الإثنين 09 ديسمبر 2024
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
سياسة
تعتمد افتتاحية العدد الأخير 472 لصحيفة النبأ، التي يصدرها تنظيم داعش، والصادر مساء الخميس 5 ديسمبر 2024، على أسلوب خطابي معقد ومشحون بالعواطف، يسعى التنظيم من خلاله إلى تقديم رؤية أيديولوجية تبريرية لسلوك ومواقف تنظيم داعش فى المشهد السوري والدولي.
ويتجلى ذلك في استخدام خطابٍ يشدد على الطابع الديني المطلق لمشروع التنظيم، ويصور نفسه كبديل وحيد للأنظمة القائمة والممارسات الدولية. من خلال هذا المنهج، يروج الخطاب لفكرة أن داعش هو الحامل الوحيد للحق الإسلامي في مواجهة القوى الغربية والإقليمية، معتمدًا على العاطفة الدينية لتعزيز الشرعية.
يمكن تفكيك النص إلى محاوره الأساسية التي تشمل التأطير الأيديولوجي المغلق، شيطنة الخصوم، ورفض أي حوار أو تعددية فكرية. وهذا الخطاب يعكس محاولة لإعادة إنتاج شرعية تنظيم داعش في مرحلة يمر فيها بفقدان متسارع للنفوذ، ويعجز عن تقديم مشروع متماسك يمكن أن يجذب الجمهور.
ويظهر الخطاب من خلال هذه العناصر محاولة يائسة للتأكيد على بقاء التنظيم كفاعل رئيسي في المشهد السوري والدولي.
عند مقارنة خطاب داعش بخطاب هيئة تحرير الشام، يتبين التشابه الواضح بين التنظيمين في تبنى أيديولوجيات إقصائية، وتقديم نفسيهما كبديل وحيد للمجتمعات التي تحكمها.
كلاهما يُظهر فشلًا في تقديم رؤية سياسية أو اجتماعية مستدامة على الأرض، ويعاني من انقسامات داخلية تحد من قدرته على فرض استقرار طويل الأمد.
في النهاية، يكشف كلا الخطابين عن محاولة للإصرار على قوة إسلامية شاملة، بينما يتجاهلان الواقع المحلي والتحديات التي يواجهها كل منهما في ظل تعقيدات الوضع السوري والدولي.
توظيف الدين والسياسة
الافتتاحية تستند إلى ربط الأحداث السياسية بالمرجعية الدينية، حيث تقدم الصراعات في سوريا على أنها امتداد لصراع "جاهلي" بين "أعداء الإسلام" والدولة الإسلامية.
يُظهر الخطاب تعمدًا لشيطنة الأطراف الأخرى، سواء الفصائل السورية المعارضة أو التحالفات الإقليمية والدولية، في مقابل تقديم التنظيم كـ"حامل لواء الإسلام الحقيقي".
ويتسم الخطاب بتناقض منهجي واضح؛ إذ يهاجم التنظيم الفصائل السورية، متهمًا إياها بالخضوع للإرادات الدولية والسعي لإقامة دولة وصفها بـ"الجاهلية"، فى حين يتغاضى عن فشله الذريع فى إقامة مشروع "الدولة الإسلامية" بشكل مستدام.
هذا الفشل لا يقتصر فقط على الجوانب التنظيمية والإدارية، بل يمتد إلى افتقار المشروع لأى قبول شعبي بين السكان المحليين، الذين عانوا من ممارسات التنظيم القمعية والاستبدادية، مما أدى إلى رفضهم لهذا النموذج بشكل واسع.
إلى جانب ذلك، يُلاحظ في الخطاب إسقاط تاريخي مجتزأ، حيث يستند إلى مفهوم "سنة التدافع" لتبرير استمرار العنف، لكنه يقدمه بطريقة انتقائية تخدم رؤيته الأيديولوجية.
يغفل النص السياقات التاريخية والاجتماعية الأوسع التي تجعل مفهوم "التدافع" أكثر تعقيدًا وتشابكًا مما يُطرح في هذا الخطاب، متجاهلًا التحديات الواقعية التي تواجه أي مشروع سياسي أو اجتماعي في مثل هذه البيئة المضطربة.
