غلاء أسعار الخيوط وتراجع الإقبال أضر بالمهنة، كما أن الدخل يحسب بالإنتاج مما يعد ظلم للعاملات فى مهنة الفركة، لذلك نطالب بوجود مرتبات ثابتة، لانها مهنة متعبة ومن سلبياتها التأثير على الإبصار وآلام الضهر المتكررة بسبب الجلوس لفترات طويلة خلال العمل، ولكن من مميزاتها أن العمل بها يمكن من داخل البيت.

وتابعت، أن حرفة الفركة فى نقادة على وشك الاندثار بسبب وجودها دون تطور على المنتج الذى تقدمه من رسومات وألوان وأشكال، حيث اعتمدت على إنتاج الشال والإيشارب والطرح للسيدات، مضيفة أن إدخال أشكال جديدة على الصناعة سيساعد فى تطويرها بدلًا من تراجعها، لاسيما الأشكال التى تتماشى مع الموضة ومع أذواق الشباب والنساء فى الوقت الحالى وهذا سيجعلها تعود إلى ما كانت عليه فى السابق وتنتشر من جديد ويمكن تصديرها إلى الخارج بشكل مكثف.

فيما قالت سيدة محمود، إحدى السيدات العاملات بالمهنة، إن الفركة تمر بعدة مراحل تبدأ بشراء خيط الحرير الصناعى الأبيض وتلوينه حسب الطلب بالأصباغ المختلفة عن طريق وضعها فى "عجانية"، والثانية لف الخيط على بكرة باستخدام الـ"عجلة"، وشده على النول لبدء لعملية النسج وبعدها يتم لف الخيوط عن طريق تمرير ما يسمى بالمكوك، وأخيراً التصنيع بالمكوك على النول وهو الجزء الذى يحدد الشكل حسب الطلب والرغبة فى إدخال أشكال جديدة، وتتطلب عملية شد النول دقة متناهية وقوة تحمل، ليخرج فى النهاية منتج الفركة وهو الشال أو الإيشارب.

وأشارت سيدة، إلى أن الصناعة تعتمد على الصبر ويعمل فيها عشرات الأسر فى المدينة بالوقت الحالى وكانت تمثل فى السابق مصدر دخل رئيسى لمئات وآلاف الصناع، حيث كانت تصدر إلى السودان لزيادة الإقبال على شرائها هناك فى وقت سابق واستخدامها فى طقوس الولادة وتراجع العمل فيها بالوقت الحالي، مضيفة أن التسويق كان يعتمد على السياحة وعدد من الدول الأفريقية التى تفضل أزياء الفركة، مطالبة بضرورة اهتمام الدولة وبرنامج التنمية المحلية بالسيدات العاملات فى الفركة بتوفير رعاية صحية لهن وإقامة برامج تدريبية متخصصة وزيادة التنسيق بين مراكز التدريب لتبادل الخبرات.

محاولات لإعادة إحياء مهنة الفركة

وخلال الفترة الماضية، ظهرت عدة محاولات للحفاظ على تلك الحرفة اليدوية التراثية ذات البعد التاريخي، حيث قال رشدي صبحي مسئول لأحد الجمعيات التنموية بالأقصر، وأحد خريجي برامج التبادل الثقافي المصري الأمريكي الممول من السفارة الأمريكية بالقاهرة؛ أن حرفة الفركة تُعد جزءً لا يتجزأ من التراث الأصيل، ومن أبرز الموروثات والأكثر شهرة بالقرى والنجوع وتنتشر بين سيدات وفتيات الصعيد، كما أنها تعد الزي الرسمي للمرأة الأفريقية التي ترتدي ملابسها من المنسوجات اليدوية، سواء في مرحلة التصنيع أو الخياطة.

وأضاف صبحي، أن الأسر النقادية تعمل بالفركة في المنازل فى المدينة أو القرى التى تتبع لها لذلك أطلق عليها مهنة الستر، حيث تستر العاملين فيها وتوفر لهم دخل ولكن لا تغنيهم نظرًا لدخلها الضعيف، لكن تراجعت بشكل كبير وملحوظ، وباتت مهددة بالانقراض بسبب المعاناة التي تواجهها عملية تسويق المنتج، حيث تراجع عدد النول اليدوي في نقادة ليصبح العدد الإجمالي أقل من 250 نولًا بعدما كان يعمل معظم سكان المدينة في الصناعة، وبعد أن صدر مركز الفركة للنول اليدوي بنقادة في وقت سابق منتجات إلى دول أوروبية وسجلت ضمن النسيج اليدوي بالصعيد على قوائم الصون  للتراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونسكو.

