يحبس العالم الأنفاس خوفا من اندلاع حرب نووية مدمرة يروح ضحيتها ملايين البشر على الكوكب، في ظل التصعيد الخطير الذي طرأ على مجريات الحرب الروسية الأوكرانية، وسماح الولايات المتحدة لأوكرنيا باستخدام أسلحة أمريكية في استهداف العمق الروسي.
التحول الأمريكي الذي وافق عليه الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، قابله رد روسي حازم على لسان الرئيس فلاديمير بوتين، الذي أعلن تغيير عقيدة بلاده النووية، وهو ما أثار المخاوف من نشوب حرب نووية تدمر الجميع.
وقال المحلل السياسي الأمريكي ماك شرقاوي، إن تصاعد التوترات النووية ودعم الولايات المتحدة والغرب لأوكرانيا، ومن ناحية أخرى تحالف روسيا وكوريا الشمالية المعلن الآن، يُبرز خطر اندلاع حرب نووية نتيجة الاستفزازات المتبادلة بين الجانبين.
استفزازات متبادلة
وأضاف شرقاوي لـ"الدستور"، أن دعم الولايات المتحدة والناتو لأوكرانيا وإرسال أسلحة والسماح باستخدامها لاستهداف العمق الروسي، هو تصعيد كبير في الموقف الأمريكي لاستفزاز روسيا، وهذا الدعم له تداعيات منذ بداية الحرب والدعم العسكري والاقتصادي المكثف لكييف في مواجهة موسكو يشمل الأسلحة المتقدمة والتدريبات العسكرية والذخائر ما أثار حفيظة الرئيس بوتين.
وتابع: بوتين قال إن بلاده مستعدة لحرب النووية، وآخر هذه التطورات تغيير العقيدة النووية لروسيا، وهذا يؤدي لمخاوف دولية شديدة جدا، وهناك دعوات بالتهدئة مع استمرار التصعيد اللفظي والعسكري بين جميع الأطراف.
وأشار شرقاوي، إلى أن الدمار الدولي المؤكد يجعل هذه الأسلحة النووية واستخدامها خيار مدمر للجميع لأنها ستكون ضربة مردود عليها وستكون نهاية غير محمودة للبشرية، ويمكن أن تساهم الضغوط الدولية في تقليل احتمالية نشوب هذه الحرب المدمرة ويمكن للصين والهند لعب دور الوساطة لمنع التصعيد النووي.
وشدد أن استخدام السلاح النووي سيؤدي إلى عزلة دولية للبلد الذي سيبادر باستخدامها، واحتمالية قيام هذه الحرب متوسط إلى منخفض المدى كخيار أخير، وليس من المرجح استخدامه في الوقت الحالي.
وحول الخسائر المحتلمة في حالة حدوث هذه الكارثة، قال شرقاوي: لو ضُربت مدينة بقنبلة نووية تتراوح من 15 لـ50 طنا سيكون عدد القتلى فور الانفجار من 100 ألف إلى 500 ألف وعدد المصابين بجروح خطيرة سيصل إلى نحو مليون شخص وفي حالة نشوب حرب نووية واسعة النطاق جمعت الولايات المتحدة وروسيا فالتقديرات تشير تقريبا إلى مقتل 100 إلى 200 مليون شخص في الأيام الأولى فقط.
وأكد أهمية تعزيز الدبلوماسية الدولية، واستئناف الحوار بين القوى الدولية الكبرى، وتحديث الاتفاقيات النووية والتوسع في معاهدات منع الانتشار، وممارسة الضغوط الدولية وفرض العزلة السياسية والاقتصادية على الدول التي تقوم باستفزازات نووية وتعزيز دعم مبادرات السلام.
خيار مستبعد
من ناحيته، استبعد قال الدكتور رامي الخليفة العلي، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة باريس، اندلاع الحرب النووية بين روسيا والغرب، معتبرا ذلك احتمال بعيد بالرغم من ارتفاع التهديدات وصوت روسيا العالي.
وقال العلي لـ"الدستور": هناك محاولة للردع أكثر من كونها تمهيد لشن هجوم نووي روسي ومنذ اندلاع الحرب واستمعنا إلى تصريحات متعددة من مسؤولين روس حول استخدام السلام النووي لكن الأمر ما زال بعيدا.
وأشار إلى أن تغيير العقيدة النووية الروسية واستخدام أنواع جديدة من الصواريخ بعيدة المدى والفرط صوتية تشير إلى خطر حقيقي، ومع ذلك، لسنا على أبواب حرب نووية؛ لأن التكلفة ستكون باهظة على الجانب الروسي، وبوتين لن يذهب إلى طريق اللاعودة، والغرب أيضا يريد تجنب ذلك لأن هذه الحرب لن تكون في مصلحة أحد.
وأوضح أنه في الدول الغربية، لا أحد يأخذ على محمل الجد التهديدات الروسية في هذا الإطار، والجانب الروسي بالرغم من تهديداته لكن الآن لا يمكن حتى أن يقصف أوكرانيا بهذه الأسلحة؛ لأنه يعول على وصول ترامب للحكم، وإنهاء هذه الحرب خلال فترة وجيزة.
وأضاف أن الهجوم النووي على أوكرانيا سوف يؤدي لخسائر فادحة وقد يجلب الرد من الدول الغربية باعتبار هذا الفعل تهديد لأوروبا، وتبدأ حرب عالمية ثالثة، وهو ما لا يريده بوتين المنهك اقتصاديا وعسكريا، وفي حال اندلاع المواجهة ستكون هناك خسائر فادحة للجميع.
وحول دور الدول الكبرى في منع هذه الكارثة، قال العلي، إنه لا يوجد الكثير الذي يمكن أن تقدمه بعض الدول الكبرى في الحيلولة دون اندلاع هذه الحرب النووية، لكن إذا اندلعت هذه الحرب هناك الكثير ممن سيعجزون عن تغيير معطيات اللعبة، وفي حال بدء التدمير المتبادل سوف تمتد تأثيرات الحرب على مختلف أنحاء العالم.
واختتم: حتى الآن نقول إن هذا السيناريو متخيل وليس واقعيا والجميع يدرك ذلك، وحتى روسيا التي لا تواجه خطرا وجوديا ولا هزيمة كبرى، لكن حتى خسارة الحرب لا تعني الاقتراب من التدمير الممنهج، والرئيس بوتين براجماتي لن يلجأ لهذا الخيار.