٢. إطار الضحية والتمايز الأخلاقي
النص يسعى لتقديم داعش كضحية لمؤامرة كونية تضم "التحالف الصليبي-اليهودي-الرافضي". كما يحاول التمييز بين "دولة الإسلام" و"الثورات الجاهلية" التي يرى أنها تتبنى خطابات وطنية ومدنية تتعارض مع مفاهيم "الخلافة الإسلامية".
وهنا يعمد التنظيم إلى تصوير نفسه كضحية "لمؤامرة دولية كبرى" يقودها المجتمع الدولي لتحطيم مشروعه، مستخدمًا هذا الوصف لإثارة مشاعر التضامن بين أنصاره وإقناعهم بضرورة الاستمرار في القتال.
إلا أن هذا الخطاب يتناقض بشكل صارخ مع الجرائم الموثقة التي ارتكبها التنظيم بحق المدنيين فى سوريا والعراق، بما في ذلك المجازر الجماعية، الاستعباد الجنسي، والتهجير القسري. هذه الجرائم لا يمكن تبريرها أو نفيها، حيث وثّقتها منظمات حقوقية دولية مستقلة وشهادات الناجين.
بدلًا من أن يتحمل التنظيم مسئولية هذه الانتهاكات التي قوّضت شرعيته بين السكان المحليين، يتبنى خطابًا دعائيًا يسعى إلى تحويل الأنظار عن ممارساته القمعية من خلال الادعاء بأنه الطرف المظلوم، وهو تكتيك دعائي شائع لدى الحركات المتطرفة لتبرير أفعالها وحشد الدعم بين أنصارها.
كما يهاجم التنظيم الفصائل السورية بشكل متكرر بسبب تواصلها مع الأطراف الدولية واتخاذها خطوات يعتبرها تنازلات لتمكين المجتمع الدولي من التدخل في الشأن السوري.
ومع ذلك، يتجاهل التنظيم تمامًا حقيقة اعتماده في مراحله المبكرة على شبكات تمويل ودعم خارجي مشابهة لتلك التي ينتقدها الآن.
فعلى سبيل المثال، استفاد التنظيم في بداياته من الدعم المالي واللوجستي القادم من مصادر خارجية، سواء عبر شبكات تبرعات غير رسمية أو من دول وأفراد، الذين اعتبروا التنظيم حليفًا استراتيجيًا فى مواجهة أنظمة معينة أو جهات معادية.
كما استغل التنظيم تهريب النفط والآثار من المناطق التي سيطر عليها كمصدر تمويل رئيس، وهى أنشطة تعتمد بشكل مباشر على شبكات دولية.
إن هذا التناقض الواضح بين خطاب التنظيم وواقعه يكشف عن ازدواجية عميقة فى معاييره، حيث ينتقد بشدة الممارسات التى كان يعتمد عليها بشكل أساسى لتحقيق أهدافه.
هذا النفاق فى الخطاب يشير إلى سعى التنظيم لتشويه صورة خصومه من جهة، مع تبييض تاريخه الخاص والتغطية على دوره فى بناء علاقات معقدة مع أطراف دولية وإقليمية لتحقيق مصالحه من جهة أخرى.
شحن عاطفى وأسلوب استقطابي
الافتتاحية تعتمد على لغة مشحونة عاطفيًا، مليئة بالمفردات الدينية مثل "الطواغيت"، "الردة"، "الخلافة"، و"سنة التدافع"، بهدف استقطاب القراء وإثارة مشاعر الغضب والحماس. كما يسعى إلى ترسيخ مفهوم الولاء للتنظيم باعتباره "الممثل الحقيقى للإسلام".
يتسم خطاب التنظيم بطابع إقصائى شديد، حيث لا يعترف بأى آراء دينية أو سياسية تختلف عن رؤيته المتشددة. فى هذا السياق، يصنف التنظيم جميع الأطراف التى لا تتبنى أيديولوجيته المتطرفة كـ"مرتدين" أو "جاهليين"، الأمر الذى يعكس تحجرًا فكريًا وعقائديًا.
يتم استخدام هذا التصنيف لتبرير العنف والقتل ضد من يعارضون رؤيته أو ينتمون إلى مدارس فكرية ودينية أخرى. لا يقتصر هذا على الجماعات السياسية الأخرى، بل يشمل أيضًا المفكرين والعلماء الذين لا يتفقون مع تفسير التنظيم الحرفى للدين.