وأشار صبحي، إلى أن محاولاته لإحياء تلك الصناعة الهامة تتوجت بالفوز في مسابقة Give It Back IV 2021 التي تنظمها السفارة الأمريكية، لتنفيذ مشروع إحياء حرفة «الفركة»، موضحا أن الفكرة ولدت خلال تنفيذ مشروع لمحو امية مجموعة من الفتيات بقرية نقادة؛ واكتشفت أن تعلم القراءة والكتابة لابد من ربطه بتعلم حرفة؛ لخلق الدافعية القوية لدى المتعلم، ومن هنا جاءت فكرة تدريب الفتيات والسيدات على حرف يدوية بجانب محو أميتهن، ووجدت أن قرية نقادة تشتهر بتلك الحرفة التراثية، التي تُعد مصدر دخل وباب رزق لكثير من سيدات القرية، يمارسونها من المنزل؛ طالما تمتلك نول الفركة، وتستطيع ربة المنزل أن تعمل بتلك الحرفة مع تدبير أعمالها المنزلية دون أي معوقات.

 

وأوضح صبحي، أنه تم البدء في تنفيذ المشروع وفي الوقت الذي تعاني فيه حرفة الفركة من عدة مشكلات، أهمها تسويق المنتج نتيجة زيادة سعر المادة الخام من حين لأخر، وقلة العائد المادي لها، ولكن سعينا لتحقيق الهدف الرئيس من المشروع وهو إحياء تلك الحرفة والمحافظة على استمرارها قدر المستطاع وحمايتها من الاندثار، وبعد نهاية الثلاثة أشهر الأولى من عمر المشروع تم قياس التجربة على الفتيات، والوقوف على حجم الإنتاج، والشروع في الحصول على منحة من جهة ممولة؛ لتدريب فتيات وسيدات أخريات، وذلك من خلال مشروع بمدة زمنية أطول لا تقل عن سنتين لتدريبهن على صناعة الشال الواحد، التي تمر بمراحل عدة، وكذا تعريفهن بآليات التسويق وطرق الحصول على تمويل شخصية، وتدريبهن على التعاملات الإلكترونية في التسويق والبيع وإنهاء الإجراءات الحكومية، في الوقت الذي تهتم فيه الدولة بنشر ثقافة ريادة الأعمال وإنشاء المشروعات الصغيرة والمحافظة على الحرفة اليدوية من الاندثار.

 

مدينة نقادة تنتج أو أول فستان كامل من إنتاج خيوط الفركة

 

جدير بالذكر، أن مدينة نقادة شهدت إنتاج أول فستان نسائي كامل من خيوط الفركة لأول مرة على يد الحرفيين فى تلك الصنعة ومن خيوط الحرير التى تعد على نول سياحى أو نول فرعونى يدوى فى أحد المنازل التابعة لجمعية تنموية والبدء فى بيعه بالطلب أو التعاقد مع شركات، حيث تم تصنيع الفستان لأول مرة من النول اليدوى وخيوط شركة مصرية وليست مستوردة كما فى الصناعات الأخري، ويمتاز بالدفء فى فصل الشتاء ونعومته فى فصل الصيف، بالإضافة إلى ألوانه الطبيعية والمميزة والرسومات التى تزينه وجميعها كانت أعمال يدوية.

صناعة الفركة (1)
صناعة الفركة (1)
صناعة الفركة (1)
صناعة الفركة (1)
صناعة الفركة (2)
صناعة الفركة (2)
صناعة الفركة (3)
صناعة الفركة (3)
صناعة الفركة (4)
صناعة الفركة (4)
صناعة الفركة (5)
صناعة الفركة (5)
صناعة الفركة (6)
صناعة الفركة (6)
صناعة الفركة (7)
صناعة الفركة (7)
صناعة الفركة (8)
صناعة الفركة (8)
صناعة الفركة (9)
صناعة الفركة (9)

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق القاهرة الإخبارية: الاحتلال يهدم عدة منازل جنوبى سوريا
التالى محافظ بني سويف يتفقد فرع الشركة المصرية لتجارة الجملة للاطمئنان على توافر السلع