بنى المصريون القدماء مصر القديمة على أكمل وجه، من معابد وأهرامات شاهقة تُظهر أن الزمن يعجز عن محوها، ومع بناء الدولة العظيمة، كانت "الأخلاق" هى جوهر الحياة المصرية القديمة، وكان بر الوالدين أفضل الأخلاق التي يمكن أن يتحلي بها المصري القديم، بحسب اعتقاده.
وبالعودة لعصر بناة الأهرامات، نستعرض في التقرير التالي، حكاية تثبت مدى احترام وبر المصريين القدماء للوالدين.
بر الوالدين أفضل الأخلاق في مصر القديمة
ويقول العالم الأثري، سليم حسن، في موسوعته "مصر القديمة" إنه في ذلك العصر المبكر لأقدم جماعة بشرية وصلت إلينا أخبارها، ساد الاعتقاد بأن "حق كل فرد في التحلي بالأخلاق الفاضلة يمكن أن يقوم على أساس النهج والسلوك اللذين يعامل بهما أفراد أسرته، وهم والده ووالدته وإخوته وأخواته".
ويستشهد سليم حسن بمجموعة من النقوشات الموجودة على جدارن المعابد، حيث يعود بالزمن إلى ما كتبه أحد أشراف رجال الوجه القبلي الذي كان يعيش في القرن السابع والعشرين ق.م، إذ قال في نقوش قبره بعد أن عدَّد لنا كثيرًا من أعماله الطيبة: «إني لا أقول كذبًا؛ لأني كنت إنسانًا محبوبًا من والده، ممدوحًا من والدته، حسن السلوك مع أخيه، ودودًا لأخته».
ويلفت العالم الأثري، إلى أنه نجد بعد فترة من تاريخ هذا النقش أن أحد المقربين من الملك من أهل الصعيد الأقصى الذي كتب أيضًا: «إن الملك مدحني، وترك والدي وصية لمصلحتي؛ لأني كنت طيبًا … وإنسانًا محبوبًا من والده ممدوحًا من والدته ويحبه كل إخوته».
ومن هذه الكلمات يتضح كيف أن البر بالوالدين، في مصر القديمة، كان من أهم الفضائل البارزة في عصر الأهرام، فإننا نجد مذكورًا في النقوش القديمة مرارًا وتكرارًا في جبانات الأهرام أن المقابر الضخمة التي بها، كانت من صنع الأبناء البررة لآبائهم المتوفين، وأن الابن كان يعد لوالده مدفنًا فاخرًا.
حكاية رحلة محفوفة بالمخاطر لـ "سبني" لإنقاذ جثمان والده من الأعداء في مصر القديمة
وفي حكاية رائعة، من عرص بناة الأهرامات، تظهر بر الابن بأبيه قديمًا، وهى قصة “سِبْني” (حارس الباب الجنوبي)، أي المحافظ على الحدود المصرية من جهة السودان عند شلال النيل الأول، فقد حدث أن «مخو» والد «سبني» قد قام برحلة خطيرة في قلب السودان طلبًا للاتجار، وهناك انقض عليه بعض القوم من الهمج وذبحوه، فلما سمع ابنه «سبني» بذبح والده قام على الفور برحلة تحفها المخاطر في قلب ذلك الإقليم المعادي، واستخلص منه جثمان والده بعد أن تعرضت حياته خلال ذلك للموت.
وأحضر سبني جثمان والده ليُحفظ في مصر، ولا يزال قبر «سبني» باقيًا في أسوان حتى الآن، ويحتوي ذلك القبر على النقوش الدالة على ما قام به الابن «سبني» نحو أبيه «مخو» من ضروب الشجاعة لاستخلاص جثمان والده المذكور من أيدي أولئك الأعداء الهمج في زمن عصر الأهرام العتيق.