هذا التصنيف لا يعترف بالتنوع الدينى والفقهى فى الإسلام، ويُستخدم كأداة لفرض الهيمنة الفكرية، من خلال استبعاد أى خيارات فكرية أو سياسية قد تساهم فى بناء مجتمعات أكثر تنوعًا وشمولية. التنظيم بذلك يفرض رؤية ضيقة للواقع، تهدف إلى تقليص الحوار الدينى والسياسى وتدعيم السلطة المطلقة له.
وفى سياق رؤيته الأحادية، يتجاهل التنظيم تمامًا التعددية الثقافية والدينية التى تشكل أساس المجتمع السوري، بل يعتبرها تهديدًا لنهجه. يرفض التنظيم فكرة التعايش السلمى بين مختلف الأقليات الدينية والطائفية فى سوريا، ويصنف أى محاولة للتعاون أو التعايش مع هذه الأقليات كـ"خيانة" للإسلام.
على سبيل المثال، يعتبر التنظيم أى حوار أو شراكة مع الأقليات المسيحية أو العلوية أو حتى الفصائل الإسلامية الأخرى التى لا تتبنى أيديولوجيته كنوع من التنازل عن "الثوابت" الإسلامية التى يراها التنظيم.
هذا الموقف يتناقض بشكل صارخ مع الموروث الإسلامى التاريخى الذى شهد نماذج متعددة من التعايش بين المسلمين وغير المسلمين فى فترات مختلفة من التاريخ الإسلامي، حيث كان المسلمون يعيشون جنبًا إلى جنب مع مختلف الأديان والطوائف فى بيئة من التسامح والتعايش.
ما يطرحه التنظيم هو فهم أحادى للدين والإسلام، يعزل المجتمعات عن واقعها المتنوع ويحاول فرض رؤية دينية متشددة تسعى إلى القضاء على كافة أشكال التعددية، سواء كانت دينية، ثقافية أو حتى سياسية.
هذا الموقف يعكس فهمًا مشوهًا للإسلام ويعزز العزلة والتطرف بدلًا من تعزيز الحوار والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع.
نقد الفصائل وتبرير الفشل
النص يُهاجم الفصائل السورية بأنها تخدم المصالح التركية والغربية، ويصورها كأدوات لتنفيذ أجندات خارجية. فى المقابل، يقدم التنظيم نفسه على أنه "المشروع الإسلامى الحقيقي" الذى يعمل خارج نطاق المصالح الدولية.
يعمد خطاب تنظيم داعش إلى تجاهل أو إغفال الانقسامات العميقة داخل التنظيم نفسه، سواء على المستوى القيادى أو الميداني، والتى كانت أحد الأسباب الرئيسية لفشله فى تحقيق استقرار دائم.
رغم ادعائه بأن مشروعه هو المشروع الإسلامى الصحيح، إلا أن الواقع يعكس صورة مغايرة، حيث شهد التنظيم العديد من التوترات والانشقاقات بين قياداته فى مختلف الفترات.
فقد شهد التنظيم صراعات داخلية حادة بين أجنحته المختلفة، سواء على مستوى القيادة العليا مثل الخلافات مع الشخصيات البارزة كـ"أبو محمد العدناني" أو "أبو بكر البغدادي"، أو على مستوى الجبهات الميدانية فى مناطق مثل سوريا والعراق.
هذه الانقسامات أثرت بشكل كبير على قدرتهم على الحفاظ على الاستقرار فى المناطق التى سيطروا عليها، حيث ظهرت جماعات داخلية تحاول الخروج عن سلطة القيادة المركزية، وتلجأ أحيانًا إلى مواجهات دامية مع بعضهم البعض.
هذه الصراعات الداخلية تكشف عن هشاشة المشروع الذى يروج له التنظيم، حيث يكشف عن فشله فى بناء هيكلية تنظيمية متماسكة وموحدة.
تشبه هذه الحالة بشكل كبير ما يحدث داخل تنظيم هيئة تحرير الشام فى سوريا، حيث يعانى التنظيم من صراعات داخلية بين فصائل مختلفة، وتحديدًا بين قياداته العسكرية والدينية، مما يؤثر على استقرارهم الداخلى وأدائهم الميداني.
كما أن هيئة تحرير الشام، مثل داعش، تعانى من ضغوط خارجية وداخلية قد تؤثر على استراتيجياتها وطموحاتها فى الحفاظ على السلطة فى مناطق نفوذها، بما فى ذلك تحديات السيطرة على الأراضى والإدارة المحلية.
