كان التحدى الكبير فى رواية الغواص للروائية الدكتورة ريم بسيوني هو صدورها بعد أربع روايات حققت نجاحًا كبيرًا واهتمامًا واسعًا من القراء والنقاد ولهذا تجد الدكتورة ريم فى كثير من أحاديثها تصرح بأن رواية "الغواص" هى أصعب رواية كتبتها خاصة وأنها كانت ترى أن الإمام الغزالي مفكرا عبقريا -والحق هو فعلا يستحق هذا الوصف - ومن هنا كانت حيرة الروائية الشديدة فى كيفية الكتابة عن حياته الخاصة وتعامله مع زوجته وأولاده.
لكن بصدق هى أبدعت فى الكتابة عن حياته الخاصة وعن رفيقة دربه وكيف تعرف عليها وسردت ذلك ببراعة أدبية متفردة وبأسلوب جميل وممتع ..
بدأت تمهد لزواجه بعد أن أصبح الفتى محمد الغزالي إمام خراسان وهو لم يتعد الثامنة والعشرين من عمره وقد أنشغل العامة بأمر هذا الإمام.. فالرجال تحسده على طلاقة لسانه، وسرعة البديهة، والنساء كلهن بلا استثناء تطمح إلى زواجه منهن وكان تساؤل الجميع هو كيف لهذا الإمام أن يشارف الثلاثين، ويبقى بلا زوجة أو جارية؟ وعن أى شئ يبحث ويريده في المرأة؟ لقد اعتاد هذا الإمام أن يعرض عليه وزير أوأمير أو قاض ابنته للزواج، وتعلَّم بمهارة وببراعة أن يرفض في أدب.
كان عليها أن تقديم كيفية لقاء هذا الإمام مع رفيقة دربه والحل هو أن يبعث الفقيه عبد الله الدمشقي إلى الإمام الغزالي برسالة يخبره بأنه يود زيارته فيدعوه الإمام بعد أن سمع عنه وعن مدحه له للتدريس فاستجاب فورًا ولملم أشياءه واصطحب زوجته وجاريته وابنتيه الكبرى عزيزة وهى متزوجة والاصغر منها ثريا وهى آنسة .
ولم تفهم زوجة الشيخ عبد الله سبب هذه الرحلة الشاقة، فهى لا تعرف ما يدور في عقل زوجها، ولكنه قال لها في ثبات:
- يا امرأة، الإمام الغزالي إمام خراسان رجل من زمن غير زماننا، يستحق الرحلة والتعب، ولو تزوج ثريا ابنتنا نصبح أقارب الخلفاء والسلاطين.
هكذا باح الشيخ عبد الله الدمشقي بسبب هرولته وخطته السرية لزوجته من أجل أن يعرض ابنته على الإمام ليتزوجها.. لكن زوجته قالت في ريبة: ولو لم يتزوجها؟ فكان جوابه: إذن نستفيد من علمه وقربه.
المهم ان هذا الفقيه الدمشقي جمع كل أمواله، وحولها إلى أطواق من الذهب، ووضعها حول خصر زوجته وابنتيه وتوجه إلى حيث دعاه الإمام.. لكن ابنته الكبيرة عزيزة كانت مترددة فى السفر مع والدها وفكرت في البقاء في دمشق مع زوجها تاجر الأقمشة، ولكنها أشفقت على نفسها من فراق الأهل، وأستطاعت أن تقنع زوجها أن يبحث عن رزق في هذا البلد الجديد، فللتجار رزق في كل بلد.
عند وصول الشيخ الدمشقي الى خراسان استأجر بيتًا مجاورًا لبيت الإمام، وانتظر يوم زيارته كأنه يوم تحقيق كل الأحلام.
ثم أكملت بأن والد ثريا الشيخ عبد الله الدمشقي كان يرتجف هيبة من زيارة الإمام محمد الغزالي له.. فكان يدور حول نفسه، يجهز الطعام، ويطلب الشراب... يزجر زوجته، ثم يحمل الطعام من الأرض قائلًا لزوجته: هل جننت؟ هل سيأكل إمام خراسان على الأرض مثلنا يا امرأة؟ هنا في بلاد الفرس يأكلون على سفرة أعلى من الأرض، ويبدأ أكلهم بالفاكهة ثم اللحم..
ثم اتجه إلى زوج ابنته عزيزة التاجر، وقال: إياك أن تمد يديك إلا من أمامك، وإياك أن تأخذ من طبق اللحم بالخبز الذي أكلت منه.. هنا آداب للطعام، نحن في حضرة الأمراء والسلاطين فنظر إليه في امتعاض، ولم يُجب، ولكن عزيزة ابنته بتلقائيتها قالت لأمها في عتاب: أبي يتعامل مع زوجي كالخادم، وهو من ضحى بتجارته ليصحبنا.. لن أتحمل أن أراه يُهان أمامي.
وفى الموعد المحدد لزيارة الإمام دق الباب، فكادت ثريا ابنة الشيخ تسمع دقات قلب والدها من الدور الأول في البناية وهي تطل من النافذة.. انحنى والدها أمام القادم، وقال: السلام عليكم، أهلًا بالأستاذ والإمام، سيف الدين وإمام الأئمة...
ولكن الصوت الذي أجاب الشيخ لم يكن صوت الإمام!.. فكانت مفاجأة لم يتوقعها0
الأسبوع القادم بإذن الله أكمل القراءة فى رواية الغواص