انطلقت أمس الخميس، فعاليات منتدى "أوراق" بمؤسسة الدستور، حيث عقدت ندوة أدبية نقدية بعنوان “تحولات القصة القصيرة ومستقبلها” أدارها الكاتب والناقد الأكاديمي الدكتور يسري عبد الله، بمشاركة مجموعة من الأدباء والمبدعين، منهم الكاتب القاص جمال مقار، الكاتبة القاصة الدكتورة عزة رشاد، والكاتب محمد خير.
وافتتح الكاتب القاص جمال مقار كلمته بتساؤل: ما هي القصة القصيرة؟ هل يعقل أنه بعد أكثر من نصف قرن من التعامل مع هذا الفن الأدبي، ما زلت عاجزًا عن وضع تعريف دقيق له بين قوسين؟
وجاءت إجابته مزيجًا من نعم ولا في آن واحد، وقال أدركت ذلك من خلال محاولاتي لكتابة قصة قصيرة حقيقية تستحق الاحترام لي ولنفسي، أعود بذاكرتي إلى بداية تعلقي بهذا الفن الرائع في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، عندما أصدر رشاد رشدي مجلة "الجديد" التي تميزت بترجمات رائعة تحمل حبًا كبيرًا لأعلام الأدب الأولين مثل أنطون تشيكوف، جي دي موباسان، وأجيالهم التالية مثل كاترين مانسيفيلد، فرجينيا وولف، لويجي بيرانديللو، وإيتالو كالفينو، وغيرهم من الأساطير الذين أسسوا لفن جديد يواكب احتياجات العصر، حينها، كنت أشعر بالدهشة أمام ذلك الفيض من الجمال، حتى أن قصة "الحرب" لويجي بيرانديللو جعلتني أبكي بكاءً مريرًا من شدة روعة نهايتها، ولم تكن تلك القصة الوحيدة التي أثرت فيّ بهذا الشكل، بل أيضًا قصة "لمن أشكو أحزاني؟" لتشيكوف كانت لها نفس التأثير.
وأضاف مقار هكذا أخذني الشغف للبحث عن أساطين كتابة القصة القصيرة عندنا، وساعدني في ذلك الأستاذ “رجائي” المشرف الاجتماعي بالمدرسة الذي كان يقيم في مكتبتها ؛ بعد أن لمس في ذلك التوجه فأمدني ببعض مجموعاتوسف إدريس، ونجيب محفوظ؛ والدكتور مصطفى محمود، لأجد فيها ما لا يقل روعة وجمالا واكتمالا عما قدم في الآداب العالمية.
وتابع: لكن لماذا ابتعد عن السؤال ما هي القصة القصيرة ؟ سأحاول أن أجيب من واقع خبرتي بها: إن كل قصة قصيرة تحلق قانونها الخاص بها من حيث الموضوعة والبناء واللغة والموسيقى الداخلية الخفية التي تشد القارئ شدا إليها، ومع ذلك فجميع هذه القصص يجمعها أنها تشبه كتلة مشعة تشع نورا ونارا تستعر ثم تلتهب ثم تستعر ثم ترتفع للحظة بارعة العبقرية من التوهج تاركة خلفها القارئ يحملق مذهولا أمام هذا البناء الجمالي في المقام الأول بما يحمله من قضايا إنسانية.
وكلما دققت النظر وأعملت الفكر في هذه الماهية ؛ انكشف لي جانب آخر من جوانب ذلك الضرب العظيم من الكتابة الإبداعية، فالقصة القصيرة فن اجتمع فيه من كل الفنون الأخرى جانب أو أكثر، فهي تأخذ من الدراما المسرحية وحدة الزمان والمكان والحدث، ومن الشعر كثافة اللغة والاقتصاد الشديد في استخدام الكلمات، ومن الرواية بعضا من طبيعتها السردية فضلا عن إمكانية استخدام الحوار متى تطلبت التجربة ذلك.
هكذا اعتمدت ما حصلته من مفاهيم حول القصة القصيرة، ورحت أحاول كتابة قصة واحدة حقيقية، واستمر ذلك الجهد والمجاهدة خمسة عشر عاما ؛ امتدت ما بين سنوات: ۱۹۷۲ حتى ۱۹۸۷ حين كتبت قصة الضعيفة يأكلها القراد حاملة تجربة خاصة في الكتابة هي أن القصة كلها جملة واحدة منذ مطلعها حتى نهايتها عبر تيار شعور واحد محمولا على نفس بطلها.