أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق، يوآف جالانت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، خلال حرب غزة.
وتشمل تلك الجرائم التجويع، والقتل، والاضطهاد، وأعمالًا غير إنسانية أُخرى، حيث وجدت المحكمة أساسًا معقولًا للاعتقاد أن نتنياهو وجالانت يتحملان مسئولية جنائية، كونهما قائدَين مدنيَّين، عن توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، وكان من المقرر أن تُصدر المحكمة أيضًا أوامر اعتقال بحق قادة «حماس» يحيى السنوار، وإسماعيل هنية، ومحمد الضيف، لكن الثلاثة قُتلوا، فى حين بقىَ أمر اعتقال محمد الضيف قائمًا. أعلنت عدة دول أوروبية، بما فى ذلك أيرلندا وألمانيا، والنرويج فى الماضى، عن أنها ستحترم حكم القضاة فى غرفة ما قبل المحاكمة إذا أصدرت أوامر اعتقال، وأعلنت هولندا وفرنسا عن أنهما ستفعلان الشىء نفسه، فيما قال وزير الخارجية البريطانى، ديفيد لامى، إن بريطانيا ستتبع الإجراءات القانونية الواجبة إذا زار بنيامين نتنياهو المملكة المتحدة، وقال لامى للصحفيين فى اجتماع مجموعة السبع فى إيطاليا: «نحن موقعون على نظام روما، وقد التزمنا دائمًا بالتزاماتنا بموجب القانون الدولى والقانون الإنسانى الدولى»، والنتيجة هى أن نتنياهو وجالانت لن يحصلا على حصانة من الاعتقال من هذه الدول إذا زاراهما.
يعرف نتنياهو أنه لو كان أقام لجنة تحقيق رسمية برئاسة قاضى محكمة عليا، لكان احتمال إصدار أمر اعتقال ضده صغيرًا جدًا. هو يفهم هذا، وطالما تحدث فى السابق عن أهمية جهاز القضاء الإسرائيلى. هو يعرف «مبدأ الاستكمال»، الذى منع حتى اليوم هيئات قضائية دولية من أن ترفع لوائح اتهام ضد زعماء إسرائيليين، والذى يعنى ببساطة أنه لو ثبت أن إسرائيل قامت بتحقيقاتها فى الخروقات بنفسها فإن أى جهة دولية لا تتولى التحقيق، لكن الحقيقة أن نتنياهو كى يتهرب من المحاكمة طالما شكك فى نزاهة القضاء الإسرائيلى وهو ما انعكس لاحقًا على إسرائيل بأكملها.
لا يوجد فى العالم رجل قانون لم يشرح هذا لنتنياهو، وكان هناك الكثير من الدعوات لإقامة لجنة تحقيق مستقلة بعد هجوم ٧ أكتوبر، لكن نتنياهو كان يماطل فيها لأنه يحاول أن يتملص من مسئوليته، فالحقيقة أن حملة تهرب نتنياهو من قضايا الفساد ومن أخطاء ٧ أكتوبر جرت معه إسرائيل كلها إلى لاهاى.
والحقيقة أن نتنياهو ليس وحده المسئول عن القرار فى لاهاى، فطوال عام كامل كانت هناك مناشدات من العالم كله لإقناع إسرائيل بأن المساعدات لا تستهدف فقط الفلسطينيين، بل تستهدفها هى نفسها أيضًا، بينما كان زعماء اليمين فى إسرائيل يتنافسون فى التصريحات عن التجويع والترحيل والإبادة.
القصة ليست فقط أمر اعتقال، بل هناك أيضًا مخاوف من فرض حظر على الأسلحة، أو تقييد إمداداتها، خشية التواطؤ مع «جرائم حرب». وهذا يمثل ضررًا وخطِرًا إضافيًا بصورة «دولة إسرائيل»، التى تتآكل بالتدريج، وهو ما يزيد فى عزلتها، كما تزيد هذه الأوامر فى الأخطار القضائية التى تهدد جنود الجيش الإسرائيلى، سواء فى الخدمة النظامية، أو الاحتياط، وهو ما قد يشجع على اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم، وهو ما يعرّضهم لخطر أوامر اعتقال مستقبلية.
الحل المتوقع قد يتعلق بترامب، لقد كان هناك شىء يشبه الاتفاق بينه وبين نتنياهو فى الأحاديث التى دارت خلال الأسابيع الأخيرة، وربما الأشهر التى سبقت الانتخابات، وكانت تدور عن أن ترامب سيعاقب المحكمة الدولية فى لاهاى وسيجد طريقة لردعها عن إصدار أوامر الاعتقال ضد بنيامين نتنياهو، ربما عن طريق فرض عقوبات على المحكمة الدولية، وعلى قضاتها، وعلى المدّعين العامين فيها.
لكن فى كل الأحوال ستبقى هذه الوصمة التاريخية الناتجة من إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو وستستغرق معالجة هذا الضرر وقتًا طويلًا.