وبالرغم من الهجوم العنيف الذى شنته الهيئة على بعض الفصائل الأخرى فى شمال سوريا، إلا أن الخلافات البينية بين مجموعاتها قد تظل تهديدًا لاستقرار التنظيم.
ورغم الهجوم المستمر لتنظيم داعش على النظام الدولي، إلا أن الخطاب يفتقر إلى تقديم بديل عملى أو رؤية واضحة حول كيفية إدارة دولة إسلامية فى سياق دولى معقد.
يقدم التنظيم صورة مثالية لدولة إسلامية تحكم وفقًا للشريعة الإسلامية، ولكن دون أن يتطرق إلى تحديات حقيقية تواجه هذا المشروع فى الواقع المعاصر.
من المفترض أن يتعامل التنظيم مع قضايا معقدة مثل الاقتصاد، العلاقات الدولية، حقوق الإنسان، والبيئة الجيوسياسية المتغيرة، لكنه يتجنب تقديم حلول عملية لهذه التحديات.
إن مجرد الاعتماد على تفسير ضيق للشريعة لا يكفى لبناء دولة مستقرة، خاصة فى عالم معولم يعتمد على التفاعلات السياسية والاقتصادية المعقدة بين الدول.
فى هذا السياق، يتشابه خطاب تنظيم داعش مع بعض مواقف هيئة تحرير الشام، التى تدعى أنها تسعى لتأسيس دولة إسلامية فى شمال سوريا، ولكنها لا تقدم رؤية عملية واضحة حول كيفية التعامل مع التحديات السياسية والدولية.
على الرغم من محاولات الهيئة السيطرة على بعض المناطق، إلا أن هناك افتقارًا لخطة واضحة بشأن إدارة تلك المناطق أو التفاعل مع القوى الدولية والإقليمية الكبرى.
كما أن فشل كل من داعش وهيئة تحرير الشام فى تقديم بديل عملى وواقعى يعكس ضعف قدرتهم على بناء مشروع سياسى قابل للحياة على المدى الطويل، مع تعارضه مع الواقع المعقد للمجتمعات المعاصرة.
إعادة إنتاج "اليوتوبيا الداعشية"
النص ينتهى بالتأكيد على "بقاء الدولة الإسلامية" واستمرار "الجهاد" كنهج لا يخضع للمصالح الدولية. هذه الفقرة تعكس محاولة لإحياء الأمل بين الأنصار، خاصة بعد الضربات الموجعة التى تلقاها التنظيم فى السنوات الأخيرة.
يظهر خطاب تنظيم داعش إصرارًا مستمرًا على تصوير نفسه كقوة مستقلة وقوية، قادرة على إقامة "دولة إسلامية" فى قلب المنطقة. ولكن هذا التصور يتناقض بشكل صارخ مع الواقع الذى يعيشه التنظيم فى الوقت الراهن.
فبعد الهزائم العسكرية الكبرى التى منى بها فى العراق وسوريا، وتعثر مشروعه فى العديد من المناطق التى كان يسيطر عليها سابقًا، بات التنظيم يعانى من التفكك وانهيار هياكله العسكرية.
فهو اليوم بعيد عن كونه قوة متجذرة كما يروج له، بل يعانى من فقدان للسيطرة الجغرافية على الأراضى التى كان قد أطلق عليها اسم "الخلافة"، الأمر الذى يعكس تآكلًا تدريجيًا فى قدراته التنظيمية والميدانية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التنظيم يعانى من تشرذم داخلى بين أجنحته المختلفة، ما يجعل حديثه عن الاستقلالية والتماسك بعيدًا عن الواقع الذى يواجهه على الأرض.
وإن هذه الحالة من التراجع والانقسام داخل تنظيم داعش تتشابه مع ما يعانيه تنظيم هيئة تحرير الشام فى شمال سوريا. رغم أن الهيئة قد نجحت فى فرض سيطرتها على بعض المناطق، إلا أنها لا تزال تشهد تراجعًا فى قوتها العسكرية والنفوذ الجغرافي، خاصة بعد العديد من المعارك مع فصائل أخرى فى المنطقة.
إن الهيئة، على الرغم من محاولة المحافظة على تماسكها الداخلي، تشهد أيضًا تفككًا بين قياداتها وأجنحتها المختلفة، مما يضعف قدرتها على بسط النفوذ فى مناطق واسعة.
كما أن محاولاتها لتقديم نفسها كقوة مستقلة ومتجذرة تخالف الواقع الذى يعكس واقعًا ميدانيًا أكثر تعقيدًا حيث تعانى من صراعات داخلية متواصلة وتأثيرات خارجية مؤثرة.
كما يتجنب خطاب تنظيم داعش بشكل مستمر التطرق إلى الأخطاء والإخفاقات التى واجهها فى مسيرته، سواء كانت إخفاقات عسكرية أو إدارية، مما يعكس عجزًا كبيرًا عن إجراء مراجعة ذاتية حقيقية.
فالتنظيم، على الرغم من الهزائم العسكرية الفادحة التى تعرض لها، لا يعترف علنًا بتلك الإخفاقات أو يتخذ خطوات حقيقية لتصحيح مساره. بل على العكس، يبدو أن الخطاب التنظيمى يظل متمسكًا بتصوراته المثالية التى تنبنى على فرضيات غير واقعية، حيث يتم تحميل الآخرين المسئولية عن فشل المشروع.
هذا الرفض للمراجعة يعد من أهم أسباب انهيار التنظيم، حيث إن القدرة على الاعتراف بالخطأ وإجراء التعديلات اللازمة هى من الأسس التى تساهم فى تطور أى حركة أو تنظيم.
هذا الأمر يتشابه مع هيئة تحرير الشام، التى رغم محاولاتها المتكررة لإظهار نفسها كقوة إسلامية ناجحة، فإنها تتجاهل العديد من الإخفاقات التى مرّت بها، سواء على المستوى العسكرى أو السياسي.
فإدارة الهيئة لمناطق سيطرتها شهدت تراجعات فى بعض المجالات مثل الاقتصاد والحكم المحلي، ومع ذلك لا يبدو أن هناك اعترافًا حقيقيًا بتلك المشكلات أو مساعٍ حقيقية لحلها.
كما أن الهيئة كانت ولا تزال ترفض إجراء مراجعات جذرية حول نهجها العسكرى أو السياسي، مما يساهم فى ضعف استراتيجياتها وتشتت مواقفها أمام تحديات الواقع المتغير فى سوريا.
خلاصة نقدية
تُظهر الافتتاحية أن خطاب تنظيم داعش يتسم بالتأطير الأيديولوجى المغلق الذى يعزل التنظيم عن أى رؤية أخرى مغايرة، محاولًا فرض نفسه كبديل وحيد للواقع الذى يعيشه الناس فى مناطق سيطرته.
يعتمد الخطاب على شيطنة الخصوم وتصويرهم كأعداء لله وللإسلام، مستخدمًا العاطفة الدينية كأداة جذب وتعاطف مع أنصاره. من خلال هذا الأسلوب، يحاول التنظيم إضفاء طابع ديني مطلق على مشروعه، مما يعزز فكرة أنه الوحيد القادر على تحقيق "العدالة" و"الشرعية" فى عالم تحكمه القوى الدولية.
مع ذلك، يعانى الخطاب من تناقضات جوهرية، حيث يتجاهل الواقع الاجتماعي والسياسي المعقد في المناطق التى يسعى لتنظيمها، مما يعكس عدم القدرة على فهم البيئة التى تعمل فيها هذه الجماعات.
كما أن الخطاب يتبنى رؤية إقصائية لا تعترف بتعددية المجتمعات ولا تتيح أى مساحة لرؤى دينية أو سياسية مختلفة، وهو ما يتناقض مع الموروث الإسلامي التاريخي الذى قام على التعايش والتعددية.
يشترك تنظيم داعش في العديد من الخصائص مع هيئة تحرير الشام، إذ يعانى كلا التنظيمين من أيديولوجيات إقصائية تحاول فرض نفسها كبديل لكل الأطر السياسية والدينية الأخرى.
كما أن كلا التنظيمين يُظهر فشلًا فى تحقيق استقرار سياسي واجتماعي طويل الأمد، ويعانى من انقسامات داخلية تؤثر على قوتهم ونفوذهم. ففى حين أن داعش يُظهر نفسه كقوة إسلامية قادرة على تغيير العالم، لا يُظهر أى منهما قدرة حقيقية على تقديم مشروع متماسك يقنع المجتمعات المحلية أو يعكس فهمًا واقعيًا للتحديات المعقدة التى تواجهها المنطقة.